حماية آثارنا مسؤولية وطنية

الخميس، 18 سبتمبر 2025 03:59 م
حماية آثارنا مسؤولية وطنية
شيرين سيف الدين

في كل مرة أقف أمام قطعة أثرية مصرية، سواء في المتحف المصري بالتحرير أو في متحف الحضارة، أو أي من المتاحف المصرية التي أبهرت العالم، أشعر بالفخر والرهبة معًا، فنحن أبناء هذه الأرض الطيبة نملك كنوزًا لا تُقدَّر بثمن من عصور مختلفة، حضارة تتمنى دول أخرى لو عثرت على كسرة فخار منها، بينما نحن نعيش وسط آلاف القطع التي تروي تاريخًا ممتدًا آلاف السنين، ولهذا لا بد أن نتعامل مع هذه الكنوز بما يليق بها من تقدير وحماية.
 
إن حادثة اختفاء إسورة أثرية من غرفة الترميم بالمتحف المصري، قبل سفرها للمشاركة في معرض دولي في إيطاليا، تطرح تساؤلات مؤلمة ومقلقة فكيف يمكن أن تغيب قطعة بهذه القيمة عن أعيننا ولو للحظة؟.. ما حدث جرس إنذار شديد اللهجة يدعونا جميعًا إلى مراجعة أساليبنا في حماية آثارنا، سواء في المخازن أو أثناء الترميم أو حتى خلال رحلاتها إلى الخارج.
 
لا نستطيع إنكار أن الحكومة المصرية قطعت في السنوات الأخيرة خطوات واسعة في تطوير المتاحف والمناطق الأثرية وتم افتتاح عدة متاحف جديدة في المدن السياحية المختلفة مثل متحف الغردقة كي تتيح الفرصة لجميع زوار المدن المصرية بمشاهدة بعض القطع الأثرية المصرية التي يهتم بها شعوب العالم أجمع ويقفون أمامها بدهشة واحترام، وها هو المتحف المصري الكبير يقف على أعتاب الافتتاح ليكون منارة حضارية تليق باسم مصر ، لكن التطوير العمراني والتجميلي وحده لا يكفي، فالحماية الأمنية يجب أن تكون على نفس القدر من الاهتمام بل وأكثر.
 
هنا تبرز الحاجة إلى إجراءات أكثر صرامة ووضوحًا منها:
 
إلزام العاملين في غرف الترميم والمخازن بارتداء زيٍّ خاص بلا جيوب يمنع أي محاولة لإخفاء شيء.
 
تركيب أجهزة تفتيش حديثة للموظفين أثناء الدخول والخروج.
 
تزويد كل غرفة بكاميرات مراقبة عالية الدقة تغطي كل زاوية بلا استثناء، مع ربطها بغرفة تحكم مركزية تعمل على مدار الساعة.
 
إنشاء نظام تتبع دقيق لكل قطعة أثرية، بحيث يسجل مسارها ومكانها لحظة بلحظة.
 
الاستعانة بخبرات منظمة اليونسكو والجهات الدولية المتخصصة في حماية التراث لتوفير أحدث الوسائل التقنية والإجرائية.
 
كما أن الأمر لا يتوقف عند التكنولوجيا، بل يمتد إلى الردع القانوني، فسرقة الآثار ليست جريمة عادية، بل إنها جريمة بحق وطن كامل وبحق الإنسانية جمعاء، لذلك أرى أن العقوبات يجب أن تكون رادعة إلى أقصى مدى، تصل إلى السجن المؤبد أو حتى الإعدام لكل من تسول له نفسه العبث بثروة مصر الأثرية.
 
إن آثارنا ليست مجرد حجارة قديمة، بل هي شهادة ميلاد حضارتنا وهويتنا والإرث الذي تركه لنا أجدادنا شاهدا على عظمتهم، وهي  أيضا سلاحنا الناعم الذي يفرض احترام العالم لنا، وإذا لم نصنها نحن ونحافظ عليها، فمن عساه يصونها؟ فلنكن على قدر هذه الأمانة، ولنجعل من كل متحف ومخزن وغرفة ترميم حصنًا منيعًا لا يُخترق.
 
فمصر لا تملك فقط تاريخًا؛ مصر هي التاريخ ذاته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق