المنبوذون في الأرض.. الدول تضيق بجماعة الإخوان الإرهابية

السبت، 20 سبتمبر 2025 09:00 م
المنبوذون في الأرض.. الدول تضيق بجماعة الإخوان الإرهابية
محمد الشرقاوي

"الجماعة" تحولت إلى عبء يهدد الاستقرار الإقليمي.. وأوربا وضعتها في خانة "التهديدات المولدة للتطرف"

التجربة المصرية شكلت محطة لإعادة صياغة وعي عربي ودولي بحقيقة المشروع الإخواني المتطرف.. وتصاعد الإدراك العالمي لخطورة التيار

أمريكا اللاتينة دخلت المعركة وقضت على رهان "الإرهابية" في تأمين موطئ قدم بعيدًا عن الضغوط الغربية.. وواشنطن في طور تصنيفها منظمة إرهابية

 

على مدار العقد الأخير، تكشفت ملامح التحول الجذري في الموقف الإقليمي والدولي من جماعة الإخوان الإرهابية، فبعد أن راهنت الجماعة على موجة "الربيع العربي" لتفرض حضورها السياسي وتستحوذ على السلطة في أكثر من ساحة، سرعان ما اصطدمت بواقع داخلي مرتبك، ورؤية إقليمية مضادة تقودها القاهرة.

واليوم، ومع مرور أكثر من عقد على تلك اللحظة، يتضح أن المشروع الإخواني لم يتراجع فحسب، بل بات يواجه عزلة سياسية ممتدة، مدعومة بإدراك عالمي وإقليمي متنامٍ لخطورة هذا التيار على استقرار الدول الوطنية.

لقد شكلت التجربة المصرية محطة فاصلة؛ إذ لم يقتصر أثرها على الداخل المصري، بل امتد ليعيد صياغة وعي عربي ودولي حول حقيقة المشروع الإخواني المتطرف، فالعالم بدأ يدرك أن القاهرة كانت صاحبة رؤية استباقية في توصيف الجماعة باعتبارها تهديدًا للأمن القومي، لا مجرد فاعل سياسي، وهو ما انعكس في سياسات عدد متزايد من العواصم التي باتت تبتعد تدريجيًا عن تقديم أي غطاء سياسي أو دبلوماسي للجماعة، بعد أن ثبت أن المراهنة عليها كانت عبئًا أكثر منها فرصة.

المفارقة أن حلفاء الأمس، ممن وفروا للجماعة منصات إعلامية ودعمًا سياسيًا واقتصاديًا، باتوا اليوم أكثر وعيًا بمخاطر استمرار هذا الدعم، خاصة في ظل إعادة ترتيب أولوياتهم الاستراتيجية وتطبيع علاقاتهم مع القاهرة وعواصم الخليج، وهذا التحول لم يأتِ صدفة، بل ارتبط بتجارب ميدانية في ليبيا، وتداعيات مباشرة على الأمن الوطني لدول مثل الأردن والكويت والبحرين، وهو ما جعل المواقف العربية أكثر وضوحًا وحسمًا في التعامل مع هذا الملف.

في هذا السياق، تبدو لحظة التراجع الإخواني الحالية ليست مجرد محطة عابرة، بل انعكاس لتحول استراتيجي أوسع، يتقاطع فيه الموقف المصري مع إدراك جمعي متنامٍ بأن الجماعة فشلت في أن تكون بديلاً سياسيًا مشروعًا، وأنها تحولت إلى عبء يهدد الاستقرار الإقليمي ويعيق مشاريع التنمية، ويهدد السلم المجتمعي لكثير من الدول.

 

أوروبا تغلق الأبواب: من التحفظ القانوني إلى المواجهة المفتوحة

ولم تعد القارة الأوروبية في العقد الأخير فضاءً رحبًا لجماعة الإخوان الإرهابية كما كانت عليه في النصف الثاني من القرن العشرين، فبعد أن مثلت دول مثل بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا مراكز رئيسية لانتشار أنشطتهم الفكرية والدعوية منذ السبعينيات، انقلب المشهد تدريجيًا مع تزايد التقديرات الأمنية التي وضعت الجماعة في خانة "التهديدات المولدة للتطرف"، وهو تحول لا يقتصر على دولة بعينها، بل بات مسارًا أوروبيًا واسع النطاق تتضافر فيه الإجراءات الأمنية، والتشريعات القانونية، والضغوط السياسية.

 

فرنسا: من المراقبة إلى الاستئصال المنهجي

وتقدم فرنسا النموذج الأوضح، فمنذ هجمات 2015 التي ضربت باريس، صعدت أصوات مؤثرة في النخبة السياسية والأمنية تطالب بإعادة النظر في شبكات النفوذ الإخوانية، خصوصًا المرتبطة بالمراكز الثقافية والجمعيات التعليمية والدعوية، وبحلول عام 2020، مع إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون استراتيجيته لمكافحة "الانعزالية الإسلامية"، اتجهت الدولة إلى استهداف مباشر لواجهات الإخوان، سواء عبر حل جمعيات بعينها مثل "بركة سيتي" و"جماعة الشيخ ياسين"، أو عبر فرض رقابة على تمويل المساجد والمدارس الخاصة.

ولم تقتصر الحملة على الإجراءات الإدارية، بل امتدت إلى تقنينها عبر قوانين جديدة مثل قانون "مبادئ تعزيز قيم الجمهورية" (2021)، الذي أعطى السلطات أدوات قانونية لحل أي كيان يثبت ارتباطه بخطاب مناهض لقيم الدولة أو يروّج للفصل المجتمعي، بهذا المعنى، لم تعد فرنسا تكتفي بالمراقبة، بل تحولت إلى محاولة استئصال ممنهج لشبكات النفوذ الإخوانية.

وكشف تقرير حكومي حديث عن ارتباط 139 مسجدًا و21 مدرسة و280 جمعية بالجماعة، تعمل ضمن منظمات محلية بارزة مثل "مسلمو فرنسا"، حيث تعمد الجماعة استراتيجية "التغلغل الصامت" في المؤسسات العامة بهدف فرض رؤى تتناقض مع القيم الجمهورية، وفى هذا السياق، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن إجراءات جديدة تشمل مراقبة تمويل الجمعيات والمراكز التعليمية وتدقيق علاقاتها بالجماعة.

 

ألمانيا: تضييق تحت غطاء دستوري

في ألمانيا، حيث يتمتع الإخوان بتاريخ طويل في تنظيم المراكز والجمعيات منذ الخمسينيات، خصوصًا في ولايات مثل شمال الراين-وستفاليا، أخذت السلطات الاتحادية والولايات منحى أكثر تشددًا، فالتقارير الدورية الصادرة عن هيئة حماية الدستور (BfV) وضعت الجماعة بانتظام ضمن الفئات التي "تسعى لتقويض النظام الديمقراطي الحر"، وبالتالي وفرت التقارير الأساس القانوني لمراقبة الجمعيات التابعة لهم، بل وضاعفت من الضغوط على أنشطة التمويل والدعوة.

وفي عام 2019، أشارت تقارير حكومية إلى وجود نحو 1,350 عنصرًا محسوبًا على الإخوان في ألمانيا، ما دفع بعض الولايات مثل بافاريا وهيسن إلى تعزيز الرقابة على المساجد والمراكز التعليمية، كما كثفت السلطات حملات تفتيش مرتبطة بشبهات غسل أموال وتمويل خارجي، في محاولة لتقويض القاعدة المالية للجماعة.

 

النمسا وتعقب خريطة الإسلام السياسي

مثلت النمسا حالة خاصة، إذ قادت حملة غير مسبوقة عام 2021 مع إطلاق مشروع "خريطة الإسلام السياسي"، الذي عرض بيانات عن الجمعيات والشخصيات المرتبطة بتنظيمات الإسلام السياسي، ومن بينها الإخوان، وهو ما عكس رغبة الدولة في كشف البنية التحتية للجماعة للرأي العام، وربطها بمخاطر التطرف، حيث تبنت فيينا "قانون الإسلام" الجديد الذي ينص على الشفافية المالية للجمعيات الإسلامية، وحظر التمويل الخارجي، وهو ما يقطع شريانًا أساسيًا طالما اعتمدت عليه شبكات الإخوان.

وفي أكتوبر 2021، أعلنت عدة دول أوروبية عن تدشين تحالف أمني واستخباراتي لتعزيز آليات مواجهة نشاط تنظيم الإخوان الإرهابي المتغلغل في البلاد على مدار السنوات الماضية، وفي ختام منتدى فيينا لمواجهة الإسلام السياسي، أكدت النمسا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك على أهمية تعزيز التعاون على كافة المستويات لمواجهة خطر انتشار الجماعة الإرهابية، في البلدان الأوروبية.

وآنذاك أكدت وزيرة الاندماج النمساوية سوزان راب، على خطورة التحديات التي تواجها الدول وعلى وجه التحديد فرنسا والدنمارك والنمسا"، جراء تغلغل التنظيمات المتطرفة، موضحة أن الإسلام السياسي يمثل مشكلة في البلدان الثلاثة، ومحاربته تبدأ بمواجهة محاولات الفصل وخلق المجتمعات الموازية، ونشر التطرف، وكشفت عن تأسيس تعاون أوروبي لتنفيذ هذه التحركات.

 

ولا يقتصر المشهد على هذه الدول الكبرى، في الدنمارك، حظرت الحكومة بعض الجمعيات التي وُصفت بأنها واجهات فكرية للإخوان، كما صعدت الأحزاب اليمينية من ضغوطها لحظر شامل لأنشطة الجماعة، أما في هولندا، فقد كشف البرلمان تقارير عدة حول التمويل الخارجي للمساجد المرتبطة بالإخوان، وأوصى بوضع نظام رقابة أشد.

بينما في السويد، ورغم الحساسيات المرتبطة بالتعددية الدينية، نشرت تقارير استخباراتية عام 2017 تشير إلى أن الإخوان يسعون إلى بناء "بنية موازية" تستهدف السيطرة على جزء من المجتمع المسلم، وهو ما عزز خطاب التشكيك الشعبي تجاههم، حتى إيطاليا وإسبانيا، حيث الحضور الإخواني أقل كثافة، بدأت السلطات تتعامل بجدية أكبر مع ملف التمويل والأنشطة الثقافية المرتبطة بهم، خصوصًا مع تصاعد المخاوف من استغلال الجمعيات التعليمية لتجنيد الشباب.

ومن خلال هذه التحركات يمكن القول إن أوروبا انتقلت من مرحلة "التسامح القانوني" مع الإخوان بدعوى حرية التنظيم والتعبير، إلى مرحلة "التضييق الممنهج" الذي يجمع بين الأدوات القانونية والأمنية والسياسية. هذا التحول لا يعني بالضرورة حظرًا كاملًا للجماعة على مستوى الاتحاد الأوروبي، لكنه يعكس بيئة متغيرة لم تعد صديقة كما كانت، فالجماعة التي طالما اعتبرت أوروبا "ملاذًا آمنًا" لإعادة إنتاج خطابها وتنظيمها، تواجه اليوم انسدادًا متناميًا في فضاءها الأوروبى.

 

باراجواي.. انتقال الموجة إلى أمريكا اللاتينية

ولم يقتصر تضييق الخناق على الإخوان على القارة الأوروبية وحدها، بل امتد صداه إلى مناطق كانت بعيدة تقليديًا عن رادار المواجهة، وعلى رأسها أمريكا اللاتينية، في هذا السياق، برزت باراجواي كنقطة انعطاف مبكرة، حين اتخذت السلطات هناك إجراءات استثنائية تجاه جمعيات وشخصيات محسوبة على الإخوان، بعد تقارير أمنية محلية ودولية تحدثت عن استغلال البنية الاقتصادية في مثلث الحدود (بين باراجواي والبرازيل والأرجنتين) لتأمين مصادر تمويل موازية.

وفي فبراير 2023، صنفت دولة باراجواي تنظيم الإخوان تنظيماً إرهابياً، وذلك بعد مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيجو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس المكوّن من 45 عضواً، وقال البرلمان آنذاك، إن تنظيم الإخوان الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الأيديولوجية لمن يستخدم العنف ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب، وأن باراجواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية).

وعكست خطوة باراجواي عكست إدراكًا متناميًا بأن شبكات الإخوان لم تعد محصورة في أوروبا أو الشرق الأوسط، بل تسعى إلى التمدد في بيئات جديدة تستفيد من ضعف الرقابة المالية ومرونة القوانين، ومع أن الحضور العددي للجماعة في أمريكا اللاتينية محدود مقارنة بالقارة الأوروبية، إلا أن الرمزية السياسية لقرار باراجواي جعلته بداية لموجة مراقبة أوسع شملت لاحقًا دولًا أخرى في الإقليم.

وفي الأرجنتين والبرازيل، بدأت مراكز أبحاث وهيئات برلمانية تتحدث صراحة عن ضرورة تتبع الأنشطة المرتبطة بالإخوان، خصوصًا في مجالات الجمعيات الخيرية والتعليمية التي يُشتبه في ارتباطها بتحويلات مالية غير شفافة، كما أن دولًا مثل تشيلي وكولومبيا أدرجت ملف "الإسلام السياسي" في نقاشاتها الأمنية، للمرة الأولى، باعتباره قابلًا للتسلل عبر بوابة الهجرة والتجارة.

وتعتبر مرحلة دخول أمريكا اللاتينية المعركة ضد الإخوان هي مرحلة مفصلية، حيث نقلت المعركة مع الإخوان من سياقها الأوروبي-الشرقي إلى رقعة جغرافية جديدة، حيث كانت الجماعة تراهن على ضعف الاهتمام الغربي بأمريكا اللاتينية لتأمين موطئ قدم بعيدًا عن الضغوط، لكن هذا الرهان بدأ يتلاشى مع تحرك الدول اللاتينية تباعًا نحو التعقب، الأمر الذي يضع مستقبل وجود الإخوان في تلك المنطقة أمام معادلة أكثر تعقيدًا مما توقعوا.

 

تخلي الحلفاء السابقين.. إدراك متأخر لخطورة الجماعة

لم يكن تراجع الحاضنة السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية في المنطقة حدثًا مفاجئًا بقدر ما كان نتيجة طبيعية لمسار طويل من التجربة والبراغماتية، فالدول التي احتضنتهم يومًا، اكتشفت أن استمرار العلاقة معهم صار عائقًا أمام بناء تفاهمات إقليمية أوسع، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في الإقليم بعد عام 2020، فلقد تحولت الجماعة من ورقة سياسية قابلة للاستثمار إلى عبء يعرقل مسارات التطبيع وإعادة التموضع.

ففي أنقرة، بدا واضحًا أن القيادة التركية أعادت النظر في جدوى استمرار احتضانها لرموز الجماعة بعد سنوات من الرهان عليهم كورقة ضغط في ملفات إقليمية متعددة، ومع تغير أولويات السياسة الخارجية التركية، خصوصًا في ملفات شرق المتوسط والعلاقات الاقتصادية مع الخليج، جاء القرار بفتح صفحة جديدة مع القاهرة باعتبارها مدخلًا ضروريًا لإعادة التوازن الدبلوماسي، وهكذا، جرى التضييق على نشاط قنوات الإخوان الإعلامية، وتقييد تحركات قياداتهم المقيمين على الأراضي التركية، في إشارة صريحة إلى أن المرحلة السابقة قد انتهت بلا رجعة.

والمشهد ذاته تكرر في الدوحة، وإن بصيغة مختلفة، فالتسوية الخليجية عام 2021 مثلت نقطة تحول دفعت قطر إلى إعادة ترتيب أولوياتها، والبحث عن مسارات أكثر توافقًا مع محيطها العربي. ومع التقدم في مسار المصالحة مع مصر والإمارات والسعودية، تقلصت مساحة الحركة أمام الإخوان تدريجيًا، وبات واضحًا أن الحفاظ على علاقات متينة مع العواصم العربية أهم بكثير من الاحتفاظ بعلاقة مكلفة مع جماعة تثير الانقسامات.

ومنذ تلك اللحظة، بدأت تظهر رحلات الهروب التدريجي لقيادات وعناصر الإخوان من إسطنبول والدوحة نحو وجهات جديدة أكثر مرونة، مثل لندن، وماليزيا، وبعض دول البلقان وأمريكا اللاتينية، وإن كان هذا النزوح لم يكن منظمًا بقدر ما كان استجابة فردية لضغوط متزايدة، لكنه عكس إدراكًا داخل صفوف الجماعة بأن المظلة التقليدية التي وفرت لهم الأمان لعقد كامل لم تعد متاحة، وهكذا تحولت تركيا وقطر من ملاذات آمنة إلى نقاط عبور مؤقتة، سرعان ما فقدت صلاحيتها.

هذه التحولات لا تعكس فقط تبدل الحسابات السياسية، بل تكشف عن إدراك إقليمي متزايد بأن الجماعة لم تعد تمثل ورقة رابحة، بل عقبة أمام بناء منظومات تعاون مستقرة، ومع انكماش الهوامش المتاحة لهم في تركيا وقطر، فقد التنظيم واحدة من أبرز ركائزه الخارجية، لينضم إلى سلسلة خسارات جعلت الأرض تضيق عليهم يومًا بعد آخر.

 

العزلة الدولية.. المراجعة الأمريكية كحلقة مفصلية

لم يعد المشهد الدولي يمنح جماعة الإخوان الإرهابية الغطاء الذي تمتعت به لعقود، لكن الزخم الأبرز في هذا التحول خلال عام 2025 جاء من الولايات المتحدة، فواشنطن، التي كانت تاريخيًا ساحة رئيسية لنشاط الجماعة عبر منظمات ضغط ومراكز بحثية وشبكات تمويل، باتت اليوم تُعيد النظر في حضور الإخوان، وصولًا إلى طرح فكرة تصنيفها منظمة إرهابية بشكل رسمي.

وفي أغسطس 2025، فجّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو جدلًا واسعًا حين أعلن أن الولايات المتحدة في طور تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وجاء ذلك خلال مقابلة إذاعية مع "سيد روزنبرج" في برنامج Sid & Friends in the Morning، حيث سُئل بشكل مباشر عن علاقة المرشح لمنصب عمدة نيويورك، زهران ممداني، بالجماعة، وعن دعم منظمات مثل كير (CAIR) ، أكد روبيو أن الخطوات "قيد الإعداد"، موضحًا أن التعقيد الأكبر يكمن في تنوع فروع الإخوان عالميًا، لكن الاتجاه في واشنطن يسير نحو الحسم.

ولم يأتِ هذا التصريح بمعزل عن ضغوط متنامية في الكونجرس، ففي يوليو 2025، وجّه السيناتور الجمهوري توم كوتون رسالة رسمية إلى مفوض مصلحة الضرائب، طالب فيها بالتحقيق في الوضع الضريبي لمنظمة كير، مستشهدًا بـ"أدلة طويلة" على صلاتها التاريخية بحماس والإخوان، وأشار كوتون إلى أن المنظمة أُدرجت بالفعل كجزء من لجنة فلسطين التابعة للإخوان في أكبر قضية تمويل إرهاب في تاريخ الولايات المتحدة.

وبالتوازي، نشر موقع ديلي واير تقريرًا موسعًا في منتصف يوليو 2025 عدّد خمسة أسباب رئيسية تجعل من تصنيف الجماعة ضرورة أمنية وسياسية. أولها، أن الإخوان يتحركون وفق مشروع عالمي يقوم على "السيطرة على العالم"، وهو شعار رفعته صحيفة "رسالة الإخوان" في لندن حتى ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وثانيها، أن الجماعة تحمل إرثًا دمويًا طويلًا، بدءً من تأسيس جناحها العسكري في ثلاثينيات القرن الماضي، مرورًا باغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي عام 1948، وصولًا لمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في أكتوبر 1954.

وأشار التقرير أيضًا إلى تكتيكات الإخوان في "تبييض صورتهم" منذ السبعينيات عبر العمل الخيري والأنشطة المجتمعية، بينما ظل الهدف الحقيقي هو اختراق المؤسسات الغربية والتأثير في الرأي العام، وذكّر بأن الجماعة ألهمت العديد من التنظيمات الإرهابية كـ"القاعدة" و"داعش"، ما يجعلها بمثابة الحاضنة الأيديولوجية للعنف المعولم.

وسياسيًا، برز دور السيناتور تيد كروز، الذي أعاد في يوليو 2025 طرح مشروع قانون لتصنيف الجماعة إرهابية، بعد أربع محاولات سابقة تعثرت، لكن الجديد أن المناخ السياسي بات أقل تسامحًا مع التنظيمات العابرة للحدود، خاصة بعد تصاعد ملف الهجرة غير الشرعية والتطرف في الداخل الأمريكي، ومع ذلك، يواجه كروز وحلفاؤه مقاومة متوقعة من مراكز أبحاث وجامعات وشركات علاقات عامة تتلقى تمويلات من الخارج وتحرص على ترويج صورة "معتدلة" عن الجماعة.

وتحمل هذه التطورات داخل الولايات المتحدة دلالتين مركزيتين: الأولى، أن واشنطن لم تعد ترى في الإخوان مجرد فاعل "معتدل" يمكن استيعابه سياسيًا، بل تعتبره جزءًا من معادلة التطرف العابرة للقارات، والثانية، أن التحول الأمريكي يختلف عن باقي التجارب الدولية، لأنه يستهدف الجماعة في واحد من أهم معاقلها الخارجية، حيث راكمت خلال العقود الماضية نفوذًا ملموسًا في الإعلام والسياسة والمجتمع المدني.

الأخطر بالنسبة للجماعة أن هذا التحول جاء في لحظة ضعف داخلي، حيث تعيش الإخوان أزمات صراع القيادة في المنفى، وتواجه تضييقًا في ملاذاتها التقليدية، ما يعني أن فقدان الغطاء الأمريكي – سواء عبر المراجعة الضريبية، أو تجميد مساحات العمل الإعلامي، أو الدفع نحو التصنيف الإرهابي – أن الجماعة تفقد آخر أوراق الحماية التي طالما استندت إليها في إعادة تدوير خطابها السياسي.

ولا يترك هذا المشهد الراهن مجالًا للشك: جماعة الإخوان تقف اليوم على حافة نهايتها التاريخية، فبعد أن فقدت ملاذاتها التقليدية في الشرق، وتقلص حضورها في أوروبا، وتعرضت لملاحقات في أمريكا اللاتينية، ها هي تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع موجة عزلة دولية متنامية.

فالغرب لم يعد الغرب يوفر الغطاء الذي اعتادت عليه، ولم تعد المنابر الإعلامية والحقوقية قادرة على تجميل صورتها أو إنقاذ خطابها المتآكل، فكل المؤشرات تؤكد أن الجماعة انتهت فعليًا، وأن أي حديث عن عودتها ليس إلا وهمًا يتبدد عند أول اختبار.

فالمشاريع العابرة للحدود التي بنت عليها شرعيتها باتت محاصرة، والأنظمة الإقليمية التي كانت تراهن عليها أغلقت الأبواب، وحتى محاولاتها لإعادة التموضع عبر الجمعيات والعمل الخيري لم تعد قادرة على خداع الرأي العام أو المؤسسات الأمنية، لم يعد أمام الإخوان سوى مواجهة الحقيقة المرة: الأرض لم تعد تسعهم.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق