انقلاب المحافظين الجدد في أمريكا

الجمعة، 21 أبريل 2017 10:41 م
انقلاب المحافظين الجدد في أمريكا
إيهاب عمر يكتب

شكلت نتائج الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، ثم الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2017، ضربة البداية في ثورة عالمية ضد نظام العولمة الجاري، وبالطبع لم يكن منطقياً على شبكات المصالح الغربية الراعية لهذا النظام الدولي أن تقف ساكنة، وعلى رأسها القوى السياسية التابعة لهذه المصالح.
 
وعلى أثره جرت اللعبة داخل حزب المحافظين البريطاني على استيعاب اليمين القومي البريطاني الجديد، حيث جرت فرملة صعود بوريس جونسون إلى منصب رئيس الوزراء مقابل توليه حقيبة الخارجية، في مقابل صعود سياسية مؤيدة للخروج البريطاني هي تريزا ماى، هكذا يمكن ترضية الشعب واليمين الذي صوت لصالح الانفصال بسياسية مؤيدة لهذا التوجه وفي نفس الوقت تحجيم اليمين القومي الجديد في الوزارة ريثما يتم التخلص منه في تعديل وزاري مقبل حال حرقه سياسياً.
 
هكذا جرى ائتلاف بين المحافظين والقوميين، تماماً كما جرى لاحقاً في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد صعد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية بأصوات اليمين القومي وليس اليمين المحافظ بل وسخر ترامب في رحلته للبيت الأبيض من زعامات المحافظين الجدد، ومع ذلك حظى بدعم عدد منهم مثل سارة بالين، على اعتبار أن الخطوط الفاصلة بين المحافظين والقوميين في أمريكا يمكن أن تتلاشى دون أن تختل الموازين السياسية.
 
ولكن في أبريل 2017 جرى انقلاب داخلي في الإدارة الأمريكية، تمثل في إزاحة جناح اليمين القومي المتشدد عن دوائر صناعة القرار، مقابل هيمنة جناح المحافظين الجدد، وهو انقلاب بدأ منذ إزاحة الجنرال مايكل فلين مستشار الأمن القومي، ومجئ إتش. أر. مكماستر (هربرت راموند مكماستر) بديلاً عنه.
والأخير عسكري أمريكي لا يزال في الخدمة برتبة فريق (54 عاماً في يوليو 2017) وقد شارك في حرب الخليج عام 1991 ثم حربي أفغانستان 2001 والعراق 2003 في زمن بوش الأبن، وتولى منصب مستشار الأمن القومي في 20 فبراير 2017 خلفاً للمستشار المؤقت جوزيف كيث كيلوج، وذلك بعد استقالة الجنرال مايكل فلين في 13 فبراير 2017.
 
هذا الانقلاب يقف خلفه في المقام الأول إيفانكا ترامب ابنة الرئيس وزوجها جارد كوشنر، وجاري كوين المستشار الاقتصادي للرئيس والمرشح لتولى منصب كبير موظفي البيت الأبيض خلال الفترة المقبلة في إطار خلع كافة رجالات التيار القومي داخل البيت الأبيض.
 
وقد تقلدت إيفانكا منصب استشاري في البيت الأبيض على ضوء هذا الانقلاب، كما قامت بتصعيد مساعدتها دينا حبيب باول – مصرية الأصل – مستشارة الرئيس للتنمية الاقتصادية من منصب نائبة كبير موظفي البيت الأبيض إلى نائبة مستشار الأمن القومي في صعود مدوي لتلميذة كونداليزا رايس النجيبة.
ولكن أكبر تفاصيل انقلاب أبريل 2017 تمثل في استبعاد ستيف بانون المستشار الاستراتيجي للرئيس من مجلس الأمن القومي الأمريكي، وتقليص دور وصلاحيات مستشار الأمن الداخلي توم بوسرت، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن الداخلي في زمن بوش الابن.
 
فلين الذي خرج من البيت الأبيض في فبراير 2017 وبانون الذي خرج من مجلس الامن القومي الأمريكي في أبريل 2017 كلاهما من أشد مناصري سوريا داخل البيت الأبيض وقد خرج الجنرال نهائياً بينما أصبح الاستراتيجي في منصب شرفي إلى حين.
 
عقب هذه التغييرات لا عجب أن تحولت إدارة ترامب اليوم إلى ولاية ثالثة لبوش الابن لا أكثر ولا أقل، فجنرالات تلك الإدارة هم جنرالات بوش الابن، وتلامذة رامسفيد وتشيني، وأجندة بوش الابن يتم اليوم استكمالها بل وتنفيذ خطواتها حرفياً، من تحويل أفغانستان إلى حقل تجارب للترسانة العسكرية الأمريكية الجديدة، كما رأينا حينما أجرت العسكرية الأمريكية اختبار أم القنابل في جبال أفغانستان، ثم العدوان الأمريكي على حمص السورية، وصولاً إلى التشدد الأمريكي مع روسيا رغم تودد ترامب الشخصي لموسكو.
 
مع هزيمة ترامب في التصويت الشعبي بفارق يلامس 3 مليون صوت، وانتصاره بصوت القوميين في المقام الأول، يأتي هذا الانقلاب الداخلي ليضع علامة استفهام حول مدى تفهم الرئيس الأمريكي لخطورة أن ينسحب تيار اليمين القومي الأمريكي من إدارته، أو أن يذهب إلى قصف النظام السوري، فالشعوب التي رفعت اليمين القومي فوق الأعناق في أمريكا وبريطانيا عام 2016، قادرة على فعل العكس في صناديق الاقتراع البريطانية في يونيو 2017 أو الصناديق الأمريكية في نوفمبر 2018 ثم نوفمبر 2020.
 
ويبقى السؤال، هل يستسلم التيار القومي داخل الإدارة الأمريكية لانقلاب أبريل 2017، أم يتدارك الأمر، أم يتدارك ترامب الأمر لاحقاً؟ وهل انقلاب أبريل 2017 داخل البيت الأبيض مقدمة لانقلاب مماثل في 10 داوننج ستريت (مقر الحكومة البريطانية) ويقوم الجناح المحافظ في الوزارة البريطانية بقيادة ماا بإقالة الجناح القومي بقيادة جونسون إذا ما ظفرت بالأغلبية اللازمة لإعادة تشكيل الوزارة البريطانية في الانتخابات البريطانية العامة يوم 8 يونيو 2017؟
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة