زحام على بوابة التاريخ.. طوابير الزوار تمتد من المتحف المصري الكبير إلى ظلال الأهرامات

السبت، 15 نوفمبر 2025 11:50 م
زحام على بوابة التاريخ.. طوابير الزوار تمتد من المتحف المصري الكبير إلى ظلال الأهرامات
محمد فزاع

أسبوع إقبال تاريخي على حجز التذاكر والزيارة من الأجانب والمصريين.. بمتوسط 19 ألف يومياً

نظام إلكتروني جديد لحجز التذاكر لتنظيم عملية الدخول.. وتلرئيس التنفيذي للمتحف: كنا نتوقع الإقبال الكبير لكن الأعداد جاءت أسرع من التوقعات

 

لم يكن صباح الرابع من نوفمبر يومًا عاديًا في القاهرة، فمع إشراقة الشمس فوق هضبة الجيزة، كانت مصر تفتح صفحة جديدة في سجلها الحضاري بافتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا أمام الجمهور، ليبدأ فصل جديد من الحكاية التي تمتد جذورها إلى أكثر من سبعة آلاف عام.

ومنذ اللحظة الأولى، تحوّل المتحف إلى مزار عالمي يعيد تعريف العلاقة بين المصريين وتاريخهم، بعدما امتلأت أروقته بالزوار الذين تدفقوا بالآلاف في مشهد يعانق فيه الحاضر جذور الحضارة، ليغدو المتحف مركز الجذب الثقافي الأول في مصر والعالم خلال أيامه الأولى.

 

زحام في حضرة رمسيس

في ساحة البهو الكبير، وأمام تمثال الملك رمسيس الثاني، اصطف آلاف الزوار في مشهد احتفالي لم تشهده القاهرة منذ عقود، إذ امتلأت القاعات والممرات وأماكن الخدمات والمطاعم، وتحولت الزيارة إلى تظاهرة حب للحضارة المصرية.

كان المشهد أشبه بلوحة حية تمتزج فيها ملامح الفخر والإعجاب والانبهار، حيث تقف الأجيال الجديدة أمام آثار أجدادها وجهاً لوجه، وكأنها تكتشف للمرة الأولى معنى أن تكون مصريًا، فلم يكن الأمر مجرد زيارة سياحية، بل لحظة وعي جمعي تؤكد أن التاريخ ما زال يسكن القلوب قبل أن تُعرض مقتنياته في القاعات.

 

إقبال غير مسبوق على المتحف الكبير

وخلال الأسبوع الأول من الافتتاح، سجل المتحف المصري الكبير إقبالاً تاريخياً على حجز التذاكر، حتى تجاوزت الأعداد الطاقة التشغيلية المقررة، وسجل يوم 7 نوفمبر نحو 50 ألف زائر في يوم واحد، وأعلنت إدارة المتحف امتلاء السعة الاستيعابية، ما استدعى تطبيق نظام إلكتروني جديد لحجز التذاكر، في إطار خطة تنظيم عملية الدخول، بهدف تحسين مستوى الخدمات المقدمة للزوار، وضمان تجربة زيارة آمنة ومتوافقة مع طاقة المتحف الاستيعابية.

وبموجب النظام الجديد، جرى تعليق بيع التذاكر في شباك التذاكر للمتحف خلال أيام العطلات ونهاية الأسبوع (الجمعة والسبت)، أما في باقي أيام الأسبوع، فسيستمر بيع التذاكر في شباك التذاكر للمتحف جنبًا إلى جنب مع خيار الحجز الإلكتروني، وفقًا للطاقة الاستيعابية المتوفرة في تلك الأيام.

وقال الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، إن الزخم الكبير يعكس مكانة المتحف في وجدان المصريين والعالم، مشيرًا إلى أن الإدارة فضّلت وقف الحجز في بعض الأوقات مؤقتًا حفاظًا على جودة التجربة للزوار.

وأضاف: "كنا نتوقع الإقبال الكبير، لكن الأعداد جاءت أسرع من التوقعات، والهدف أن يخرج كل زائر بتجربة فريدة وآمنة، لأن المتحف ليس مجرد عرض للآثار، بل تجربة متكاملة تمتد من لحظة الدخول حتى مغادرة المكان"، موضحاً أن حركة الزيارة تسير بانسيابية تامة، حيث أن متوسط عدد الزائرين منذ بدء استقبال المتحف للجمهور في 4 نوفمبر بلغ نحو 19 ألف زائر يوميًا، بما يعكس الإقبال الكبير على زيارة المتحف من مختلف الفئات والجنسيات، لافتاً إلى أن الإقبال الجماهيري المتزايد من مختلف دول العالم يعكس المكانة الدولية التي بات يحتلها المتحف المصري الكبير كأحد أهم المقاصد الثقافية والسياحية على مستوى العالم، مؤكدًا حرص الإدارة على الاستمرار في تقديم تجربة استثنائية لكل زائر.

 

تجربة تتجاوز حدود المتحف

بسبب الإقبال غير المسبوق، امتد الحضور إلى المنطقة المحيطة بالأهرامات، حيث توجه آلاف ممن لم يتمكنوا من دخول المتحف إلى هضبة الجيزة في مشهد مهيب. وهناك، تحت ظلال الأهرامات، التقت العائلات والطلاب والوفود السياحية في لوحة تؤكد أن العلاقة بين المصريين وحضارتهم علاقة انتماء لا تنقطع.

ويقول الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة: "ما نشهده خلال هذه الأيام ليس مجرد إقبال جماهيري، بل ولادة جديدة لروح مصر القديمة في قلوب أبنائها. فالمصريون يبنون مجدهم من جديد بسواعد أحفاد الفراعنة"، مشيراً إلى أن هذا الزخم تزامن مع ذكرى اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، ما أضفى رمزية مضاعفة على الحدث، معتبرًا أن "الازدحام أمام المتحف هو تعبير صادق عن وعي المصريين بقيمة تاريخهم وإرثهم الحضاري".

 

من مشروع هندسي إلى رمز للهوية

ويمثل المتحف المصري الكبير إنجاز وطني يعكس فلسفة مصر الحديثة في استعادة ريادتها الثقافية والعلمية، حيث يمتد على مساحة نصف مليون متر مربع، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد.

أما الدرج العظيم في قلب المتحف، فيمثل رحلة زمنية صاعدة عبر التاريخ المصري، تبدأ من عصور ما قبل الأسرات وتنتهي بالعصر الحديث. وفي مدخله يقف رمسيس الثاني شامخًا، يرحّب بالزائرين كما لو كان الملك ذاته يعود ليستقبل أبناءه في معبد جديد للحضارة.

ويعتمد المتحف على أحدث تقنيات العرض التفاعلي، إذ يمكن للزوار مشاهدة العروض ثلاثية الأبعاد والتجول عبر تقنيات الواقع المعزز داخل قاعات العرض، في تجربة تجمع بين المعرفة والمتعة، كما أطلقت الإدارة مشروع التحول الرقمي الشامل، الذي يتيح أرشفة كل قطعة أثرية بصور ثلاثية الأبعاد ومعلومات تاريخية دقيقة، مع منصة رقمية تتيح جولات افتراضية للزوار حول العالم.

وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور غنيم أن المتحف لا يهدف فقط إلى عرض الآثار، بل إلى "إعادة تعريف علم المصريات" من خلال تأسيس مركز بحثي هو الأكبر في الشرق الأوسط، يربط بين الأثر والعلم والتعليم، ويحوّل المتحف إلى مؤسسة معرفية حية.

 

اقتصاد الثقافة.. والسياحة الممتدة

بحسب خبراء السياحة، فإن المتحف المصري الكبير سيغير خريطة السياحة في مصر، إذ يقول الخبير السياحي حسام هزاع: "الافتتاح المذهل الذي شاهده أكثر من مليار شخص حول العالم، خلق موجة اهتمام غير مسبوقة بمصر، وأعادها لصدارة السياحة الثقافية عالميًا. لقد بدأنا نلاحظ طلبات من شركات السياحة لتمديد الإقامة في القاهرة ليومين إضافيين لزيارة المتحف، وهو ما ينعكس مباشرة على زيادة العائد السياحي"، ويتوقع الخبراء أن يجذب المتحف ما لا يقل عن 5 ملايين زائر سنويًا، ليصبح مصدرًا رئيسيًا لدعم الاقتصاد المصري عبر السياحة الثقافية، فضلًا عن دوره في خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

 

ثقافة في متناول الجميع

تحرص إدارة المتحف على أن يكون المشروع ثقافيًا اجتماعيًا شاملًا، لا يقتصر على النخبة أو السائح الأجنبي، فالمتحف يستقبل أفواجًا من الطلاب في رحلات تعليمية، ويقيم ورشًا فنية وتوعوية للأطفال والشباب لتعزيز ارتباطهم بالتراث المصري، كما يوفر برامج خاصة لذوي الهمم، وتجارب بصرية وصوتية مهيأة لتلبية احتياجات جميع الزائرين، في خطوة تعكس مفهوم "المتحف للجميع".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة