أطفال السمنة... جوع من نوع آخر

السبت، 13 سبتمبر 2025 06:33 م
أطفال السمنة... جوع من نوع آخر
عبد الحليم محمود يكتب:

 
لم يعد الجوع في هذا العالم بطونًا خاوية، بل بطونًا ممتلئة بما يقتل ببطء. دراسة حديثة تؤكد أن الطفل إذا أصيب بالسمنة في سن الرابعة، فقد لا يتجاوز عمره تسعةً وثلاثين عامًا، بينما يعيش أقرانه الأصحاء حتى الخامسة والستين. نصف العمر يضيع قبل أن تبدأ الطفولة! مأساة لم تعد في غياب الطعام، بل في حضوره المضر.
 
الأطفال اليوم يعرفون طعم الكيس الملوَّن أكثر مما يعرفون طعم التفاحة. الوجبات السريعة تبتسم لهم من الشاشات، ثم تطعنهم في صحتهم. لم تعد مائدة البيت كما كانت: خبزًا وخضارًا وفاكهة في موسمها، بل صارت أكياسًا ورقية تأتي من مطابخ لا نعرفها. حتى اللعب تغيّر؛ فالملاعب ضاقت، والشوارع ازدحمت
بالسيارات، فاستبدل الطفل الكرة بأزرار الهاتف، والحديقة بالشاشة المضيئة. الطفل الذي كان يعود بملابس متسخة من اللعب، صار يعود بظهر محني من الجلوس.
 
السمنة ليست وزنًا زائدًا، بل عبئًا على الروح. الطفل البدين يسمع كلمات جارحة في المدرسة، فينكمش ويتوارى. تزوره أمراض الكبار مبكرًا: السكري وضغط الدم والقلب المرهق. والمشهد أقسى حين ترى في الشارع نفسه طفلًا يلهث من الجوع، وآخر يلهث من الشحم. الأول يبحث عن لقمة، والثاني يبحث عن نفسه داخل جسده. عالم فقد توازنه: موت بالجوع هنا، وموت بالتخمة هناك، وفي الحالتين الضحية واحدة… الطفولة.
 
والعلاج ليس سرًا: غذاء متوازن، وحركة دائمة، وتربية تعيد الاعتبار للتفاحة والخبز قبل أن يبتلعنا السوق في أكياسه الملوّنة. وربما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي مُحقًا حين قال إن الوزن الزائد قضية أمن قومي، لا صحية فقط. فالأمة التي يثقلها جسدها، يثقلها مستقبلها. ويبقى السؤال الموجع: هل نحن الذين نأكل الطعام… أم الطعام هو الذي يأكل أعمارنا؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة

"باريس الشرق" تعود

"باريس الشرق" تعود

السبت، 13 سبتمبر 2025 08:00 م