منافسة للأصالة والهوية.. العلمين تحتضن سباق الهجن بمشاركة 1500 جمل

السبت، 16 أغسطس 2025 07:46 م
منافسة للأصالة والهوية.. العلمين تحتضن سباق الهجن بمشاركة 1500 جمل

 
على رمال قرية سيدي عبد الرحمن بمنطقة العلمين، تحوّل محيط ميدان سباقات الهجن إلى لوحة نابضة بالحياة على مدار يومين كاملين.
 
وانطلقت الجِمال في 32 شوطًا من التحدي، شارك فيها 1500 جمل جاء بها ملاك الهجن من مختلف محافظات مصر الصحراوية، ليصنعوا عرسًا تراثيًا يُعيد إلى الأذهان روح البادية وتاريخها الممتد.
 
 
السباق مجرد منافسة رياضية، بل بدا ككرنفال شعبي حمل معه روح الصحراء إلى سواحل البحر، فقد وصل ملاك الهجن بقوافلهم من شمال وجنوب سيناء، الإسماعيلية، السويس، البحر الأحمر، المنيا، الأقصر، الوادي الجديد، ومطروح، حاملين معهم جمالهم الأصيلة، ونصبوا خيامهم حول المضمار، وسرعان ما تحوّل المكان إلى منطقة حيّة مكتظة بالحياة، حيث تصطف الجِمال بجانب الخيام، ترافقها فرق من المدربين والمرافقين الذين يتولون العناية بها وتجهيزها لكل شوط.
 
خلال فترة النهار، تتأهب الجِمال لخوض السباقات وسط أجواء من الحماسة والترقب، ويقفز كل مالك على أعصابه وهو يتابع جَمَله وهو يركض في المضمار الرملي، وعقب نهاية كل شوط، يتبادل المتسابقون التهاني، في مشهد يعكس الروح الرياضية الأصيلة.
 
أما ليلاً، فتشتعل نيران الحطب وسط الدائرة، ويتجمع الملاك والمرافقون والمدربون حولها، وهنا تبدأ جلسات السمر التي لا تنتهي: تعارف، تبادل خبرات، صفقات شراء وبيع للإبل، وحكايات عن الهجن وجديدها، فلا حديث يعلو بينهم سوى عن الإبل، أنسابها، قدراتها في السباقات، وأسرار تدريبها. في تلك اللحظات، تمتزج الأصالة بالمعرفة، في مدرسة مفتوحة ينقل فيها الكبار خبراتهم إلى الصغار، ويكتسب الهواة أسرارًا جديدة عن هذه الرياضة العريقة.
 
ينظم السباق الاتحاد المصري للهجن، بدعم كامل من الاتحاد الإماراتي للهجن، ضمن سلسلة سباقات متواصلة تهدف إلى نهضة هذه الرياضة في مصر، حيث يؤكد عيد حمدان، رئيس الاتحاد المصري للهجن، أن إقامة السباق في العلمين يأتي في إطار تشجيع ملاك الهجن على الاستمرار في هذه الرياضة التراثية المهمة، لافتًا إلى أن الدعم الإماراتي يعكس عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين المصري والإماراتي، ويمنح رياضة الهجن في مصر دفعة قوية نحو التطوير.
 
وأضاف حمدان، أن اختيار العلمين تحديدًا بما تتمتع به من أجواء سياحية خلابة، يعكس اهتمام الدولة المصرية الكبير بأبناء المحافظات الصحراوية، وحرصها على دعمهم وتشجيعهم للمشاركة في أنشطة تحمل بُعدًا تراثيًا وثقافيًا يربط الأجيال بجذورهم.
 
على الصعيد الفني، أوضح سلامة إبراهيم أبو الندا، رئيس اللجنة الفنية للبطولة، أن كل الإجراءات الفنية يتم اتباعها بدقة منذ بداية السباق، بدءًا من فحص الهجن وتجهيزها وحصرها، مرورًا بإعداد الكشوف الخاصة بكل فئة عمرية لضمان عدالة المنافسة. وأعرب أبو الندا عن شكره لوزارة الشباب والرياضة التي تولي اهتمامًا خاصًا بسباقات الهجن، وتوفر الدعم اللازم للاتحاد المصري من أجل تنظيم فعاليات ناجحة ترقى إلى المستوى الدولي.
 
من جانبه، أشار الدكتور مهدي سالم، مدير البطولة، إلى تخصيص أشواط تراثية خلال السباق يتنافس فيها “الركاب البشريون” الذين يمتطون الجمال بأنفسهم، في مشهد يعيد للأذهان صورة الماضي. أما بقية الأشواط فتُقام باستخدام “الراكب الآلي”، حيث يتحكم مالك كل جمل فيه عن بُعد بواسطة جهاز “الريموت كنترول”، ما يعكس المزج بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة في هذه الرياضة.
 
1
 

2
 
 
السباق لم يكن مجرد جولات في المضمار، بل محطة التقاء كبرى لملاك الهجن من شتى بقاع مصر، فإلى جانب المنافسة، شكّل الحدث فرصة لخلق مجتمع صغير متكامل، حيث تتجاور الخيام، وتتشابك الأحاديث، ويُعقد صفقات بيع وشراء الإبل، حتى الأطفال الصغار، الذين رافقوا آباءهم في الرحلة، وجدوا في السباق مدرسة عملية للتعرف على الهجن وأساليب العناية بها.
 
وبينما كانت الأقدام تهتز على إيقاع الجِمال وهي تعدو، ارتسمت على الوجوه ابتسامات الفخر والاعتزاز بهذا التراث الذي صمد أمام الزمن. في العلمين، اجتمع الماضي بالحاضر، لتبقى رياضة الهجن شاهدًا على الأصالة العربية، وجسرًا يربط الأجيال بجذورهم في الصحراء.
 
يُعد سباق العلمين واحدًا من سلسلة السباقات التي يتولى الاتحاد الإماراتي للهجن دعمها في مصر، ضمن خطة شاملة تستهدف نهضة هذه الرياضة وإعادة إحيائها في المحافظات الصحراوية، ومع هذا الزخم الكبير من المشاركة، وما شهده السباق من تنظيم احترافي، يترسخ الأمل في أن تعود ميادين الهجن المصرية إلى مكانتها الطبيعية، كمنصات رئيسية لصون التراث وتعزيز الهوية الثقافية.
 
بعد انتهاء السباق يغادر المشاركون العلمين محمّلين بالذكريات، ليس فقط عن أشواط الفوز والخسارة، بل عن روح الود التي جمعتهم، وعن تلك الليالي الدافئة التي تزينت بوهج النار وصوت الحكايات، وعن لحظات عاشوها جعلتهم أكثر ارتباطًا بتراثهم وأكثر شغفًا برياضة ستبقى علامة فارقة في الثقافة العربية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق