المتحف المصري الكبير.. أيقونة حضارية تعيد كتابة المشهد السياحي في العالم

الأربعاء، 29 أكتوبر 2025 10:06 ص
المتحف المصري الكبير.. أيقونة حضارية تعيد كتابة المشهد السياحي في العالم
طلال رسلان

 
عند بوابة الأهرامات، وعلى بُعد كيلومترين فقط من هضبة الجيزة، ينتصب المتحف المصري الكبير كأحد أهم المشروعات الثقافية في القرن الحادي والعشرين، وأكبر متحف أثري مغطى في العالم. لم يعد المتحف مجرد مبنى لعرض القطع الفرعونية، بل تحول إلى مدينة حضارية متكاملة تعيد تقديم تاريخ مصر القديم بلسان التكنولوجيا الحديثة.
 
يُقام المتحف على مساحة ضخمة تصل إلى نحو نصف مليون متر مربع، بينها أكثر من مئة ألف متر مربع مخصصة للعرض المتحفي. التصميم الهندسي المدهش للمبنى صاغه مهندسون عالميون ليأخذ شكل الهرم الزجاجي الممتد على واجهة واسعة تسمح بدخول الضوء الطبيعي، وكأن الشمس تشارك في إضاءة التاريخ بنفسها. وبجانب صالات العرض الهائلة، يضم المتحف مركزًا للمؤتمرات، وقاعات سينمائية، ومناطق تجارية ومطاعم وإطلالات مباشرة على الأهرامات، ليصبح مقصدًا ثقافيًا وسياحيًا واقتصاديًا في وقت واحد.
 
 
داخل هذه المدينة المتحفية الضخمة تستقر أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، تتوزع في قاعات عصرية مجهزة بأحدث نظم العرض والشرح المرئي والصوتي، بينما تنتظر مجموعة توت عنخ آمون أن تكون نجم المتحف، في أكبر عرض متكامل لآثار فرعون واحد في التاريخ. نحو خمسة آلاف قطعة من كنوز الملك الشاب تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد، بعد أن كانت موزعة بين متاحف وصالات عرض مختلفة على مدى عقود.
 
من اللحظة الأولى لدخول المتحف، يستقبل الزائر تمثال الملك رمسيس الثاني بارتفاع يتجاوز اثني عشر مترًا ووزن يقترب من خمسة وسبعين طنًا، وقد جرت عملية نقله من قلب القاهرة إلى المتحف في واحدة من أعقد عمليات النقل الآثري على الإطلاق بمشاركة خبراء محليين ودوليين. وفي البهو العظيم تصطف القطع العملاقة التي تعلن أن الزائر أمام صرح غير تقليدي، لا يكتفي بالعرض بل يقدم تجربة.
 
التكنولوجيا كانت أحد أسرار تفرّد المشروع، فالمتحف لا يكتفي بالشرح التقليدي بل يعتمد على تقنيات الواقع الافتراضي والافتراضي المعزز، وخرائط ذكية توجه الزائر داخل القاعات، وأنظمة تسمح بتتبّع تاريخ كل قطعة عبر الهواتف، إلى جانب معامل ترميم يمكن مشاهدتها عبر فواصل زجاجية ليصبح العمل الأثري جزءًا من الرحلة. وفي منطقة الترميم وحدها يعمل أكبر مركز متخصص في العالم على مساحة تتجاوز اثنين وثلاثين ألف متر مربع، حيث تتم عمليات صيانة وترميم آلاف القطع تحت رقابة علمية دقيقة.
 
اقتصاديًا وسياحيًا، يتعامل الخبراء مع المتحف المصري الكبير باعتباره نقطة تحول في خريطة السياحة المصرية. التقديرات تشير إلى أن المتحف قادر على استقبال ما بين خمسة إلى ثمانية ملايين زائر سنويًا، وهو رقم كفيل بمضاعفة حركة السياحة حول الأهرامات بنسبة تتجاوز الأربعين في المئة. ومع إنشاء طرق وممرات سياحية وفنادق محيطة بالمتحف، يتشكل مشروع متكامل يعيد رسم المشهد في الجيزة، ويحوّل المنطقة إلى أكبر مقصد سياحي ثقافي في الشرق الأوسط. كما يوفّر المشروع آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في مجالات السياحة والخدمات والبحث العلمي.
 
جوهر المشروع يكمن في أن مصر لم تُرد بناء متحف عادي، بل أرادت صرحًا حضاريًا يليق بتاريخها الممتد لسبعة آلاف عام. المتحف المصري الكبير ليس مبنى لحفظ القطع الأثرية فحسب، بل رسالة تقول إن الحضارة الفرعونية لا تزال قادرة على الإبهار، وإن مصر تنتقل بتراثها من زمن الحجر إلى عصر الشاشة الذكية دون أن تفقد روحها.
 
عندما يفتح المتحف أبوابه بكامل طاقته أمام العالم، سيصبح زيارة واحدة كفيلة بأن تمنح السائح رحلة عبر الزمن، يبدأها من البهو العظيم، ويعبر خلالها قاعات التاريخ، ويخرج وهو يشعر بأنه عاش جزءًا من حياة الفراعنة. هكذا يتحول المتحف المصري الكبير من صرح حجري إلى أيقونة حضارية ناطقة تُعيد صياغة الدور الثقافي لمصر، وتضعها على خريطة العالم السياحية بصورة لا تقل عظمة عن حضارتها نفسها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق