السيسي أعاد صياغة المعادلة.. من التهجير إلى التعمير

الإثنين، 13 أكتوبر 2025 08:18 م
السيسي أعاد صياغة المعادلة.. من التهجير إلى التعمير
هشام السروجى

نجحت مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إعادة رسم خريطة التوازنات في الشرق الأوسط، من خلال سياسة "الصبر الاستراتيجي المصري" تلك السياسة التي جمعت بين ضبط النفس، والتمسك بالثوابت، والقدرة على المناورة السياسية الهادئة في لحظات احتدام النار والدخان. فمنذ اللحظة الأولى للحرب على غزة، كانت القاهرة تقرأ المشهد بأعينٍ بعيدة المدى، تدرك أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل على الوعي والوجود، وأن ما يُخطط له في الخفاء هو تفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم قسرًا نحو سيناء، بما يعنيه ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي المصري والفلسطيني على السواء.
 
لم تندفع مصر في ردودها، ولم تنجرّ إلى انفعالٍ سياسي، بل اختارت طريقًا معقدًا من الدبلوماسية متعددة المسارات، مواجهة المخطط بالثبات على المبدأ، وفتح القنوات مع جميع الأطراف دون تنازل عن الثوابت، ورفض كل الاغراءات، هذا النهج جعل القاهرة نقطة التقاء لكل خيوط الأزمة، لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها.
 
في وقت كانت بعض القوى تراهن على إنهاك مصر أو جرّها إلى صدامٍ مباشر، كانت القيادة المصرية ترد بلغة الهدوء الواثق، مستثمرة موقعها الجغرافي، وثقلها السياسي، وعمقها التاريخي، كـركيزة للأمن الإقليمي، ومعتمدة على شبكة توازنات إقليمية ودولية نسجتها بعناية خلال عقود ماضية.
 
التحول الجوهري في المشهد تجلّى في اللحظة التي نجحت فيها القاهرة في نقل مركز الثقل من خطاب الحرب إلى خطاب السلام والإعمار، فبدلًا من تمرير مخطط تهجير الفلسطينيين، تحولت القضية إلى دعوة دولية لإعادة إعمار غزة، بعد وقف الحرب، برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر شرم الشيخ للسلام.
 
هذا التحول لم يكن وليد المصادفة، بل ثمرة استراتيجية مصرية صامتة وطويلة النفس، عملت على إعادة تعريف الأولويات الدولية تجاه الأزمة: من الأمن الإسرائيلي إلى الأمن الإنساني، ومن التهجير إلى التعمير، ومن منطق القوة إلى منطق الحلول السياسية.
 
اختيار شرم الشيخ كمقر للمؤتمر كان رسالة سياسية مركّبة، أن مدينة السلام المصرية ما زالت مركز الثقل في هندسة الاستقرار الإقليمي، فكما احتضنت مصر اتفاقات سلام وتفاهمات كبرى على مدار عقود، ها هي تعود لتؤكد أن السلام الحقيقي يُصنع على أرضها، وأن صوتها هو الأصدق في الدعوة إلى التوازن والعدالة، لا إلى الإقصاء أو الانتقام.
 
اليوم في شرم الشيخ، اجتمع العالم بدعوةٍ نابعة من إرادة مصرية أصيلة، تؤكد على أن الحق في الحياة لا يُعالج بالتهجير، بل بالإعمار، وأن مأساة غزة ليست مبررًا لإعادة ترسيم الخرائط، بل حافزٌ لإعادة ترميم الضمير الإنساني.
 
أثبتت مصر بقيادة الرئيس السيسي أن الدولة التي تصبر لا تُكسر، وأن المنطق الوطني، إذا ما اقترن بالحكمة والرؤية، قادر على تحويل مسار التاريخ. فبينما راهن البعض على انهيار الموقف العربي، جاءت القاهرة لتعيد للعالم درسه القديم: أن مصر حين تصمت، فإنها تُحضّر للقول الفصل، وحين تتحرك، فإنها لا تترك خلفها سوى نتائج تفرض نفسها على الجميع.
 
وهكذا، من قلب محنة الحرب، صنعت مصر فرصة سلام جديدة، أعادت عبرها صياغة المعادلة، الإعمار بدلًا من التهجير، والتوازن بدلًا من الفوضى، وقيادة المشهد نحو المستقبل بدلًا من الفعل وردّ الفعل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق