الجزائر تتحدى «الفتنة» وتزدان بالأعلام وتجدد «إرث شهدائها الأبرار»

السبت، 07 يناير 2017 09:50 ص
الجزائر تتحدى «الفتنة» وتزدان بالأعلام وتجدد «إرث شهدائها الأبرار»
الجزائر تتحدى «الفتنة» وتزدان بالأعلام وتجدد «إرث شهدائها ال

ازدانت شرفات المنازل والمحلات والشوارع والمؤسسات العامة بالجزائر اليوم السبت، بالأعلام استجابة لمبادرة أطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بوضع الأعلام الجزائرية على المباني والشرفات والمنازل والمتاجر ردا على دعاة الفتنة والتخريب في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض البلديات، فيما استدعى الجزائريون «إرثا من قيم الشهداء الأبرار» من أجل اخماد نيران فتنة اندلعت حركتها «أطراف مجهولة» واستغلت «ظرفا اقتصاديا» دقيقا تمر به البلاد جراء تراجع أسعار النفط.

وعلى مبنى الاذعة الجزائرية الواقع بشارع «الشهداء» في قلب العاصمة الجزائر وضعت الأعلام، فيما سارع المواطنون إلى وضع الأعلام في شرفات منازلهم في خطوة تحمل كثيرا من المعاني والدلالات تؤكد تلاحم الشعب الجزائري ورسالة واضحة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار البلاد.

وشهدت بعض مناطق الجزائر يوم الاثنين الماضى احتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية والخدمات تخللتها بعض الإنزلاقات التى أدت إلى أعمال شغب حملها رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال إلى "أطراف مجهولة" هدفت إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد.

ورأى الخبير الاقتصادي الجزائري عبد المالك سراي أن الزيادات التي أعلنتها الحكومة الجزائرية على بعض السلع ضئيلة ولا تستدعي ما حدث لا سيما وأن السلع الأساسية للمواطن لم تمس بأي زيادة، مشيرا إلى وجود معاناة لدى بعض المواطنين وهو أمر يجب أن يؤخذ بالحسبان من قبل المسئولين.

وأكد سراي - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط - صواب توجه الحكومة إلى رفع الدعم عن بعض السلع قائلا: «لا يمكن مثلا أن أدعم مادة أساسية مثل السكر والزيت مثل دعمي للبيبسي كولا»، واصفا دعم الحكومة بانه غير مناسب ولا ملائم لانه يتضمن الدعم للغني والفقير.

وقال إن الشعب الجزائري تميز بالوعي ولم ينجر إلى مثل تلك الأحداث التي لا تريد الا تخريبا للوطن ولكن ربما توجد معاناة لدى بعض الناس يجب أن يتم اخذها بعين الاعتبار وفي الحسبان من قبل القائمين على الأمر والمسئولين، مشيدا بهدوء رئيس الحكومة عبد المالك سلال الذي أثنى على الشباب في كلمته لدى تناوله للأحداث.

وأبدى الخبير الاقتصادي استغرابه وصدمته في الوقت نفسه من تناول وسائل الاعلام لاسيما الغربية للأحداث لاظهارها كما لو كانت «ثورة جياع»، مؤكدا أن إجراءات الحكومة تأتي في إطار رؤية اقتصادية جديدة كان يجب ايصالها للشعب.

ويتفق معه في الرأي وزير «الصناعة والمناجم» الجزائري عبد السلام بوشوراب الذي انتقد القائلين بأن قانون المالية لسنة 2017 جاء لتجويع الشعب، مشيرا إلى أن المحرضين على الاحتجاجات التي عرفتها بعض مناطق الوطن معروفون.

وقال الوزير الجزائري- تعليقا على الاحتجاجات التي شهدتها بعض مناطق البلاد بسبب قانون المالية لسنة 2017 والإجراءات الجديدة التي حملها - إن مثيري الشغب والعنف قد انكشفوا ولن يستطيعوا تهويل الوضع، مضيفا أن «الدولة الجزائرية لن تجوع شعبها.. وما جاء في قانون المالية مجرد إجراءات استثنائية بسبب الأزمة المالية، فلا داعي لتأجيج الوضع».

وعقب هذه الأحداث، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» وغيرها حركة عفوية داعية للهدوء واليقظة مطالبة الجزائريين بالوقوف صفا واحدا أمام من يريد اشعال الفتن والحرائق في البلاد، مذكرين بعضهم بعضا بـ «العشرية السوداء» التي عاشتها بلادهم في التسعينيات من القرن الماضي.

وعلى مواقع التواصل، جدد الجزائريون تمسكهم بوحدة وتماسك بلادهم وأنهم سائرون على درب النضال الذي رسمه أجدادهم متمسكين بمبادىء ثورة أرتقى فيها أكثر من مليون ونصف مليون جزائري شهداء وأعطت للوطن استقلاله عن المستعمر الفرنسي الذي ظل بها لاكثر من 130 عاما.

وقالت الإعلامية الجزائرية حدة حزام: «نحن نقف ضد العنف والدعوة إلى الخراب التي ينادي بها بعض أشباه الوطنيين الآخرين من خلف حواسيبهم في عواصم أخرى...نعم نقف في وجه التخريب لأن تجربة عقدين من الدم والدمار والآلاف من الضحايا جعلتنا نحسب لكل خطوة عواقبها حتى لا نسقط من جديد في ما سقطت فيه بلدان أخرى، تحت مسمى (الربيع العربي) الذي لم تجن منه إلا الغبار والدمار».

وأضافت: «كلنا جزائريون نحب الأفضل لبلدنا ولا مزايدة في الوطنية بين مقيم هنا ومهاجر، لكن لا نقبل بأن يزج بأبنائنا في متاهات العنف والتخريب من قبل جزائريين يتنعمون بالأمن في بلدان أخرى. فالذي يريد التغيير والتظاهر ما عليه إلا الدخول هو وأبناؤه للقيام بذلك بأنفسهم ولا «يأكلوا الشوك بأفواه أبنائنا».

من جانبه، كتب الصحفي فيصل مطاوي: «العنف طريق مسدود.. وحده النضال السياسي السلمي مجد سواء في الجزائر أو خارجها.. ليعلم دعاة العنف الذين يتكاثرون كالأعشاب الضارة بأن نباح الكلاب لا يضر السحاب»، فيما نشر المدون عبد النور دهيم خريطة الجزائر تحمل ألوان العلم الوطني الجزائري وفيها عبارات: «حافظوا على الجزائر فهي إرث قيم من شهدائنا الأبرار».

وكتب أحد النشطاء «فكرة جميلة، أن نرد بهذه الطريقة على دعاة الفتنة»، في حين كتب آخر «من أجل جزائر الأمن والأمان حفظها الله من كل سوء».. فيما قال آخر «تخيل لا يوجد منزل به نافذة ولا شرفة وأيضا على الأسطح كلها بألوان الراية الخضراء، صورة سيشهدها العالم بأسره».

ورد أحد الجزائريين المقيمين في المهجر على المبادرة: «أحسنتم.. مبادرة جيدة لنكرر المبادرات دوما لتضامن أفراد المجتمع من الشمال للجنوب ومن الغرب للشرق»، أما أحد التونسيين الذي حذر الجزائريين من الدخول في متاهات الفوضي فقال «لدي ثقة بالجارة الجزائر ستبقى واقفة كما عودتنا، وإن مست الجزائر فقولوا على الدنيا سلام».

وأطلق الجزائريون منذ الأحداث التي وقعت الاثنين الماضي خمس حملات في مواقع التواصل الاجتماعي لاقت رواجا من قبل الجزائريين وغيرهم من بينها «كلنا الجزائر»، و«قف نعم للاحتجاج..لا للتخريب»، وكذا «طالب بحقك دون تخريب»، بينما استخدم أكثر من 5000 شخص تغريدة «لنتحد ضد العنف» عبر موقع «تويتر» من أجل الدعوة إلى الهدوء والتنديد بتزييف الوقائع لاسيما تلك التي لجأت إليها بعض وسائل الإعلام الأجنبية.

ولم تقتصر ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي وإنما امتدت إلى المساجد التي اشتعلت منابرها في خطبة «الجمعة» أمس بالدعوة إلى نبذ العنف والتذكير بنعمة الأمن والاستقرار والوقوف صفا واحدا أمام دعاة الفتنة الذين يريدون التخريب.

وتضمنت الخطبة، الموحدة في سائر أنحاء البلاد، محاور تتحدث عن «نعمة الأمن والاستقرار على أنها من أعظم ما امتن الله به على عباده، واستدامة الأمن واستقرار مقصد من مقاصد الشريعة، وواجب شرعي يقع على عاتق كل المواطنين كل في موقع ومقامه».

وحذر الأئمة أيضا من الدعوات التي تثير الفتنة وتزرع الخوف، وكذا التذكير بحرمة النفوس والأموال والممتلكات وتحريم التعدي عليها، والتذكير بمفاسد العبث بأمن البلد، مشيرين إلى أن ما حققته الجزائر في ظلال الأمن من إنجازات ظاهرة جعلها محسودة من أكثر من جهة تكيد لها، الأمر الذي يستدعي يقظة ووعيا من كل أفراد المجتمع.

ولم تفوت الأحزاب الجزائرية، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الحاكم، الفرصة لتعرب عن ادانتها واستنكارها لأعمال العنف، ودعت إلى التعقل في تناول المشاكل؛ لأن هناك متربصين بالجزائر يريدون إشعال الحرائق بها.. وأكدت تلك الأحزاب أن الجزائر ستبقى آمنة مستقرة؛ لأن الشعب يريد ذلك.

ودعت الأحزاب كل الفاعلين على الساحة االسياسية وفعاليات المجتمع المدني وصناع الرأي العام وكل الخيرين إلى وضع اليد في اليد للحفاظ على السلم الاجتماعي وكل المكتسبات المحققة التي دفع من أجلها الشعب الجزائري كلفة باهظة خلال «العشرية السوداء»، مشددة على أنه «لا بديل عن السلم الا السلم ولا بديل عن الجزائر الا الجزائر».

وتساءلت الأحزاب: «ما الذي يبقى للإصلاح أو التقويم أو التجديد إذا غمر العنف الوطن وحوَّله إلى دمار وخراب، وإذا أباد العباد أو جعل منهم نازحين أو لاجئين وأدى إلى انهيار الدول بأكملها وإلى تفتت الأمم وتمزق المجتمعات الواحدة؟».

وأحدثت الاحتجاجات صداها أمنيا حيث شهدت العاصمة والمدن الكبرى حراسة مشددة ودوريات أمنية مدعمة بمختلف الوسائل التكنولوجية المتطورة لرصد الأشخاص المشتبه فيهم والذين يجري البحث عنهم من قبل العدالة والمتورطين في القيام بأعمال شغب وإحباط أي محاولة للمساس بالنظام العام.

وأحبطت أجهزة الأمن عددا من محاولات بعض الشبان لإشعال النيران وقطع الطريق، كان بطلها بعض الشباب المراهقين المغرر بهم، وكذلك بعض المنحرفين الذين حاولوا ركوب الموجة من اجل القيام بعمليات التخريب والسرقة والاعتداءات على الأفراد لدواع شخصية، بحجة الاحتجاجات على قانون المالية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق