العام يرحل.. ونحن؟
الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025 10:58 ص
عبد الحليم محمود
في مساء شتوي عادي، كان الضوء خلف النافذة خافتًا، والشارع شبه خالٍ. البرد لا يهاجم، بل يذكّر. في مثل هذه اللحظات، لا نفكر كثيرًا في الأعوام القادمة، بل في أشياء أبسط وأثقل: ما الذي تأخر قوله؟ وما الذي ظننا أن الوقت سيتكفل به عنا ولم يفعل؟
ربما لهذا يبدو نهاية العام وقتًا مناسبًا للصدق أكثر من أي وقت آخر.
مرّ عام 2025 بهدوء يشبه التعب. لم يكن قاسيًا بما يكفي ليُدان، ولا كريمًا بما يكفي ليُحتفى به. كان عامًا مليئًا بمحاولات غير مكتملة، وبقرارات أُجّلت بحجة التوقيت، وبإحساس خفي بأننا كنا نعرف ما يجب فعله، لكننا لم نكن مستعدين له تمامًا.
في ديسمبر، لا تحدث التحولات الكبيرة، ولا تنقلب المصائر كما نحب أن نتصور. كل ما يحدث أن الإيقاع يبطؤ، وأن الضجيج الذي صاحب الشهور الماضية يبدأ في الانسحاب. عندها تظهر الأسئلة التي تم تأجيلها طويلًا: لماذا بقينا في أماكن لم نعد نشبهها؟ ولماذا صدّقنا أن الغد سيكون أكثر رحمة مما احتمله الأمس؟
الشتاء لا يمنح إجابات جاهزة، لكنه يفرض التوقف. يجبر الإنسان على البقاء قريبًا من نفسه، وعلى النظر إلى ما تراكم دون أن ينتبه. في هذا الصمت البارد، تتضح حقيقة بسيطة: الزمن لا يغيّرنا، هو فقط يكشف ما كنا عليه طوال الوقت.
ومع بداية يناير 2026، لن يأتي شيء استثنائي. الصباحات هي نفسها، والالتزامات ذاتها، والواقع لا يتبدل فجأة. الفارق الوحيد الممكن هو ذلك القرار الصغير غير المعلن: أن نعيش بأقل قدر من التأجيل، وبصدق أكبر مع ما نريده فعلًا، لا مع ما اعتدنا عليه.
ليس التفاؤل أن ننتظر عامًا أفضل، بل أن ندخل العام الجديد بوعي أهدأ. وليس الشجن حزنًا على ما مضى، بل إدراكًا أن الوقت ليس خصمًا، وأن ما لم يحدث لم يضِع، لكنه ينتظر شجاعة مختلفة.
العام لا ينتهي حقًا. نحن فقط نهدأ قليلًا، ننظر حولنا، ثم نقرر — في صمت — إن كنا سنواصل السير بالطريقة نفسها، أم نجرؤ أخيرًا على تغيير الاتجاه.
وربما هذا هو السؤال الوحيد الذي يستحق أن نأخذه معنا إلى العام الجديد.