العودة الطوعية للسودانيين

الأحد، 07 سبتمبر 2025 03:42 م
العودة الطوعية للسودانيين
يوسف أيوب

السودانى مثل المصرى لا يترك أرضه إلا لسبب مؤقت، طال البعاد أم قصر، فمصيره فى وطنه. ملايين المصريين والسودانيين اضطرّتهم الظروف مع تنوعها واختلافها إلى السفر والهجرة، لكنهم أبدا لم ينقطعوا عن وطنهم. حبل الود موصول، والدم الذى يجرى فى العروق دائما يحن إلى تراب الوطن، ولا أستغرب حينما أسمع عن مصرى هاجر إلى أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها لسنوات وربما عقود طويلة، أسمع أنه اشترى قبرا له فى قريته أو مدينته. نعم فنحن شعب يحب الترحال والسفر، لكن أبدا صلتنا لا تنقطع بالأرض التى ولدنا وعشنا عليها.
 
تذكرت كل ذلك وأنا أتابع وأرصد العودة الطوعية للأشقاء السودانيين إلى بلدهم، رغم أن الدمار لم يترك شبرا فى أرض السودان الحبيبة، لكن السودانيين متلهفون على العودة، وكأنهم أقسموا أن يعمروها بأيديهم لا بأيدى الآخرين، لم ينتظروا أن تضع الحرب أوزارها، بل بدأ الآلاف منهم فى العودة إلى الخرطوم وأم درمان وغيرهما من المدن السودانية، كلّ منهم قرر أن يعود لكى تعود الحياة إلى روحه.
 
إلى مصر وفد مئات آلاف من الأشقاء السودانيين الفارين من الحرب، ليس خوفا من الحرب نفسها، لكن خوفا من عصابات وميليشيات لا تتعامل بقواعد الحروب، فكل السودانيين فى وجهة نظر ميليشيا الدعم السريع «أعداء»، كما كانت تنظر جماعة الإخوان الإرهابية لجموع المصريين بعد 2013. ترك السوادنيون بيوتهم وقراهم ومدنهم لأنهم غير آمنين على أنفسهم من ميليشيا تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وتستعين بالمرتزقة لقتل الشعب السودانى.
 
تركت العائلات والأسر السودان وتوجهوا إلى مصر، حيث روابط الأخوة والدم، ووثقوا فى قواتهم المسلحة أنها قادرة على رد عدوان الميليشيا ودحرهم وتنظيف المدن السودانية من القتلة والمجرمين.
 
فى مصر وجد السودانيون الترحاب من كل المصريين، فمصر التى فتحت أبوابها لكل الأشقاء، لم تستغل أزمات الأخوة بل قالت للجميع «أهلا بكم فى بلدكم». عاش السودانيون بيننا ووسطنا، نأكل ونشرب معا، ويجمعنا الكثير من الروابط والود، وقبل كل ذلك الحب.
 
مع بدء استقرار الأوضاع فى الخرطوم وأم درمان وغيرهما بفضل الجهد الذى بذله وما زال الجيش السودانى، قرر السودانيون أن يكونوا السواعد التى تعيد بناء بلدهم، فها هم يعودون كل يوم ليكونوا شركاء فى تنمية بلدهم ورفع كل بصمات الإرهاب والقتل والإجرام.
 
قطارات وباصات العودة الطوعية تنطلق يوميا من القاهرة متوجه إلى السودان، فى جهد كبير يسهر عليه سودانيون وطنيون يشاركهم إخوانهم المصريين الذين تظل رسالتهم دوما للأشقاء: كونوا سواعد لبناء وتنمية السودان، وأهلا بكم فى مصر فى أى وقت.
 
فى سهرة سودانية على ضفاف نيل الجيزة، تجمع مساء السبت الماضى مئات السودانيين الذين جمعتهم رسالة واحدة، وهى توجيه الشكر لمصر والمصريين على ما قدموه لأشقائهم، فى احتفالية كبيرة، نظمتها الإعلامية والشاعرة السودانية «داليا إلياس»، التى تواصل عبر «ملتقى أندياح» عملها كجسر للتواصل الشعبى بين أبناء وادى النيل.
 
هذه السهرة التى حملت عنوان «راجعين/درب السلامة»، امتدت لأكثر من أربع ساعات وتخللتها فعاليات كثيرة، كلها كانت تصب فى اتجاه واحد، أنه لا شىء يضاهى نعمة الوطن والمواطنة، خرجت منها بانطباعات عديدة لعل أبرزها:
 
إنه مهما حاول البعض شيطنة العلاقات والروابط المصرية السودانية إلا أن الشعبيين لديهم وعى قوى بأهمية ترابطهم، وأن قوتهم فى وحدتهم.
أن العودة الطوعية للسودانيين لم تكن إلا قرارا سودانيا خالصا، وإن مصر حكومة وشعبا لم يضيقوا ذرعا بالأشقاء الذين قرروا من تلقاء أنفسهم أن يعودوا إلى بلدهم ليعيدوا بناءها من جديد.
 
هناك تسابق بين المؤسسات الرسمية والشعبية السودانية فى تقديم يد العون والمساعدة لكل راغب فى العودة، وأن ما تقوم به منظومة الصناعات الدفاعية السودانية هو جهد كبير يلخص التلاحم الكبير بين أبناء السودان لمساعدة بعضهم البعض فى أن يعودوا إلى منازلهم آمنين مطمئنين، وكان لافتاً لكى، رفض المهندسة أميمة عبد الله رئيس لجنة العودة الطوعية، توجيه الشكر لها او القائمين على المبادرة، وقولها لمن يريدون شكرها: أحنا ما بنعمل شيء.. دى بلدنا وحقها علينا.
 
أن العودة رغم الصورة السائدة أنها تشمل كبار السن، لكن الحقيقة أن هناك فئات مهنية عديدة عادت ضمن مبادرة العودة الطوعية وأبرزهم المدرسون ومهنيون وموظفو الطيران المدنى، فى مشهد يؤكد مجددا أن السودانيين، وهم شعب مثقف وشديد الصلة بأرضه ووطنه، لديهم كل الثقة فى مؤسسات بلدهم، وأنهم سيكونون شركاء فى التنمية والتعمير، لتعود أرض السودان مضيئة كما كانت من قبل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق