ثلاثون عاما من المتاعب مع صاحبة الجلالة

الإثنين، 20 فبراير 2017 04:34 م
ثلاثون عاما من المتاعب مع صاحبة الجلالة
عادل السنهوري يكتب

٣٠ عاما كاملة هي عمرى المهني في مهنة صاحبة الجلالة «الصحافة»، هذه السنوات الطوال منذ تخرجي من قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة العريقة عام ١٩٨٦ وقبلها.

وأثناء سنوات الدراسة كانت محاولات لتلمُس أول الطريق لاكتشاف هذه المهنة المدهشة، التى ظلت حلمًا يداعب الخيال والوجدان فى مراحل التعليم الأولى، قبل اختيارى- دون تردد- كلية الإعلام فى بطاقة الرغبات، كرغبة أولى تسبق بقية الرغبات فى التنسيق العتيق لوزارة التعليم.

سنوات طوال مليئة بالصعاب والمتاعب والأحزان والصدمات والانكسارات، وزاخرة أيضًا بلحظات السعادة والأفراح والانتصارات العملية والشخصية، بين فرحة رؤية أول خبر ممهورًا باسمى فى صحيفة «صوت الجامعة» التى تصدر عن كلية الإعلام، وحزن مغادرتى مجلة روز اليوسف، وإغلاق صحيفة «صوت العرب» التى كانت تصدر عن دار الموقف العربى برئاسة تحرير الأستاذ عبدالعظيم مناف رحمه الله.

لم تكن «روزا» أو «صوت العرب» إلا بداية مشوار صحفى حافل بالمغامرات والحكايات التى امتزج فيها الصحفى بالسياسى، والاجتماعى بالعاطفى، وبعضها كان كفيلا بقطع الطريق مبكرًا أمام تحقيق حلم الاستمرار فى المهنة والعودة إلى ما كان يتمناه أبى- رحمة الله عليه- لى للالتحاق بـ«وظيفة مضمونة»، هكذا رآها، فى مركز النيل التابع لهيئة الاستعلامات على كورنيش النيل فى مدينتى، «دسوق»، لأنه لم يستوعب أن مهنة الصحافة يمكن أن تحقق الدخل الشهرى مثل بقية وظائف إخوتى، وظل على إلحاحه لإلحاقى بـ«الوظيفة الميرى»، والواسطة عضو مجلس الشعب.

كانت الصحافة بالنسبة لوالدى– الذى أراد من منطلق الأبوة الاطمئنان على مستقبلى- شيئًا غامضًًا، غير معروف توصيفه الوظيفى، حتى أقنعته- بعد جهد كبير- أنها مهنة تختلف عن بقية المهن والوظائف، إذ تحتاج صبرًا وتحملًا، وحتى آبلغته بعد أول مكافأة أننى «قبضت من الصحافة» ٣٠ جنيهًا، هى أول مكافأة حصلت عليها من «صوت العرب» بعد ثلاث سنوات كاملة، استقر بى الحال خلالها فى القاهرة بكل صعوبة ومشقة الحياة فيها، وحلاوتها أحيانا فى تلك السنوات دون دخل حقيقى سوى مساعدات خارجية من شقيقتى الكبرى، دون أن يعلم والدى.

يومها كدت أن أطير من الفرحة والسعادة التى تشبه سعادة الفيل فى الغابة، وأن أقفز سلالم الطابق الثالث بعد أن أمسكت بالمكافأة من مدير الحسابات الأستاذ رمضان، نزولا إلى الطابق الأرضى لإبلاغ الصديقين عماد الدين حسين وطلعت إسماعيل، صديقى عماد لم يفت عليه قسمٌ أقسمته أننى سوف «أبروِز» أول مكافأة أحصل عليها من مهنة صاحبة الجلالة، لكن ضيق ذات اليد ومشقة الحياة دفعانى إلى الصوم بديلا عن «البرواز».

بعدها كان قرارى الصعب والحزين بمغادرة مجلتى المحببة، روز اليوسف، والعمل كمتدرب فقط فى «صوت العرب» مع رفاق السنوات الثلاثين حتى الآن، وبدأ الحلم فى الصعود مع إعلان الأستاذ عبدالعظيم إصدار الصحيفة بشكل يومى فى سبتمبر ١٩٨٨، لكنه كان الشهر ذاته الذى قرر فيه مبارك إغلاق الصحيفة، حفاظًا على العلاقات مع المملكة السعودية.

كانت الصدمة الأولى والانكسار الأول للحلم- الذى لم يدم طويلا- تشتت الرفاق بحثًا عن عمل جديد بعد فشل محاولات الاعتصامات والمؤتمرات والمناشدات لعودة الصحيفة، فالقرار من مبارك لا عودة فيه.

المحطة الثالثة كانت فى مكتب صحيفة «الأنباء» الكويتية بالقاهرة على كورنيش العجوزة، فى المكتب كانت بداية التألق الصحفى الحقيقى بمواضيع وحوارات كانت مثار إعجاب كتاب كبار مثل المرحوم محمد الحيوان، ومحسن محمد بصحيفة الجمهورية، والأستاذ موسى صبرى، الذى كتب مقالا خاصًا كأنه بلاغ للجهات المعنية عن الحوار الشهير الذى أجريته مع الشيخ عمر عبدالرحمن مفتى الجماعة الاسلامية، وفيه أفتى فتواه الشهيرة بقتل الأديب العالمى نجيب محفوظ.

الحلم يصعد مرة أخرى، فهذا الشاب الذى لم يتجاوز عامه الـ٢٥ هو حديث الصحافة والمنتديات فى مصر والعالم العربى بحواره مع عمر عبدالرحمن، وبتحقيقاته وحوارته المثيرة فى «الأنباء» والتى يكتب عنها كبار الكتاب فى مصر.

وتأتى الصدمة الثانية والانكسار الآخر، هذه المرة على يد صدام حسين- رغم حبى له- فقد اختفت دولة الكويت وليس الصحيفة فقط، وعدنا مرة أخرى للبحث و«القعدة» فى نقابة الصحفيين، وبداية مرحلة الفلس والسلف والارتزاق من مواضيع الصحف العربية عبر مكاتبها فى القاهرة، والتى لا تعد ولا تحصى، جاءت مرحلة صحيفة «مصر الفتاة» برئاسة تحرير الصديق العزيز مصطفى بكرى، وهى مرحلة تحتاج كتابة خاصة عنها، ولم تستمر سوى عامين، تلقيت نبأ إغلاقها أثناء زيارتى لليمن السعيد للمشاركة فى احتفالات عيد الوحدة اليمنية.

لم تعد الصدمات والانكسارات- من تعددها وتنوعها- ذات تأثير كبير بعد ذلك، فـ«الحياة ما زال فيها الكثير»، هكذا كانت تقول الشلة.. الرحلة إلى هنا لم تتوقف، ونستكمل فى العدد القادم بإذن الله.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة