حين يخاف الطفل

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025 04:26 م
حين يخاف الطفل
عبد الحليم محمود

بدأت الحكاية بكلمة بسيطة من طفلة صغيرة في إحدى المدارس الدولية بالعبور: «في حد بيقرب من البنات»، لم تدرك أن همستها ستفتح الباب على ستة أطفال آخرين، ووراءهم مدرسة بأكملها تهتز تحت وقع الحقيقة. لم يعرفوا بعد كيف يسمّون الألم، ولم يكن في جدران المدرسة من يصدّق صمتهم، حتى انطلقت الحكاية لتكشف مأساة كاملة لم يتوقعها أحد.
 
وتكشّفت التفاصيل تدريجيًا: عامل نظافة، كهربائي، وفرد أمن، رجال يفترض بهم حماية الأطفال، فإذا بهم يبتعدون عن أعين الجميع ويستدرجونهم إلى زاوية خلف الملعب لا تصلها الكاميرات. والأسوأ من ذلك أن أحدهم كان قد خضع سابقًا للتحقيق في واقعة مماثلة، ثم عاد إلى عمله كأن شيئًا لم يكن. وهكذا تتحوّل ثغرة صغيرة في إدارة المدرسة إلى جرح طويل لا يلتئم، وثغرة في الضمير لا يغطيها أي قانون.
 
وانفجر الغضب على منصات التواصل، لكن الغضب لم يكن مجرد صراخ، بل كان سؤالاً مؤلمًا: كيف لطفل في السادسة أن يروي ما لا يستطيع الكبار تحمّله؟ وكيف يُترك مكان مفترض أن يكون الأكثر أمانًا دون رقابة صارمة؟ كان الناس يشعرون بالذنب قبل الغضب، لأن الطفل لم يكن وحده فقط، بل معه كل من وثق بأن المدرسة ستبقى بيتًا آمنًا.
 
اتخذت وزارة التعليم قرارات عاجلة: وضع المدرسة تحت الإشراف المباشر، إحالة المسؤولين المقصّرين للتحقيق، وتعزيز إجراءات الأمان والكاميرات والفحوصات الدورية للعاملين. لكنها تأتي بعد أن فقد الأطفال شعورهم بالأمان. فالطفل قد يعود للعب، لكن ذاكرته لا تعود كما كانت. وإن خاف الطفل اليوم، فليكن مجتمعنا حضنه وملاذه، يعيد له الثقة بالعالم من حوله ، لأن كل صمت طويل يزيد الشر قوة، ويجعل صوت البراءة أضعف.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة