اقتربت ساعة عاصمة البترول السورى.. من نهاية الأزمة أو بداية الحرب الكبرى

الأحد، 27 أغسطس 2017 10:00 ص
اقتربت ساعة عاصمة البترول السورى.. من نهاية الأزمة أو بداية الحرب الكبرى
عبدالفتاح على يكتب:

فى نهاية مارس الماضى، وفى نفس المكان، كتبت مقالا عن معركة دير الزور القادمة، كأهم وأعظم وأخطر معارك سوريا على الإطلاق، ليس على سبيل التكهنات، وإنما بناء على معطيات، وحقائق، وشواهد لا تقبل القسمة على اثنين. وقلت أيضا إن دير الزور - عاصمة البترول السوري- إما أن تكون نقطة الفصل فى الأزمة السورية أو ستكون شرارة تندلع منها حرب أكبر، قد تطول مضاجع ملوك وأمراء ورؤساء.
 
ولما أوشك أغسطس على الانتهاء أعود للكتابة عنها مرة أخرى، بعد أن اكتشف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط أن معركة دير الزور ستكتب صفحات جديدة فى مستقبل المنطقة.
 
فقد كتب فابريس بالونش، وهو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث فى «جامعة ليون 2»، وزميل زائر فى معهد واشنطن، أن كل الأنظار ستتجه نحو مقاطعة دير الزور، وأن منافسة شرسة تدور بين المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة، وقوات النظام السورى المدعوم من روسيا وإيران.
 
وقال بالونش، إذا نجح الجيش السورى فى الاستيلاء على مدينة دير الزور، فسيركز عملياته بعد ذلك على حقول «العمر» الغنية بالنفط، التى تشكل 50 فى المائة من الإنتاج السورى، والتى تقع إلى الشمال من نهر الفرات بين مدينتى الميادين والبوكمال. وعلى الصعيدين المحلى والوطنى، ستكون هذه الآبار حاسمة الأهمية فى مساعدة الرئيس السورى بشار الأسد، على تأمين الولاء من قبائل المنطقة، ومن المنطقى أن تتقدم قوات النظام إلى الحدود العراقية وتنضم إلى الميليشيات الشيعية فى مكان ما فى جبال سنجار الجنوبية. 
 
وبالتالى، لن تتمكن «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية بمعظمها والمتمردون العرب المدعومون من الولايات المتحدة، من الوصول إلى منطقة وادى الفرات الأدنى بين دير الزور والبوكمال، كما حدث سابقا بـ«التنف» فى يونيو 2017، وقت وصول الجيش السورى والقوات الموالية له من تدمر إلى الحدود العراقية.
 
غير أنه من الممكن أن تقوم «قوات سوريا الديمقراطية» بشن هجوم محدود فى مقاطعة دير الزور الشمالية، إلا أن النظام السورى وحلفاءه سيعملون بحزم لمنع «قوات سوريا الديمقراطية» من الوصول إلى حقول «العمر» النفطية، لأن مثل هذا التطور سيقطع الطريق بين مدينة دير الزور والحدود العراقية، ما يُعقد اكتمال ممر الحلفاء من طهران حتى اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط، مرورا ببغداد ودمشق، كما خطط الإيرانيون.
 
ويقول مدير الأبحاث فى «جامعة ليون» إن هذا السيناريو يتعارض مع الشائعات التى تسرى فى واشنطن حول هجوم مستقبلى للمتمردين المدعومين من الولايات المتحدة فى مقاطعة دير الزور، ووفقا لهذه الشائعات، سيتقدّم المتمردون العرب و«قوات سوريا الديمقراطية» على الضفاف الشمالية للفرات، نحو الميادين، ليعبروا بعدها النهر ويتقدّموا نحو البوكمال قبل الاستيلاء على منطقة الحدود العراقية.
 
وبالتالى، سيقتصر دور الجيش السورى على استعادة مدينة دير الزور والمناطق المحيطة بها، ومن شأن مثل هذا التطور أن يسمح للولايات المتحدة بعرقلة ممر «طهران - اللاذقية» المزمع، والحفاظ على الضغط على نظام الأسد. 
 
أما على الجهة المقابلة من الحدود، فسيقضى الجيش العراقى، وليس ميليشيا الحشد، على وجود تنظيم الدولة، وبالتالى ستصبح القبائل العربية السّنية على جانبى الحدود تحت حماية أمريكية، وينتفى مشروع الممر الإيرانى تلقائيا. 
 
ويقول بالونش، حتى باستثناء الاعتبارات الجيوسياسية التى لم تتم مناقشتها هنا، من غير المرجح أن يتبلور هذا الوضع الوردى، كما يتضح من أدلة مختلفة على الأرض.
 
أولا: لا يتخطى عدد المتمردين العرب المدعومين من الولايات المتحدة - وهم «جيش أسود الشرقية»، و«جيش مغاوير الثورة»، و«لواء تحرير دير الزور» الجديد - الألفى عنصر، وفقا لأفضل التقديرات. ومن الواضح أن هذه القوة المشتركة لا يمكنها أن تهزم مقاتلى تنظيم الدولة الأكثر عددا وحنكة وتمرسا، نظرا لافتقارهم المحتمل للدافع لمحاربة الجهاديين. 
 
ثانيا: منذ أكثر من عام، وتحديدا فى 29 يونيو 2016، فشلت محاولة جوية نفذها المتمردون للسيطرة على البوكمال فشلا ذريعا عندما لم تنتفض القبائل المحلية خوفا من التنظيم.
 
ثالثا: فى ربيع عام 2017، عندما كان المتمردون يحاولون التقدّم برا نحو البوكمال من التنف، أوقفهم هجوم مفاجئ شنته القوات الرديفة للنظام السورى من تدمر نحو الحدود، فأعرب القادة الأمريكيون عن رغبتهم فى نقل المتمردين العرب إلى الشدادى، حيث يمكن دمجهم فى «قوات سوريا الديمقراطية»، الأمر الذى يسمح «نظريا» بشن هجوم فى مقاطعة دير الزور من الشمال. 
 
رابعا: وهو الأهم، لا تريد القيادة الكردية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» دعم هؤلاء المقاتلين العرب، حيث ترفض تلك القيادة «حزب الاتحاد الديمقراطى» - وهو فرع سورى لـ«حزب العمال الكردستانى» الذى مقره فى تركيا، دعم هجوم يقوده «لواء تحرير دير الزور» العربى، وعوضا عن ذلك، وافق قادة «قوات سوريا الديمقراطية» على دعم «قوات الصناديد»، وهى ميليشيا يقودها رجل قبيلة «شمّر» الشيخ حميدى دهام الهادى، وهو حليف وثيق للأكراد، ومن دون تعاون «حزب الاتحاد الديمقراطى»، ستواجه أى قوة عربية مدعومة من الولايات المتحدة صعوبات فى التصدى لتنظيم الدولة فى هذه المنطقة، ولطالما انتهت استراتيجيات ماضية مماثلة بفشل ذريع، ما دفع بالولايات المتحدة إلى التخلى عن برامج تدريب المتمردين من أجل تركيز مواردها على «قوات سوريا الديمقراطية».
 
ويمكن تفسير تردد «قوات سوريا الديمقراطية» فى دعم تشكيل قوى أخرى موالية للولايات المتحدة فى شمال شرق سوريا بمخاوف من بروز منافس جديد لها فى المستقبل بمجرد هزيمة تنظيم الدولة.
 
بالإضافة إلى ذلك، يريد «حزب الاتحاد الديمقراطى» أن يبقى الشريك الوحيد للولايات المتحدة فى شمال شرق سوريا، لإخضاع القبائل العربية تحت سيطرته فى أى عملية. 
 
ويفسر هذا التحليل جزئيا نشر القوات الكردية منذ خريف 2016 لمهاجمة الرقة، وهى مدينة عربية لن يتمّ قط ضمّها إلى روج آفا، «جيب الأكراد فى سوريا». 
 
وعلى نحو مماثل، يدرك «حزب الاتحاد الديمقراطى» أن الولايات المتحدة تحمى روج آفا من أى اعتداء تركى، لكن فور تحرير الرقة، فإن الجماعة الكردية السورية ستصبح على ما يبدو حليفا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لواشنطن، وهذا يطرح السؤال عما سيحدث بعد ذلك. وفى ظل هذا القدر من عدم اليقين، لدى «حزب الاتحاد الديمقراطى» مصلحة فى إطالة معركة الرقة. 
 
ووفقا لـ هفال جبار القيادى بـ«وحدات حماية الشعب» فى الرقة، قد تستمر المعركة لأربعة أشهر إضافية.. ومع ذلك، لا يوجد مجال متاح أمام شنّ هجوم كبير آخر فى الوقت الراهن، ما يسمح للجيش السورى بالتحرك بهدوء نحو دير الزور.
 
وسط هذا المشهد، يكون ولاء قبائل المنطقة غير مستقر، وسوف تسعى إلى الفوز بمزايا مادية عند موافقتها على الانضمام إلى أى تحالف. 
 
وقد تضمنت الوسائل السابقة لنظام الأسد ممارسة مثل هذه السيطرة للحصول على المياه، وتوزيع الأراضى، وغض الطرف عن التهريب، ووظائف إدارية وفى صفوف الجيش.. وفى المستقبل، من المرجح أن يتم تقاسم الموارد النفطية وسوف تطالب بعض القبائل بالمال من أجل حماية خطوط الأنابيب القادمة. 
 
ملحوظة: فى أعقاب التدخل العسكرى الروسى فى سبتمبر 2015، شعر بعض زعماء القبائل بتغيّر مجرى الأمور وعادوا إلى أحضان النظام، وفى هذا السياق أقدم نواف البشير، شيخ قبيلة «البقارة»، على مثل هذه الخطوة بعد خمس سنوات من المنفى فى إسطنبول. 
 
وإلى جانب الفوائد المادية، فإن الانتقام قد يدفع بالقبائل أيضا باتجاه النظام السورى، كما حصل مع «الشعيطات»، ففى عام 2014، تواجهت هذه القبيلة النافذة مع قبيلة «العقيدات» التى تحالفت مع تنظيم الدولة، من أجل السيطرة على آبار النفط بالقرب من الميادين. 
 
وسعيا منه إلى استغلال هذا الصراع، أقدم تنظيم الدولة، فى عام 2014، على ذبح ما لا يقل عن 700 فرد من «الشعيطات»، مستهدفا إخضاع القبيلة وثنيها عن القيام بثورة قبلية بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين، لم تقف أى قبيلة فى وجه تنظيم الدولة، رغم هزائمه الأخيرة، لأن التنظيم ما زال يملك الموارد اللازمة لارتكاب المجازر. 
 
وفى غضون ذلك، شكّلت «الشعيطات» ميليشيا «لواء صقور الفرات»، التى تقاتل مع الجيش السورى فى مدينة دير الزور، وحول تدمر، وجنوب الرقة، ساعيةً بالتالى إلى استعادة الأراضى التى خسرتها ومعاقبة القبائل التى تعاونت مع التنظيم فى مجزرة عام 2014. 
 
يشعر «حزب الاتحاد الديمقراطى» حاليا بأن الوجود الروسى فى سوريا سيدوم أكثر من الوجود الأمريكى، وتعتقد الجماعة الكردية أيضا أنه حين يوضع الغرب أمام خياريْ روج آفا وتركيا - الحليفة فى «منظمة حلف شمال الأطلسى» - فسيختار الأخيرة. 
 
ويُفسِّر ذلك سبب رؤية الأكراد السوريين للشراكة مع روسيا كأفضل طريقة للحفاظ على مكاسبهم الإقليمية على المدى البعيد، وبالتالى، فإن ولاء الحزب لحلفائه التكتيكيين فى الغرب مشكوك فيه إلى حدّ كبير حاليا. 
 
نتيجةً لذلك، هناك احتمال قائم لإبرام «حزب الاتحاد الديمقراطى» اتفاق سرى، إذا لزم الأمر، مع النظام السورى وروسيا وإيران.. وفى ظل هذا السيناريو، قد ترفض «قوات سوريا الديمقراطية» مساعدة المتمردين العرب على احتلال مقاطعة دير الزور - مقابل اعتراف مزعوم بسلطتها على شمال سوريا - لأن مخاطر الانتقام ستكون عالية جدا. 
 
فى أغسطس 2016، على سبيل المثال، سمحت روسيا لتركيا بوقف تواصل الامتداد الكردى عبر الاستحواذ على بلدتى جرابلس والباب. واليوم، تواجه روج آفا تهديدا بتدخل عسكرى تركى جديد فى تل أبيض، الذى من شأنه أن يعرقل التواصل بين كوبانى والقامشلى. 
 
يُذكر أنه حين أوقفت الولايات المتحدة دعمها للمتمردين السوريين فى وقت سابق من هذا العام، أظهرت سوء نية تجاه حلفائها المزعومين. والآن، سيتردد «حزب الاتحاد الديمقراطى» والوكلاء العرب فى تأييد الاستراتيجية الأمريكية فى شرق سوريا بكل إخلاص من دون وجود ضمانات جدية طويلة الأجل مثل البناء غير المحتمل لقاعدة عسكرية أمريكية دائمة ونشر عشرات الآلاف من الجنود على أرض الميدان.
 
بقدر الإمكان نقلت بدقة ما كتبه بالونش، ليس فقط تأكيدا على ما سبق وكتبته، لكن، لأن صناع القرار الأمريكى يرون أنه من الممكن أن تفلت من بين أيديهم أوراق اللعب فى سوريا، لصالح روسيا وإيران، لهذا فإن التغيير وراد، وإعادة الحسابات قابلة للتحقق بسرعة كبيرة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق