«المحمدين».. زينة الشباب الاثنين

الأحد، 02 يوليو 2017 11:30 ص
«المحمدين».. زينة الشباب الاثنين
عبدالفتاح على يكتب:

غالبا ما كان يستخدم اسم «محمدين» إلا على سبيل السخرية، فى الخطاب الشعبى المصرى، فى سبعينيات القرن الماضى، ودائما ما يأتى ضمن عبارة «حسنين ومحمدين»، مثلما جاء فى أغنية شهيرة للمطربة الشعبية فاطمة عيد، كتبها الشاعر الغنائى محمد الدسوقى الشهاوى، والتى استخدمت فيما بعد فى حملة رسمية لتنظيم النسل فى عهد الرئيس «المؤمن» السادات.
 
لكن فى عشرينيات القرن الحالى، ظهر اسم «المحمدين» ليس على سبيل السخرية هذه المرة، بل على سبيل التوصيف لمرحلة جديدة وخطيرة، الذى جمع بين محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى والحاكم الفعلى لدولة الإمارات، ومحمد بن سلمان، ولى عهد السعودية والحاكم الفعلى للمملكة.
 
العلاقة بين الرجلين تجاوزت تشابه الاسم، بل امتدت للفكرة، وطريقة الإدارة بالوكالة، والسيطرة عن بعد، واتباع نهج جديد فى بسط النفوذ، عن طريق زرع مراكز صنع قرار قوية فى البلدان الكبيرة، سواء عالميا «أمريكا» أو إقليميا «مصر».
 
الأزمة الخليجية الأخيرة بين دول الخليج وقطر، لم تكشف فقط عن التقارب القوى بين الرجلين، لكنها أيضا أفرزت، منافسة ضروس على استخدام نفس السياسات، بين الإمارات والسعودية من جهة، وقطر من جهة أخرى، لكن بأهداف متباينة.
 
خرج الشيخ خليفة بن زايد، رئيس دولة الإمارات، بعد ثلاث سنوات وعدة أسابيع من آخر ظهور له، لكنه ظهور عكس المرض الشديد، خاصة بعدما فاجأ الجميع بلحية بيضاء، منحته عشر سنوات على عمره الذى ناهز السبعين.
 
اقتربت الصورة الذهنية لخليفة، من الصورة الذهنية للملك سلمان، رغم الفارق العمرى، الذى يقترب من الـ 12 سنة، لكن أعراض الشيخوخة، والمرض جعلت منهما، أقل حركة، وظهورا، منحا الأخ «غير الشقيق» فى أبوظبى، والابن «الأصغر» فى الرياض، فرصة واسعة لاستباق الموعد مع كرسى الحكم.
 
هناك سوابق تاريخية، فى السعودية، حدث مع الملك فيصل، والملك عبدالله، الأول اندفع مبكرا نحو العرش، وأزاح الملك سعود، فى حين انتظر الثانى الموعد الإلهى بعد خمس سنوات تقريبا، قائما بأعمال الملك، قبل أن تأتى المنية، للملك فهد.
 
فى الأسبوع الذى ظهر فيه الشيخ خليفة فى أبوظبى، اختفى محمد بن نايف، ولى العهد السابق، من المشهد، وتراجع الملك خطوات، تاركا مساحة أكبر بكثير لابنه، ينفرد بترتيب البيت السعودى.
 
كان يملك محمد بن زايد، أن يزيح أخاه المريض «بجلطة فى المخ»، ويقفز نحو كرسى الحكم، لكن ابن زايد، طمرت فيه تربية أبيه الحكيم، وحافظ لأخيه على قامته ومقامه، وقبل أن تدور كاميرا تسجيل مشهد عودته، تراجع محمد وجلس بعيدا عن كراسى المقدمة، التى خصصت لحكام الإمارات السبع.
 
قد يحمل هذا المشهد، حيرة واندهاشا، لكن الحيرة والاندهاشة تنجلى إذا تفهمت البيئة التى نشأ فيها والتى تجل وتحترم الكبير، لكنه أيضا يعكس قدرة على السيطرة، واحترافية فى إدارة الحكم عن بعد، خاصة أن المشهد، الذى انتشر كالهشيم على وسائل التواصل الاجتماعى، جاء عقب زيارات متعددة للقاهرة وباريس.
 
ليس صحيحا أن السعودية تقود عزلة خليجية على قطر، لكن الصحيح أن الإمارات تحكم العزلة على قطر، عن طريق تصدير السعودية فى المشهد، فخطة العزل وطريقة التدبير، ووسائل الضغط إماراتية بامتياز.
 
وكأن ابن الشيخ زايد وولى عهد أبوظبى، ينتقم لأبيه، من حكام قطر، الذين قطعوا وعدا لأبيه بالاتحاد فى دولة واحدة، فى بداية ديسمبر 1970، ونقضوا العهد، وأوعزوا لحكام البحرين بنقض العهد، بالاتفاق مع السعودية.
 
فى الثانى من ديسمبر 1970 تخلف حاكما قطر والبحرين عن حضور الجلسة الأولى لإعلان اتحاد الإمارات التسع، وتكوين دولة الإمارات المتحدة، فخرج الاتحاد بسبع إمارات فقط.
 
واجه الشيخ زايد ضغوطا كبيرة جدا، من الرياض وبغداد ومسقط، لإفشال دولة الوحدة، وفى مساعيه لتفادى هذه الضغوط اضطر للتنازل عن أراضى (العيديد، وحقل الشيبة النفطى العملاق) كانت ملكا للإمارات، لصالح السعودية، فيما يعرف باتفاقية جدة 1974 (السرى).
 
فى هذا الوقت، حاول خليفة وسلطان (أبناء زايد الكبار)، إثناء والدهما عن التنازل عن تلك الأرض، لكن رؤية الشيخ زايد، أن الوحدة على 90% من الأرض أفضل من محاربة دول قوية من أجل 10% فقط.
 
لكن مع مرض الشيخ زايد الأخير، تفاقمت الأزمة مع السعودية، بدأت عام 1999 بمقاطعة مؤتمر وزراء الخارجية والنفط الخليجيين بالرياض، وتجلت فى ظهور موقف مشابه لما يجرى الآن مع قطر، حيث قامت السعودية بإغلاق الحدود البرية مع الإمارات، وحجز شاحنات الغذاء والدواء، ومنع دخول الإماراتيين لأراضيها فى 2010.
 
فردت الإمارات بإطلاق النار على زورق عسكرى سعودى، واحتجزت من عليه من الجنود، الذين استسلموا بطريقة عجيبة.
 
وقتها كانت قطر، تميل ناحية الإمارات، فاتفق البلدان على إنشاء جسر بحرى بينهما، لكن الرياض وقفت للجسر بالمرصاد، رغم إنشاء الجسر الرابط بينها وبين البحرين.
 
وجاء الموقف السعودى المتعنت بسبب رفض الإمارات اتفاقية العملة الخليجية الموحدة، فردت الإمارات باتفاق مع قطر بمد خط غاز يعبر أبوظبى ويصل لسلطنة عمان، فاشتعل الغضب فى الرياض.
 
فى هذا الموقف المتأزم، أنشأ الشيخ خليفة المجلس الأعلى للحدود برئاسة محمد بن زايد، وعضوية سيف بن زايد، وزير الداخلية، ومنصور بن زايد، وزير الرئاسة، وعبدالله بن زايد، وزير الخارجية.
 
وحتى الآن لم يسفر المجلس عن إحداث أى تغيير حقيقى على اتفاقية تراها أبوظبى أنها ظالمة، وتراها الرياض أنها حاسمة، وغير قابلة للتفاوض، على الأقل حتى الآن.
 
فهل ينجح محمد بن زايد فى استعادة، ما انتزع منهم، أم أن الوقت ما زال غير مناسب.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق