أطفال بلا نسب.. «صوت الأمة» ترصد جرائم زواج «التصادق».. العثور على بنت الـ16 مدفونة في بئر خرساني.. «القومي للمرأة»: 64% من «زواج القاصرات» ينتهي بالفشل.. و13% أخرته جريمة

الأحد، 08 يناير 2017 11:20 ص
 أطفال بلا نسب.. «صوت الأمة» ترصد جرائم زواج «التصادق».. العثور على بنت الـ16 مدفونة في بئر خرساني.. «القومي للمرأة»: 64% من «زواج القاصرات» ينتهي بالفشل.. و13% أخرته جريمة
صوت الأمة» ترصد جرائم زواج «التصادق
هناء قنديل

«حياة في الظلام، تنتهي بجثة هامدة» ملخص حياة الكثير من الفتيات، اللاتي يقدم آبائهن على تزويجهن، أو بالأحرى بيعهن، قبل بلوغ السن الرسمي، مستعينين بحيل شيطانية، يعجز عن مواجهتها القانون، في مقدمتها عمليات التصادق التي يتقنها المأذون الشرعي.

ورغم النهاية المأساوية لمعظم هذه الزيجات، فإنها لم تمنع هذا السلوك من أن يتحول إلى ظاهرة منتشرة في مختلف قرى المحافظات المصرية، وكأنها طاعون لا يجد من يوقفه.

في البداية كان الفقر يدفع الآباء لتزويج بناتهم من رجال الأعمال العرب، القادرين ماديا، وصار هذا الأمر جزء من عرف المجتمع «الفلاحي»، حتى اشتهرت بعض القرى بهذه السمعة، لكن مع الوقت، وتصاعد نسب الفقر أصبح الآباء يبحثون عمن يرفع عن كواهلهم «حمل البنات»، حتى لو كان مصريًا، متزوجًا أكثر من مرة، فالمهم أن يكون قادرًا على الزواج!

ولا يكاد يمر يوم، وإلا ونطالع قصة شنيعة التفاصيل، قاسية النهاية، تحكي رواية فتاة صغيرة باعها والدها إلى أقرب مشتر، بعد أن يتفقا على الاستعانة بمأذون بلا ضمير، يزوج تلك الضحية الصغيرة عرفيا، مقابل أن يوقع الزوج على إيصالات أمانة، تلزمه بالعقد على الفتاة رسميا حينما تتم السن القانوني، وهو ما لا يحدث غالبا؛ لأن الأمر ينتهي في العادة بجريمة، أقلها وطأة أن تنجب الفتاة، ويرفض زوجها الاعتراف بالطفل، أما أخطرها والذي يحول الأمر إلى مأساة، فهو أن تُقتل هذه الصغيرة على يد زوجها العرفي لرغبته في التخلص منها، دون أن يتكبد خسائر إيصالات الأمانة التي وقع عليها.

السطور التالية تحمل تفاصيل حلقة جديدة من مسلسل زواج الصغيرات، الذي ينتهي بجريمة، يشارك فيها الأب، والزوج، والمأذون، بينما تكون الضحية فيها فتاة صغيرة كانت ترجو من الدنيا مستقبلا مضيئا.

الأب متهم أم ضحية؟
يقول والد الضحية، وهو بائع بسيط، يدعى «تامر علي»، والذي لم يتجاوز العقد الخامس من عمره: «لجأت لتزويج ابنتي أسماء من زوجها محمد علي، ذو الـ30 عاما، والمتزوج من امرأتين قبلها؛ لأنه غني، وأنا دائما أعتبر أن زواج الفتاة مبكرًا سترة للفقراء أمثالنا».

وأضاف: «كنت أتمنى أن أريح ابنتي من العمل، في المصانع التي تمتلئ بها المنطقة الصناعية القريبة منا، خاصة أنها اعتادت المرور صباحًا ومساءً من أمام محل عمل الزوج، وهو مكتب اتصالات، استطاع أن يرمي شباكه عليها، وهو ما جعلني أوافق على زواجه منها بعدما لاحظت ميلها إليه».

وتابع الأب: «لأنني بائع على باب الله، لم أقاوم كثيرًا إغراءات الزوج، لاسيما بعدما سهل مأذون المنطقة أمامي كل العقبات، ووضع لي حلول لكل المشكلات، وأهمها صغر سن ابنتي، وعدم بلوغها السن القانوني».

الزواج سُترة
استطرد الأب: «أخبرني عريس ابنتي أن حالتنا ليست الأولى، وأن مأذون القرية، وزملائه من مأذوني القرى الأخرى، اعتادوا تزويج الفتيات الصغيرات، ومداواة الموقف القانوني، بل وتسجيل الأبناء، إذا أنجبت الفتاة قبل بلوغ السن الذي يسمح بالعقد الرسمي عليها، عبر وسيلة قانونية تسمى «التصادق»، كما طمأنني العريس، إلى أنه سيوقع إيصالات أمانة يشهد عليها المأذون، لضمان حق الفتاة إذا رفض الزوج العقد الرسمي عليها عندما تصل للسن القانوني».

وعن تفاصيل الجريمة قال الأب: «البداية كانت عقب أسبوعين من الزواج، وجدت ابنتي تحضر لي، وتخبرني أن زوجها بدأ يسيء معاملتها، ويضغط عليها؛ لكي تطلب مني إيصالات الأمانة، وعندما بحثت عن سبب ذلك، علمت من أصدقاء مشتركين، أن إحدى زوجتيه علمت بزواجه من ابنتي، وهددته إما أن يطلقها، وإما أن تغضب عليه، وتسحب منه الأموال التي يعيش بها، والسيارة، ومكتب الاتصالات، الذي يديره؛ لأنها جميعا أملاك لهذه الزوجة لا يحتكم هو منها على شيء».

وأضاف الأب: «تصاعدت الأحداث، واتصلت بي ابنتي، تطلب مني الحضور أنا ووالدتها؛ للتوصل إلى حل مع زوجها، وذهبنا إليها إلا أننا لم نجده، وأخبرتنا أسماء، أنه ذهب إلى زوجته التي تسبق ابنتي للتصالح معها، وبعد طول الانتظار، عاد الزوج وأخبرنا أنه أنهى الخلاف مع زوجته، ولم يعد هناك أي منغصات، وتركناهما بعد تناول العشاء، لنعود إلى منزلنا».

وواصل حديثه: «وعقب أذان ظهر اليوم التالي، فوجئت بزوج ابنتي يحضر لي، ويخبرني أنه خرج من المنزل، بعد مشاجرة مع ابنتي، وعندما عاد لم يجدها، ولا يعرف إلى أين ذهبت، ولاحظت حينها أن وجه محمد مليء بالكدمات، وآثار التشاجر مع أسماء».

جريمة بشعة
واستطرد «بقينا ثلاثة أيام نبحث عنها، منتظرين اتصالات منها، ومع مرور الوقت بدأت أشعر بالقلق من أن تكون أصيبت بمكروه على يد الزوج، نقطة التحول التي جعلتني أتأكد من سوء نية زوج ابنتي، كانت عندما استدعاني مركز شرطة بلبيس، لأفاجأ بأن زوج ابنتي يتهمها بالهروب مع شخص مجهول، اتهمها بأنها على علاقة آثمة به، كما اتهمني بأنني على علم بذلك، وأجبرته على توقيع إيصالات أمانة؛ لكي لا يستطيع اتخاذ أي إجراء إزاء خيانتها المزعومة له».

واستطرد الأب: «رويت هذه التفاصيل لضباط المباحث، الذين أجروا تحرياتهم السرية المكثفة، التي كشفت التفاصيل المذهلة للجريمة، التي أحرقت قلبي على ابنتي، وأصابت أمها بالشلل».
وأوضح أن تحريات المباحث، كشفت عن وقوع مشاجرة داخل منزل الزوجية، استدعى رجال المباحث الزوج للتعرف على أسبابها، فأخبرهم أنه تشاجر مع الزوجة، لأنه لمح شخصا ما خارجًا من بيته، الأمر الذي دفعه للشك في سلوكها، ومواجهتها، فوقعت بينهما المشاجرة التي كشفها رجال المباحث».

تفاصيل سقوط المتهم
كشفت محاضر التحقيقات، التي حصلت عليها بوابة «صوت الأمة» عن أن تحريات المباحث كذبت الزوج، وأنه لم يثبت زيارة أي غريب للزوجة، وهنا بدأ رجال الأمن يغيرون من استراتيجية البحث، ووصلت معلومة من أحد المصادر، تؤكد أن الزوجة لم تغادر المنزل، عقب المشاجرة مع زوجها، وهو ما دفع رجال الأمن إلى مداهمة المنزل، وتفتيشه بدقة، وفي هذه اللحظات علم رجال الأمن بوجود جراج، ملحق بالمنزل يستخدمه الزوج لركن سيارته.

لم يجد رجال المباحث داخل الجراج، ما يوحي بوجود أي شيء غريب، فالسيارة غارقة في بحر من الأتربة، وعجلاتها فقدت ما بها من هواء، وكأنها لم تغادر الجراج منذ شهور، وعندما لفت نظر رجال الأمن رائحة كريهة في الجراج، اكتشفوا أن سببها قطة نافقة داخل الجراج.

بدأ رجال المباحث مغادرة الجراج، واحدا تلو الآخر، دون أن يعثروا على أثر يمكن أن يكشف عن شيء، وقبل خروج آخرهم لمح إيشارب حريمي ملقى بإهمال في طرف قصي من الجراج، وانقلب كل شيء رأسًا على عقب.

بدأ رجال المباحث رحلة بحث جديدة داخل الجراج، وتم إخراج السيارة من مكانها وفحصها، إلا أنه بمجرد خروجها من مكانها اكتشف فريق البحث وجود آثار حفر داخل الجراج، وبتتبعها عثر رجال الأمن على غطاء لبئر من الخرسانة، وبفتحه فوجئ رجال الأمن بوجود جثة بشرية محشورة في داخل هذا البئر، وباستخراجها، من البئر، وعرضها على الطب الشرعي، تبين أنها للزوجة، وأن وفاتها كانت بسبب تعرضها لنزيف إثر كسر في الجمجمة جراء ارتطامها في جسم صلب أكثر من مرة، ويرجح أن يكون هذا الجسم هو الحائط، ولم يتمكن الطب الشرعي من كشف مزيد من التفاصيل، لأن الجثة كانت في حالة سيئة، لمرور أكثر من 72 ساعة على وجودها في الحالة التي كانت عليها داخل البئر.

على أثر ذلك تم ضبط الزوج، الذي اعترف تفصيلية للجريمة، كاشفا عن أنه عندما تشاجر مع زوجته، لإصراره على أن تذهب لوالدها من أجل إحضار إيصالات الأمانة، ولرفضها إعادة زوجته التي تصالح معها، فقد أعصابه فدفعها إلى الحائط، وسقطت صريعة، ووجهت النيابة العامة إلى الزوج تهمة القتل العمد، وأحالته إلى المحاكمة الجنائية العجلة.

إحصاءات مرعبة
أوضحت الدراسة الحديثة للمجلس القومي للمرأة أن ظاهرة الزواج المبكر، دون السن القانونية، بلغت أكثر من 200 ألف حالة خلال العام الماضي، 33% من حالات الزواج بطلتها فتاة لم تتجاوز الـ18، وأشارت الإحصائيات إلى أن64% من زواج الصغيرات ينتهي بالفشل، و13% من الزواج المبكر ينتهي بجريمة، 13% من الإناث في سن 16 إلى 19 سنة متزوجات حاليا أو سبق لهن الزواج، و26 ألف طفل يعانون من تفكك أسرهم نتيجة طلاق الوالدين.

خبير قانوني: «التصادق» جريمة العصر
يؤكد المحامي، والخبير القانوني، أشرف عاطف، أن ظاهرة زواج الفتيات دون السن القانونية، تعد أخطر الظواهر السلبية التي يعاني منها المجتمع الريفي، في مصر.
ولفت إلى أن قرى مركز بلبيس، بمحافظة الشرقية، تعد من أكثر القرى التي يكثر فيها زواج القاصرات، وفي مقدمتهم القرية التي شهدت الجريمة المشار إليها، كاشفا عن أن وراء انتشار زواج الفتيات دون السن القانوني، هو ثغرة قانونية يستغلها المأذون وتسمى وثائق التصادق على عقود الزواج.

وأضاف عاطف أن المأذون يلجأ إلى إجراء تصادق، وهو إجراء يوثق به المأذون العقد العرفي، ويتم بناء على ذلك استخراج وثيقة زواج رسمي، تضم مدة الزواج العرفي، لافتا إلى أن أهمية هذا الإجراء لا تكمن في تحويل العقد العرفي إلى رسمي فقط، وإنما تكمن في أن توثيق الزواج بتاريخ العقد العرفي، هو الطريقة الوحيدة لإثبات حق الأبناء؛ لأن إبرام عقد زواج رسمي، منذ لحظة بلوغ الفتاة السن القانونية، يضع الأبناء في مأزق أنهم جاءوا قبل الموعد الرسمي لزواج أمهم.

صعوبة إثبات النسب
بدورها أكدت عضو المجلس القومي للمرأة، الدكتورة إنعام محمد علي، أن زواج الفتيات دون السن القانونية، بات ظاهرة كارثية في محافظات مصر، وأن المستفيد الأكبر هو المأذون الذي يحصل على أكثر من 5000 جنيه، في كل زيجة، حتى صار الأمر أشبه بالتجارة.

ولفتت عضو المجلس القومي للمرأة، إلى أن الأطفال هم الضحايا الحقيقيون في هذه الجريمة فأثناء جولتنا الميدانية كمجلس للمرأة علمنا أن هناك الكثير من الأزواج الذين ماتوا قبل بلوغ زوجاتهم السن القانونية، وبالتالي لم يتم التصادق على العقود العرفية، وصار من المستحيل إثبات نسب هؤلاء الأطفال.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق