العبثية الترامبية واندلاع الثورة الأمريكية (2)

الخميس، 23 مارس 2017 07:34 م
العبثية الترامبية واندلاع الثورة الأمريكية (2)
حاتم العبد يكتب

استطرادًا واستكمالًا لتحليل الظاهرة الترامبية، تلك الظاهرة فريديّة النوع، نادرة الحدوث، حثيثية المسعى نحوعكسلعقارب الساعة، وتطويعها للدوران للخلف، نتناول اليوم معًا علاقة الترامبية بالدب الروسي، علمًا بأن التاريخ المُقتضب للترامبية السياسية يزخربالوقائع التي تسهم في جلاء الأمور وإيضاحها.

أشرنا في المقال السابق إلى عنصرين هاميّن في طريق الهاوية للعبثية الترامبية الوليدة ومسمارين أساسيين في نعشها، تمثّل الأول في معاداة المؤسسية الأمريكية معاداةً صارخة وفجّة، بينما تمثّل الثاني في الحراك السياسي الآتٍ من ولاية كاليفورنيا، ولئن كان هذا الحراك الكاليفورني سيقف عند حد التنظير دون أن يجد له تطبيقًا على أرض الواقع، أو يلامس تفاعلًا أو يصادف قبولًا، بمعنى أنه لن يتخطّى مرحلة الرفاهية السياسية، فإنه وكما أوضحنا من قبل سيكون وبلا أدنى شك وبالًا على الترامبية وأهلها. 

تتلاحق الأحداث وتتسارع وتيرتها، وشئيًا فشئيًا تتكشف الأمور وتتضح الرؤية، بمكنتي الآنالجزم بصحة تحليلي وصوابيةمرمايّ في بدأ العد التنازلي للدور النهائي بين العبثية الترامبية بالقميص المراهق المتغطرسمن ناحية وبين المؤسسية الأمريكية والشعب الأمريكي بالقميص الشرعي والمبادئيمن ناحية أخرى.

إن صحّ أنه لا دخان بدون نار، فصحيح أيضًا أنه لا تحقيق بدون أدلة جديّة، سيّما إذا ما تعلق الأمر بالأمن القومي الأمريكي وبمكافحة التجسس، وإذا ما طالت التحقيقات أشخاص من المقربين لترامب ولربما لترامب نفسه. 

بواعث الخطورة في هذا المشهد العبثي هو أن الترامبية خاسرة في كل الفروض وأنها حجزت لنفسها مقعدًا في قطار الوداع. 

الاثنين الأسود والبيت الأسود، أكاد أجزم بأنّ يوم الاثنين الماضي قد أحال البيت الأبيض - ولعلّها المرة الأولى في تاريخه - إلى البيت الأسود، ولسوف تذكر الترامبية هذا اليوم ليس فحسب على مدار ما تبقّى لها من أسابيع بل العمر كله، ولسوف يتوقف عنده المحللين والمتابعين والمهتمين بالشأن الأمريكي بالتأمل والتفكر والتدبر، إذ أدلى جيمس كومي، مديرمكتب التحقيقات الفيدرالي إف.بي.آي. بشهادته أمام لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي، وُصفت تلك الجلسة بنادرة الحدوث، مؤكدًا أن المكتب يجري بالفعل تحقيقات بشأن إمكانة وجود فرضيات بتدخل الإدارة الروسية في مجريات الانتخابات الرئاسية نهاية العام الماضي.

يتسع نطاق التحقيقات لتشمل مسؤولين في الحملة الرئاسية لترامب ومن الدائرة الضيقة له، وللوقوف على وجود تنسيق مع الإدارة الروسية من عدمه.

أردف كومي قائلًا "إن مكتب التحقيقات الفيدرالي يثمن حجم الجرائم التي ارتكبت"، واصفًا التحقيقاتبأنها "معقدة للغاية"، وألمح إلى أنه قد لا يحيط اللجنة علمًا بتفاصيل ومعلومات غير معلنة حتى حينه، وأنّ التحقيقات لا يمكن التنبؤ بجدول زمني لاستكمالها، مؤكدًا بجملة لها من الدلالة واليقين على عزم الإف.بي.آي على الوصول إلى الحقيقة قائلًا"سنتتبع أثر الحقائق مهما كانت".

في الوقت ذاته، أكد الأدميرال مايك روجرز، رئيس وكالة الأمن القومي، في شهادته أمام نفس اللجنة، أنه يؤيد تقريرًا نشر في يناير الماضي يقضي بتعمد القيصر الروسي فلاديمير بوتين إلحاق ضرر بحملة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون ومن ثم خسارتها للانتخابات عن طريق تنظيم حملة موجهة لذلك.

يجب التوقف كثيرًا حول تلك النقطة، إذ إن دخول روسيا على خط السياسة الداخلية الأمريكية بجانب كونه عملًا من أعمال التجسس، يطرح أسئلة عدة عن العلاقة غير الشرعية بين الترامبية والإدارة الروسية، باعتقادي أن التحقيقات الجارية بخصوص صحة تدخل روسيا من عدمه في الانتخابات الرئاسية تتزامن أو بالأقل تسبق مثيلاتها بشؤون أخرى، سيّما علاقة الإمبراطورية الاقتصادية الترامبية والدب الروسي الذي يحاول جاهدًا الخروج من طور البيات الشتوي الاجباري، إذ من غير المنطقي توطديّة العلاقة بين الترامبيةالسياسية والإدارة الروسية فقط عشية الانتخابات الأمريكية!

سيرغي كيسلياك، السفير الروسي بالولايات المتحدة، كلمة السر ومفتاح الألغاز، يبدو أنه يمسك بخيوط اللعبة، وفي جعبته الكثير والكثير. ويبدو أنه الطُعم والشبكة التي توقع أفراد الترامبية واحدًا تلو الآخر، فها هو مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق، وقد أُجبر على الاستقالة على خلفية اتصالات معه بشأن العقوبات الأمريكية على روسيا والتي نفاها فلين في باديء الأمر وسانده في ذلك أيضًا مايك بينس نائب ترامب، ثم ما لبس وأن تراجع فلينعن موقفه وذلك على لسان المتحدث باسمه في مؤتمر صحفي بأن قال إن السيد فلين "غير متأكد" من مناقشة موضوع العقوبات مع كيسلياك، ليدخل ترامب على خط الفضائح مؤكدًا أنه "يقيّم الوضع"، لينتهي الأمر بعيد سويعات ياستقالةفلين.

تحُل لعنة سيرغي كيسلياك على مسؤول ترامبي آخر هو وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز، صحيح أنه ما زال في منصبه، إلّا أنه على ما يبدو لن يمكث كثيرًا، إذ طالبت زعيمة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، نانسي بيلوسي، بإقالته لحنثه باليمين، لتتعالى الأصوات وتكثر الدعوات الديمقراطية بضرورة تشكيل لجنة مستقلةلا تنتمي لأي حزب،ومدعي خاص للتحقيق في العلاقة الترامبية- الروسية، نظرًا لأن سيشنز يعتبر الرئيس الإداري الأعلى للإف.بي.آي، وهو ما يعتبر خصمًا وحكمًا في آنِ واحد!أغلب الظن أنه حال تلبية تلك الدعوات فإننا سنكون أمام مباراة الدور قبل النهائيللترامبية الأمريكية.

صحيح أن المتحدثة باسم وزارة العدل، سارة فلوريس، نفت عن سيشنزتهمة الحنث باليمين مؤكدة أنه لم يكن "هناك أي شيء مضلل البتة فيما يتعلق بإجابته"، وأردفت قائلة "لقد سُئل خلال الجلسة عن أيّة اتصالات بين الإدارة الروسية وحملة ترامب، وليس بشأن اجتماعات أجراها بصفته نائبا وعضوا في لجنة الخدمات المسلحة" وقتئذ.

لم تكن تلك وحدها القنبلة المدوية والتي انفجرت في وجه الترامبية، لكن أكد المسؤولان الكبيران على عدم امتلاك مكتبيهما أي أدلة أو براهين على اتهام ترامب لإدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما بالتجسس على حملته الانتخابية في برج ترامب بنيويورك في أكتوبر الماضي، وهذا بدوره ما يدحض تلك الادعاءات اللقيطة ويكشف زيفها فضلًا عن عبثيتها.

من جانبه صرح شون سبايسر، المتحدث بالبيت الذي كان أبيضًا، بأنه لا تراجع عن اتهام أوباما وإدارته بالتنصت على حملة ترامب، في الوقت نفسه غرّد ترامبتغريدة يجدد فيها اتهامه لأوباما بالتنصت على حملته، في الوقت الذي عجز فيه عن تقديم دليل على ذلك، رافعًا شعار أنا ربكم الأعلى، فاصغوا لي وأنصتوا! أعيروني أسماعكم ولا تسألوني عن أدلة أو اثباتات! جاهلًا أو متجاهلًا أن من أبجديات السياسة مبدأ تحييد الخصوم، وأمن جانبهم، لا تعددهم ولااستعداء الجميع، فهذا هو الهلاك لا محالة. 

لكن التساؤل والذي قد لا يتبادر إلى ذهن الكثيرين، هل ثمّة علاقة بين زوجة الرئيس ترامب ذات الأصول السلوفانية السيدة ميلانا ترامب ومزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية؟وهل ستطالها التحقيقات يومًا؟

أغلب الظنّ أيضًا أن الجمهوريين سينتفضون للتبرأ من الترامبية وسيقفزون من السفينة المخروقة قبل أن تجهز عليها رياح اللا عودة وقبل أن تستقر في قاع بحر الانتحار السياسي، وذلك إنقاذًا لمستقبلهم ولمستقبل حزبهم. 

ولعل لتلك الانتفاضة وهذه الضجة ضد احتمالية علاقة ترامبية- روسية له ما يبررها، كما سنشرع في إيضاحه بدءًا من المقال القادم، إن شاء الله، فإن روسيا تتحسس موضع قدمها على الساحة الدولية وتربو إلى أن تتسيّد العالم، وتتسنم المبادرات الريادية الدولية، وهذا الطموح غير المسقوف للقيصر الروسي ولساكني الكرملين يتعارض أشد التعارض مع القواعد الدولية القائمة حتى الآن، ولن تسمح المؤسسية الأمريكية بفاعلين دوليين جدد سيّما الدب الروسي، ولن تسمح بالنديّة ولا بحرب باردة جديدة، ولن تتهاون مع من يساعدها على ذلك حتى لو كان ترامب نفسه.

يرْجح لديّ أنّ هناك من التراكمات ومن السوابق الترامبية- الروسية ما يكفل لاستمرار التحقيقات لشهور وشهور، ولربما وصلنا يومًا إلى توجيه الاتهام رسميًّا لترامببالخيانة العظمى. 

إلى قادم المستجدات، تأبى أناملي إلّا أن تبقى ممسكةً بقلمي، ويأبى قلمي إلّا أن يبقى بالحبر زاخرًا...

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق