«الدبلوماسية المصرية» ركيزة استقرار إقليمي
الخميس، 28 أغسطس 2025 04:30 م
هشام السروجى
في منطقة تعيش تحولات جيوسياسية حادة، وتتنازع فيها القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والمصالح، تتمايز الدبلوماسية المصرية بأدائها المتزن ودورها المحوري، لتظل واحدة من أبرز أدوات الدولة المصرية في إدارة التوازنات الإقليمية، وصون مصالحها الاستراتيجية.
لقد استطاعت مصر، عبر وزارة خارجيتها، الحفاظ على موقعها كفاعل رئيسي في ملفات شديدة الحساسية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لكونها مكوناً أساسياً في معادلة الأمن القومي المصري، وبرغم من تعقيدات المشهد الذي تفرضه الجنون الاسرائيلي، حافظت القاهرة على موقعها كوسيط مقبول من مختلف الأطراف، متمسكة بثوابت تتجاوز الاعتبارات التكتيكية الآنية.
الحضور المصري في قضايا الإقليم يستند إلى إرث تاريخي وثقلي سياسي عززته التحولات التي شهدتها مصر خلال العقد الأخير، فالسياسة الخارجية المصرية الحالية تمثل امتدادًا لرؤية استراتيجية تسعى إلى ترسيخ استقرار الإقليم، وضبط إيقاع التفاعلات فيه بما لا يتعارض مع المصالح الوطنية المصرية.
وفي هذا السياق، برزت تحركات القاهرة في التعامل مع الأزمات المتكررة في قطاع غزة، حيث لعبت دورًا حاسمًا في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، وأدارت معابرها البرية والإنسانية بكفاءة ضمن إطار يحفظ سيادة الدولة المصرية، ويمنع استخدام الملف الفلسطيني لأجندات خارجية تتعارض مع ثوابت الأمن القومي المصري.
كما رفضت مصر، بشكل قاطع، ما بات يُعرف بـ"الحلول المجتزأة"، التي لا تتعامل مع جذور الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتُقصي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد شددت القاهرة في مواقفها على ضرورة تحقيق تسوية شاملة تضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
في موازاة هذا الدور المتصاعد، لم تسلم مصر من حملات التشويه والاستهداف المنظم، خاصة من قبل أطراف معادية لمفهوم الدولة الوطنية ومؤسساتها. ويأتي في مقدمة هذه الأطراف تنظيم الإخوان الإرهابي، والذي ما يزال يحاول العودة إلى المشهد من بوابة التشويش على الدولة المصرية ومؤسساتها السيادية.
الهجمات التي استهدفت بعض السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، وإن جاءت محدودة الأثر من حيث النتائج، إلا أنها تعكس سعيًا ممنهجًا لتقويض الدور المصري، وتشويه صورته على الساحة الدولية. هذه الاعتداءات لا يمكن قراءتها إلا ضمن سياق أوسع من الحرب الإعلامية والنفسية التي تمارسها قوى معادية تستشعر ضيقًا من عودة مصر إلى ممارسة دورها التقليدي كدولة إقليمية ضامنة للاستقرار.
وسط هذه التحولات، يبرز أداء وزير الخارجية المصري، السفير بدر عبد العاطي، الذي نجح في تقديم نموذج دبلوماسي متوازن يجمع بين الحزم السياسي والحكمة في إدارة الأزمات. فبجانب تمثيله الرسمي للدولة، تميز خطابه بمراعاة نبض الشارع المصري، ولا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومجمل القضايا العربية ذات البُعد السيادي.
تُظهر مواقف الوزير عبد العاطي وضوحًا في الرؤية السياسية، يوازن بين المبادئ القومية والثوابت الدبلوماسية، دون الانزلاق نحو الشعارات أو الخطابات الانفعالية. كما حرص في كافة المحافل الدولية على التأكيد على موقف مصر الرافض للتدخلات الأجنبية في شؤون الدول، والداعم لمسارات التسوية السياسية، بما يضمن وحدة وسلامة الدول العربية التي مزقتها النزاعات.
لا تسعى مصر اليوم إلى استعادة أدوار رمزية أو عاطفية، بل تتحرك ضمن رؤية استراتيجية واقعية، تُدير فيها علاقاتها الخارجية بمنطق المصالح المتوازنة، دون التخلي عن التزاماتها التاريخية، خصوصاً تجاه القضية الفلسطينية. فالدبلوماسية المصرية لا تتعامل مع الأزمات من منطلق رد الفعل، بل من منطلق استباقي يضع المصالح الوطنية في صدارة الاعتبارات، مع الالتزام بما يُعرف بـ"الدبلوماسية الأخلاقية" القائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.
تؤكد الوقائع أن الدبلوماسية المصرية، رغم التحديات والضغوط، استطاعت أن تفرض نفسها كعنصر توازن في منطقة تتأرجح على وقع النزاعات والصراعات. وتحت قيادة وزيرها الحالي، تمضي مصر في مسار إعادة تعريف دورها الإقليمي ليس بالشعارات، بل بالتحركات المدروسة والمواقف المتزنة. أما الحملات التي تتعرض لها، فليست سوى مؤشر على فاعلية الدور المصري وإزعاجه لمن يراهنون على الفوضى والانقسام.