الحملَة لإنقاذ الطفل العربى من مرض ازدواجية اللغة العربية

الأربعاء، 09 أغسطس 2017 10:00 ص
الحملَة لإنقاذ الطفل العربى  من مرض ازدواجية اللغة العربية
سهير أحمد السكرى يكتب:

يتعلم الطفل العربى منذ الولادة وحتى دخوله المدرسة فى سن السادسة، اللغة العامية التى لا يتكلم إلا بها، ثم يدخل المدرسة ليتعلم اللغة الفصحى التى لن يقرأ ولن يكتب إلا بها. وتبدأ المعاناة! وتبدأ الشكاوى! 
تارة الشكوى من الطفل واتهامه بعدم القدرة على التركيز وحب اللعب وعدم الرغبة فى المذاكرة.
 
وتارة أخرى الشكوى من المدرسين ومن الحكومة والمناهج، وما إلى ذلك من وجع الدماغ!
 
لم يسأل أيٌّ منكم نفسه لماذا لم يدرك أن المشكلة الأساسية هى فى مرض ازدواجية اللغة العربية؟
ولِمَ لم يحاول أحد أن يجد لها حلا ناجعا كما فعل العرب الأولون؟
فبعد الفتوحات الإسلامية اتسعت المساحة التى سيطر عليها المسلمون اتساعا مدهشا وتعدد
 
 
ت بين طياتها اللغات المختلفة وأصبح الجيل الجديد من أطفال المسلمين يتكلم بلغات أمهاتهم، بدأ المسلمون بالعناية بالأطفال وليس بالكبار، وانتشرت المدارس للأطفال من سن الثالثة، وكانت هذه هى عبقرية المسلمين آنذاك.
 
ففى هذه السن المبكرة التى يكون مخ الطفل مهيأ لاستيعاب اللغات بالفطرة تم تلقين الأطفال جميع تراكيب اللغة العربية الموجودة فى القرآن وعند بلوغ الخامسة باشتداد سواعدهم تم تعليمهم الكتابة وفى السادسة تعلموا ألفية ابن مالك، ثم تعلموا شتى العلوم والفنون، فنبغوا وأبدعوا وعلّموا العالم أجمع!
وهزموا أكبر دولة فى العالم القديم وهى الدولة الرومانية التى أذلت هذا العالم لمدة 1300 سنة، وسقطت بيزنطة على يد محمد الفاتح الذى أصر أبوه على تحفيظه القرآن وتعليمه إحدى عشرة لغة بالإضافة إلى شتى العلوم ومنها العسكرية وفنون الحرب، وشده العالم بقدرات الإنسان المسلم!
وبدأ العالم المهزوم يقلد المسلمين بتعليم أطفالهم لغتهم من سن مبكرة.
 
وحذت عدة دول أخرى حديثا حذو المسلمين القدامى منها الصين وألمانيا وإسرائيل.
 
إذن لماذا تخلّى العرب عن تنمية قدرات أطفالهم؟
نجد الرد على هذا السؤال فى كتاب بعنوان «Militant Islam» كتبه كاتب إنجليزى يدعى G. HJansen، مبنى على تقرير من التقارير السرية للمخابرات البريطانية الذى أفرج عنه بعد مرور 75 عاما، رغم أنّ العُرف يقتضى الإفراج عن أى تقرير سرى بعد 50 عاما.
 
ولكن لتحقيق الهدف منه حدد الإنجليز مدة إبقائه سريا لهذه الفترة الطويلة، فهذا التقرير أشار إلى أن الهدف من إعداده قبل مطلع القرن السابق، أى قبل الانقضاض على الدولة العثمانية وتقسيمها مع فرنسا هو التعرف على أسباب قوة وصلابة الإنسان العربى وتمكنه من فتح دول عديدة من الهند وتخوم الصين إلى ما بعد المحيط الأطلسى حتى وصل إلى مشارف فيينا.
 
وذكر التقرير أن السبب الأساسى هو طريقة تعليم الطفل العربى أيا كانت ديانته فى سن الثالثة!، وذلك بتحفيظه القرآن وإتقانه القراءة والكتابة قبل السادسة.
فخطط الإنجليز والفرنسيون بناءً على هذا التقرير ما يلى: 
ألغت فرنسا اللغة العربية برمتها.. وأصبحت اللغة الفرنسية هى لغة البلاد التى استولت عليها من الدولة العثمانية وعلى وجه التحديد تونس والجزائر والمغرب.
 
أما الإنجليز فقرروا أن يروّجوا بين الناس فى مصر أن الطفل يجب أن يلعب ويعيش طفولته حتى سن السادسة؛ وبذلك تقتصر قدرته اللغوية على اللغة العامية، وافتتحوا المدارس الحديثة لأولاد الطبقة المتوسطة من سن السادسة، هذه السن التى تنتهى فيها فترة استيعاب اللغة؛ وبذلك يفقد الطفل العربى استيعاب اللغة الفصحى، كما افتتحوا المدارس الأجنبية لأولاد الأغنياء ولَم يجعلوا مناهجها تضاهى مستوى مناهج مدارسهم لكى تكون لهم السيطرة والتفوق على مَن يخضعون تحت استعمارهم.
 
وتركوا الكُـتّاب لأولاد الفقراء، لأن أغلبية المتعلمين فيه لن يكملوا دراستهم؛ وبذلك يموت الكتاب بسوء السمعة.
وانهار الصرح الشامخ بإمراض الطفل العربى بمرض الدياجلوسيا أَى مرض ازدواجية اللغة العربية.
وا أسفاه!
وتماما كما خطط الإنجليز والفرنسيون، فقدنا لغتنا وفقدنا تفوقنا، والأدهى والأمـر بدأنا فى تألــيه الأجانب وبدأنا نجد النزعة الجديدة المخجلة تتفشى بين ربوع العالم العربى وهى تربية أطفال عرب لا يتكلمون اللغة العربية ويتباهى أهلوهم بذلك!
الإعلانات حولنا مكتوبة باللغات الأجنبية أو العامية الركيكة، أمّـا مخارج الألفاظ فأصبحت من الضعف إلى درجة مسخ اللغة مثل نطق حرف القاف الذى تحول إلى كاف، حتى وصل الأمر بسماع كلمة الكرآن عوضا عن القرآن!!
ومهما حاولت الحكومة تحسين مناهج الدراسة بجلب أساليب حديثة من أمريكا تارة ومن اليابان تارة أخرى، فلن يتغيّـر الوضع للأسف الشديد لأن جميع المناهج العالمية لا تعالج مشكلة ازدواجية اللغة العربية.
 
وأيُّ حكومة عربية مظلومة مثلها مثل الأطفال الذين تتسلمهم من أهاليهم دون لغة يـبنَى عليها المنهج التعليمى.
 
ولما كان الأهل غير مؤهلين لمساعدة أطفالهم وإعدادهم للدراسة قبل السادسة مثلهم مثل أغلب أطفال العالم، وجب إذن الرجوع إلى جذورنا وأن نبدأ فى تنفيذ الطريقة المجرّبة والناجحة التى اتبعها العرب من قديم الزمان عندما وجدوا أنفسهم فى نفس الوضع الذى نحن فيه الآن، فلنَـبنِ من حيث هدم الإنجليز والفرنسيون!
وبناء على ذلك أطلقنا من هذا المنبر الأسبوع الماضى الحملة العربية للقضاء على مرض ازدواجية اللغة العربية، الذى أصاب العرب، وذلك بجعل التعليم الإلزامى يبدأ من سن الثالثة بدلا من السادسة، وأنا أدعو جميع الشعوب العربية إلى الانضمام إلى هذه الحملة.
معا سنعيد قوة وقدرة أطفالنا.
 
وختاما: 
إن الشعوب لا تنهض إلا بقدرة أطفالها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة