توازنات السياسة الدولية
الأربعاء، 03 سبتمبر 2025 12:46 م
عبد الحليم محمود
الولايات المتحدة الأمريكية غاضبة. قررت أن ترفع الرسوم الجمركية على البضائع الهندية إلى خمسين في المائة. السبب؟ النفط الروسي. الهند تشتريه، وأمريكا تريد أن توقف هذه التجارة ولو بجعل الخبز أغلى والدواء أبعد. القرار يبدأ في السابع والعشرين من أغسطس. ساعة الصفر محددة بالدقيقة، كأنها عملية عسكرية لا مجرد معركة ضرائب.
الهند مرتبكة. لو استمعت إلى واشنطن جاع الناس، ولو تجاهلتها غضبت القوة العظمى. إنه امتحان قاسٍ لدولة بنت سمعتها على أنها "مستقلة القرار". لكن الاستقلالية ليست شعاراً في مؤتمر، بل فواتير كهرباء، وأنابيب غاز، وملايين لا يملكون إلا انتظار رواتبهم آخر الشهر. تدرك الهند أن انحناءها اليوم قد يجعلها أسيرة الغلاء غداً، وتدرك أيضاً أن تحدي أميركا ليس نزهة في حديقة.
أما واشنطن فتتصرف كما لو أن التجارة سلاح آخر. لم يكفها السلاح في أوكرانيا، ولا العقوبات على روسيا، حتى فتحت جبهة جديدة مع حليف يفترض أنه سندها ضد الصين. المشكلة أن الضغط الزائد يغيّر الخرائط. من يطرد الهند من باب البيت الأبيض قد يجدها تدخل من شرفة الكرملين، أو تجلس إلى مائدة بكين. والتاريخ مليء بالتحالفات التي وُلدت من رحم العقوبات.
السؤال الآن: ماذا تختار الهند؟ أن تركع فتسلم، أم تقف فتخسر؟ ربما تفعل شيئاً بين الاثنين: لا انحناء كاملاً ولا مواجهة كاملة. نصف خطوة هنا، وأخرى هناك. تلك هي السياسة الدولية في زمننا: لعبة توازنات لا انتصارات. وما يحدث بين واشنطن ونيودلهي ليس مجرد جمارك، بل فصل جديد في رواية طويلة عنوانها: كيف تعيد كل قوة صاعدة تعريف استقلالها في عالم لا يسمح لأحد أن يكون مستقلاً تماماً.