محمد صلاح.. بين مجدٍ لا ينسى وواقعٍ لا ينتظر
الإثنين، 08 ديسمبر 2025 06:34 م
عبد الحليم محمود
هناك لحظة في حياة الإنسان تبدو وكأن الزمن اختارها ليكشف له الحقيقة التي كان يتجنبها طويلًا. لحظة يدرك فيها أن التصفيق كان موجَّهًا للَّحظة ذاتها لا للشخص، وأن الوجوه التي حملته عاليًا لم تفعل ذلك حبًّا خالصًا، بل لأنها أرادت أن ترتفع معه قليلًا. يقف محمد صلاح اليوم أمام هذه الحقيقة. لم يتغيّر هو، ولكن العالم من حوله تغيّر بسرعة لا تتيح له حتى أن يسأل: «ماذا حدث؟». فالأكتاف التي كانت ترفعه لا تلتفت خلفها حين تُسقط حملها؛ إنها ببساطة تعتقد أن مهمتها انتهت.
وفي الغرب، كما في الحياة نفسها، كل شيء مشروط بقدرتك على أن تكون مطلوبًا في هذه اللحظة تحديدًا. ليس مطلوبًا أن تكون عظيمًا، ولا وفيًّا، ولا صاحب تاريخ طويل. المطلوب أن تكون مفيدًا الآن. فإذا تراجع بريقك لحظة واحدة، انزاح العالم من حولك كما تنزاح يد كانت تستند إلى كتفك ثم ادّعت أنها لم تلمس شيئًا. ليس لأنهم قساة بطبيعتهم، بل لأنهم يتحركون بسرعة أكبر من أن ينتبهوا لظلّك وهو يرهق. هناك لا أحد يقول: «فلنمنحه فرصة ثانية»، بل يقولون: «لنبحث عن بديل».
وحين تكلّم محمد صلاح، لم يكن صوته صوت لاعب غاضب، بل صوت رجل فوجئ بأن الناس قرأوا آخر مباراة جلس فيها، ولم يقرأوا تاريخه. كان يسأل بصدق: كيف تتحوّل العلاقة إلى صمت؟ وكيف يصبح الأكثر إخلاصًا هو الأكثر حملاً للأعباء والاتهامات؟ وكأن النجاح الذي صنعه لسنوات أصبح اليوم دليلًا ضده، وكأن قدرًا خفيًّا يهمس له: «ما قدمته بالأمس لا يكفي لليوم». وهذه قسوة لا يعرفها إلا الكبار حين تتغير قواعد اللعبة ويبقون هم اللاعبين الوحيدين الذين لم يُبلَّغوا بالتغيير.
ومع ذلك، فهذه اللحظة—على شدّتها—قد تكون أجمل دروسه. فالنجم حين ينطفئ الضوء من حوله يرى نفسه بوضوح لأول مرة. يرى ما كان يراه الناس دون أن يشعر. يرى قيمته وهو بلا جمهور، وبلا تصفيق، وبلا أكتاف تحمله. وحين ينهض من هذه اللحظة، ينهض لأنه يريد، لا لأن أحدًا رفعه. وربما هذه هي البطولة الحقيقية: أن تواصل السير وحدك حين ينفضّ الجميع، وأن تدرك أنك ما زلت قادرًا على أن تدهشهم من جديد. يقف محمد صلاح الآن في منتصف هذا الطريق… طريق لا يمشي فيه إلا أولئك الذين خُلقوا ليقفوا مهما تكررت السقوطات من حولهم.