الرجل الذي لم يُخدش رونقه

الثلاثاء، 09 مايو 2017 03:50 م
الرجل الذي لم يُخدش رونقه
الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر
محمد محسوب و منال القاضي

بمجرد إطلاعهم على مشروع قانون «تنظيم الأزهر»، جلست العمائم تتخيل نفسها على كرسي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، يتابعون أمور الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، يهاتف مديرو مكتبهم كبار مشايخ ومسئولي الدول للحصول على موعد للقائهم، كل هذا يدور في أركان المشيخة، و«الطيب» يتابع التحضيرات المستقبلية مع بابا الفاتيكان لنشر السلام ومحاربة الفكر المتطرف بالعالم.

«ظل الطيب» أو من كانوا لا يفارقون الإمام الأكبر بشكل رسمي أو غير سمي، ينتظرون اليوم الموعود الذي يمرر فيه البرلمان قانون النائب محمد أبو حامد ليطاح به من المشيخة، لكن صخرة «الطيب» حالت دون رغبتهم.

مطلع مارس الماضي فوجئ حزب الوفد ببيان صادر عن المساعد الأول لرئيس الحزب للشئون السياسية والبرلمانية، المهندس ياسر قورة، بضرورة إجراء تعديلات على لائحة مؤسسة الأزهر الشريف تضمن تغيير القيادات العليا بالمؤسسة بما فيها شيخ الأزهر، لضمان استمرارية تجديد الخطاب الديني على نحو صحيح يسمح بتغيير الفكر، موضحا أن تعديلات لائحة الأزهر يجب أن تتضمن استمرار شيخ الأزهر في منصبه لمدة لا تزيد عن 8 أعوام كحد أقصى أو كما يراها الأزهر الشريف كفترة مناسبة شريطة وتكون محددة بغض النظر عن عدد السنوات، مع مراعاة المادة الدستورية التي توضح عدم إمكانية عزل شيخ الأزهر من قبل أى قيادة سياسية بما فيها رئيس الجمهورية.

بيان «قورة» أثار جدلا كبيرا وحراكا داخل الحزب نفسه، وخرج خلال ساعات قليلة المستشار بهاء الدين أبو شقة سكرتير عام الوفد، ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، ببيان إستنكار لتلك المواصفات أكد فيه الحزب على استقلالية شيخ الأزهر وعدم قابليته للعزل، وأن اختياره من قبل أعضاء كبار العلماء، وهو ما يدعمه الوفد ويقف جنبا إليه، دعما وتأيدا لهذا النص الدستورى، بل ويطالب بمزيد من الضمانات للأزهر والمشيخة تحقيقا لرسالته السامية فى نشر الدين والدعوة بمفهومها الصحيح في مصر والعالم – وهدأ بيان «أبو شقة» الممثل الأكبر للحزب بالمجلس من روع رجال الدين سواء بالمشيخة أو البرلمان.

هدأت نار تعديل قانون الأزهر قليلا إلى أن خرج النائب محمد أبو حامد في أول إبريل الماضي، وأعلن عن تقديم مشروع قانون تعديل قانون تنظيم الأزهر وتمثلت الملامح النهائية لمشروع القانون في الالتزام بما ورد فى المادة السابعة من الدستور بخصوص استقلالية الأزهر ودوره الدستورى وضوابط اختيار الإمام الأكبر وجواز عزله أثناء مدة ولايته، وإعادة تشكيل الهيئات الثلاث وهي المجلس الأعلى للأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية.

وحجم القانون «اختصاصات الطيب»، حيث بنصه سيرأس المجلس الأعلى للأزهر وهيئة كبار العلماء، أما مجمع البحوث الإسلامية فيرأسه رئيس جامعة الأزهر الذى يتم اختياره وفقاً لضوابط محددة  تضمن حوكمة الاختيار.

قانون «أبو حامد» حدد آلية اختيار شيخ الأزهر حيث حدد عدم انفراد هيئة كبار العلماء بإجراءات اختيار فضيلة الإمام الأكبر عند خلو منصبه سواء عند اختيار ثلاثة من هيئة كبار العلماء أو عند إجراء الاقتراع السرى لاختيار واحد منهم، حيث يشاركهم فى اختيار الثلاثة و فى الاقتراع السرى لاختيار واحد منهم أعضاء مجمع البحوث الإسلامية مع الحفاظ على شرط وجوب أن يكون فضيلة الإمام أحد أعضاء هيئة كبار العلماء هذا وتم وضع ضوابط تضمن التنوع الفكرى فى الثلاثة الذين يتم اختيارهم من بين أعضاء هيئة كبار العلماء و الذين يتم الاقتراع السرى لاختيار واحد منهم، والغرض من هذا التعديل فى الإجراءات هو حوكمة اختيار فضيلة الإمام وعدم تأثير أى عوامل غير موضوعية أثناء اختياره.

أحد البنود المهمة والمحورية في القانون كان «تحديد مدة ولاية الإمام الأكبر هى ثمان سنوات، و يجوز له أن يتقدم لفترة ولاية ثانية بشرط أن يعاد اختياره ضمن الثلاثة الذين يجرى الاقتراع السرى لاختيار واحد منهم و أن يحصل على أعلى الأصوات أثناء الاقتراع السرى» ، هذا البند توقفت عنده اللجنة الدينية بالبرلمان واعترضت علي القانون بالكامل .

القشة التي قسمت ظهر البعير في مشروع « أبو حامد »  كانت تضمنه إمكانية إحالة شيخ الازهر للتأديب حيث نص علي « في حالة إخلال شيخ الأزهر بواجبات وظيفته يحال إلى لجنة تحقيق، تشكل من أقدم سبعة من أعضاء هيئة كبار العلماء، وذلك بناء على قرار من ثلثي أعضاء هيئة كبار العلماء، وتتولى هذه اللجنة التحقيق معه فيما ينسب له وسماع أقواله، وتعد تقريراً بناء على ذلك إما بتبرئة ساحته، أو بإدانته مع اقتراح أحد الجزاءات التالية وهي الإنذار ، اللوم ، عدم الصلاحية » .

«دينية البرلمان» كانت كلمة السر في التهدئة من روع «الطيب» خلال فترة العراك الداخلي بالبرلمان، فأسامة العبد رئيس اللجنة التقي الشيخ بمكتبه سرا وطمأنه بأن له «ظهر» بالبرلمان، وأن أي قانون يخص المؤسسات الدينية أو رجالها لن يمرر أو يوافق عليه إلا بموافقة رجال الأزهر بالمجلس يقصد هنا رجال اللجنة الدينية.

«أبو حامد» أكد أنه حصل على توقيع 25 عضو من البرلمان بالموافقة علي مشروعه لكن بعدما دار الحديث علي أن مشروع القانون بمثابة هجوم علي شخص الطيب والأزهر وأن إحالة شيخ الأزهر يعد عوارا تحرك هؤلاء الأعضاء صوب الجبهة الأخرى بل بالعكس أعلنوا تضامنهم مع شيخ الأزهر ، فأصبح « أبو حامد » وحيدا في ساحة المعركة ووضع البرلمان ورئيسه الدكتور علي عبد العال في حرج.

«عبد العال» تدارك الأمر سريعا وإستبعد القانون مؤكدًا أن القانون به عوار دستوري، موضحًا في كلمته أثناء الجلسة العامة أن مسؤولية رئيس مجلس النواب، التدقيق في أي اقتراح قبل تقديمه إلى اللجنة المختصة، لافتًا إلى أنه ووفقا للدستور، فإن الأزهر  هيئة مستقلة لا يجب التدخل فى شأنها بما يخالف مشروع القانون الذي تقدم به«أبو حامد»، يتعارض مع المادة 7 من الدستور، والتي تنص على استقلالية الأزهر .

رئيس البرلمان لم يكتف بهذا فحسب بل زار « الطيب » بمقر المشيخة وأعلن ذلك بالجلسة العامة للمجلس أمس، وقال نصا «أبلغته خالص تحياتي وتحيات نواب المجلس لفضيلته، وتقديرهم لدور الأزهر فى مصر والعالم الإسلامى، وأخطرته بأن المجلس لم يتلق أى مشروعات قوانين أو اقتراحات بقوانين تتعلق بشيخ الأزهر».

منذ بدء الجدال وحتى الآن وشيخ الأزهر صامت ولم تصدر المشيخة بيانا واحدا في هذا الشأن، وحينما رفض البرلمان مشروع القانون لم تعلق المشيخة أيضا، وخرج فقط الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر ليشكر البرلمان على وعيه بخطورة المرحلة ورفض مشروع القانون، إلا أن كل هذا أكد أن الأزهر خطا أحمر وصخرة الطيب صلبة والدليل «زلزلة» تصفيق أعضاء البرلمان لقاعة المجلس عند رفض «عبدالعال» مشروع «أبو حامد».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة