«يا صحرا المهندس جاي».. صلاح عرفة أستاذ تعمير «البسايسة».. أعاد تدوير المخلفات الزراعية لإنتاج الغاز والطاقة الشمسية وزراعة الزيتون (صور)

الأربعاء، 30 أغسطس 2017 09:00 ص
«يا صحرا  المهندس جاي»..  صلاح عرفة أستاذ تعمير «البسايسة».. أعاد تدوير المخلفات الزراعية لإنتاج الغاز والطاقة الشمسية وزراعة الزيتون (صور)
المهندس صلاح عرفة
منال العيسوي

وجه مألوف في المؤتمرات والمحافل الدولية الخاصة بالتنمية المستدامة،  لا تفارق وجهه الابتسامة يمنح للجميع الطاقة الايجابية كلما تحدث، تراه حين يدخل قاعة المؤتمرات ممسكا بشنطة سوداء ربما حملت مشروعا جديدا، أو بعض الملاحظات التي أخذها خلال المؤتمر، ثم  يأخذ لنفسه مكانا بعيدا عن الضوضاء وصدارة المشهد، فهذا طبعه، يعمل في صمت ونتائج عمله هي من تتحدث عنه سواء في حضوره أو غيابه، قد لا يعرفه شباب الجيل الحالي، الدكتور صلاح عرفة أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية منذ عام 1962 حتى عام 1968، واستشاري الطاقة الجديدة والمتجددة والعلوم البيئية والذي ولد في 2 نوفمبر عام 1941 بمحافظة الشرقية.
 
ومن محافظة الشرقية وبالتحديد من قرية البسايسة، بدأت الحكاية التي تغنى بها رواد التنمية المستدامة، في مصر والشرق الأوسط، وظلت تجربة تدرس كأحد النماذج الناجحة التي تعلم معنى الصبر والرؤية والمعرفة، وتروي حكاية أستاذ الجامعة، الذي قرر ألا يبخل على قريته بعمله ومعرفته.
 
من منا لم يستمع لأغنية «يا صحرا  المهندس جاي».. هى الأغنية التي تغنى بها الفنان سيد اسماعيل الذي لم يأخذ حصة من الشهرة، وفارق مصر عام 2006 وهو من مواليد عام 1928 بمركو فاقوس الشرقية، تلك الأغنية التي تبدأ بكورال يجمع أبناء القرية للخروج للصحراء وتعميرها وحفر عيون وزرع أشجار.. لم تكن مصادفة إن ابن الشرقية يرصد المشهد بهذه الدقة فكيف لا وهو من أبناء نفس المحافظة التي ينتمي إليها الدكتور صلاح، حيث اختزل التجربة في مشهد غنائي تغنى به القاصي والداني.
 
الدكتور صلاح عرفه ـ عاشق للقراءة والمعرفة، فتراه دواما ينتقي منهجا لحكاويه وأقواله المفضلة، حيث تصدرتها كلمات  الشاعر جبران خليل جبران حيث قال «لعمري  أن الحياة ظلام  إن لم تقترن بحافز، وكل حافز ضرير  إن لم يقترن بالمعرفة، وكل معرفة هباء إن لم تقترن بالعمل، وكل عمل تافه إن لم يقترن بالحب، فإن أحببت عملك  أحبك الله والناس أجمعين». 
 
لم يكن يعرف الدكتور صلاح عرفة أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن النواة الأولى التي وضعها في قرية البسايسة، بمحافظة الشرقية في منتصف السبعينيات، ستكون نموذجاً ناجحاً لمشاريع التنمية المستدامة في مصر، وأن يضعها 10 شباب نصب أعينهم ليستكملوا الحلم وينتجوا 100 وحدة لإنتاج الغاز الطبيعى والسماد الحيوى، من روث الحيوانات فى قرى الصعيد بأسيوط والفيوم بعد 35 عاما ليخرج للنور بعد تمويل البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة للمشروع. 
 
الدكتور صلاح عرفة هو رائد التنمية البيئية في مصر، أول من قام باستخدام الطاقة الشمسية، وإعادة التدوير في المناطق الريفية لإنتاج الطاقة الحيوية، بهدف تطوير قدرات الشباب وتمكين المرأة الريفية من خلال توفير التدريب وفرص العمل المناسبة التى تتوافق مع طريقة حياتهم، وكيفية الاستفادة من الموارد الطبيعية لخلق مجتمعات صديقة للبيئة فى القرى الريفية والتى تساعد بدورها على تطوير القدرات والكفاءات لسكان هذه المناطق.
 
قرر عرفة منذ خمسة وثلاثين عاماً، فى بدايات السبعينيات وبالتحديد عام 1974، أن يمد نشاطه خارج حدود الجامعة الأمريكية، ويعمل في قرية صغيرة في أعماق محافظة الشرقية وهى قرية البسايسة، عمل وحده بدون مال أو مؤيدين له، ظل يسافر إلى هذه القرية كل يوم جمعة ويجلس مع الفلاحين لبحث مشكلاتهم والبحث عن حلول لتحسين ظروف معيشتهم بطرق مختلفة، ذهب إليهم بحلم لم يفصح عنه لأحد لكنه بدأ تطبيق إستراتيجية لتحسين وضعهم من خلال الاستفادة من الموارد المحلية وإشراكهم فى بناء وحدات قائمة على تدوير المخلفات الزراعية ووحدات بيوجاز من روث الماشية. 
 
خلق عرفة "منهج متكامل للتنمية" وبدأ معهم دورات تدريبية فى مجالات الزراعة وكيفية استخدام الموارد الطبيعية ومحو الأمية والتعاون المشترك والتفكير الإبداعى وبناء المجتمع، وتحولت البسايسة من قرية فقيرة إلى مجتمع صديق للبيئة من أجل التنمية المستدامة.
 
وبعد بضع سنوات من العمل بشكل مستقل انضم له طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة وأصدقاء وزملاء وعندما بدأ من حولهم يدركون ما كان يفعله فى البسايسة، تملكهم الحماس والرغبة فى المشاركة فى توجيه الجهود نحو التنمية المستدامة، وعمل الجميع معه فى المشروع."
 
وحاول عرفة أن يعمم مشروع القرية الصغيرة بالشرقية إلى أماكن أخرى فاختار قرية أخرى صغيرة فى صحراء رأس سدر بجنوب سيناء، وأطلق على المشروع اسم "البسايسة الجديدة"، وعندما ذهب إلى القرية الجديدة، قدم تقنيات جديدة أخرى مثل إعادة تدوير المخلفات الزراعية لإنتاج الغاز والطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء والحرارة ومعه 28 شابا ليرسى قواعد جديدة لإنشاء مجتمع جديد ايكولوجى- صحراوى وصديقاً للبيئة". 
 
وبعد فترة توقف المشروع لأسباب كثيرة متداخلة على رأسها وفاة ابن الدكتور صلاح قائد المنظومة، وتأثره بالحادثة ليتوارى عن الأنظار لفترة ، تجلى فيها زحف التمدين على قرى مصر، وجشع تجار الأسمدة المسرطنة والسوق السوداء بالتوازى مع الأزمة الاقتصادية العالمية التى جعلت كثيرا من الفلاحين يلجأون لبيع المواشى لديهم، لإتمام زيجات أبنائهم واستكمال حياتهم، ثم مرض جنون البقر والحمى القلاعية لتدمر الثروة الحيوانية وتقلص معها عدد رءوس الماشية فى مصر إلى 8 ملايين رأس. 
 
مشروع قرية البسايسة الجديدة التى أقامها فى منطقة رأس سدر بجنوب سيناء، وهى القرية التى تدار بأكملها عن طريق الطاقة المتجددة، وتقوم على التعاون بين أفرادها فى تنمية المجتمع وتطويره واستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا فى الزراعة، وكان التطور الذى شهدته البسايسة الجديدة سبباً فى أن يعيد عرفة تفكيره ويقرر تطبيق المشروع بشكل آخر لكى يخدم به المجتمع بمختلف فئاته.
 
المكان الجديد الذى اختاره عرفة لتنفيذ مشروعه الذى أطلق عليه «الهجرة إلى الداخل» كان فى منطقة أبومنقار التابعة لواحة الفرافرة بمحافظة جنوب الوادى الجديد بعد أن أنشأ جمعية أهلية تضم 1000 فدان من صحراء المحافظة وتعرف بجمعية «كنوز سيناء للتنمية الاقتصادية» وهى تهدف إلى إقامة مجتمع عمرانى خارج الكتلة السكنية، يتكون سكانه من أشخاص عاديين منهم من له فى الاستثمار ومنهم من يملك القدرة على العمل والرغبة فى التعلم، ويقوم المجتمع على أساس التكافل والتعاونية بين أفراده فى تطوير واستصلاح الأرض باستخدام السماد العضوى الناتج عن المخلفات.
 
واستطاع عرفة أن يجمع 150 شخصاً فقط، من محافظات المنيا وأسيوط والقاهرة والوادى الجديد، فى تلك البقعة لكى يبدأ من هناك مشروعه الكبير وهو «الهجرة إلى الداخل» من خلال تحقيق حلم كل مواطن فى أن يتملك قطعة أرض وأن يبنى بيتاً خاصاً، هذا الحلم سيكون البداية كما يقول عرفة: «هدفنا هو تحقيق حلم كل مواطن فى أن يصبح لديه قطعة أرض يملكها ومنزل يعيش فيه»،
 
سياسة العمل داخل المشروع تأتى من خلال شيئين، أولاً أن يتقدم مستثمر لديه القدرة المالية على شراء أرض لكنه غير متفرغ للعمل فيها فبالتالى سيقوم غيره من غير القادرين مالياً، بالعمل فيها، لافتاً إلى أن كل واحد من غير القادرين يحصل على مساحة 5 أفدنة على أن يدفع ثمنها بالتقسيط من خلال عمله فى أراضى صغار المستثمرين مقابل مبلغ مالى يتنازل عن جزء بسيط منه لثمن الأرض التى فى حوزته على أن يعمر المنطقتين، (الأرض التابعة له والتابعة للمستثمر).
 
بهذه الفكرة بدأ عرفة فى تجميع المواطنين وبدأ فى تطبيق فكرته لكن المشكلة الحقيقية هى أن المواطنين غير متفهمين للفكرة وكلما تحدثنا معهم عن المشروع برغم أننا لا نبحث عن المال قدر ما نبحث عن الجهد البشرى، لا نجد لديهم رغبة فى عمل شىء وهنا نحاول التحدث إليهم من خلال المشروع الأول وهو قرية البسايسة الجديدة، التى أنشئت بالفعل».
 
ويرى عرفة أن المشروع ليس صعب التنفيذ ولا يستحيل تطبيقه ويكفى أن يكون لدى الفرد قدرة على العمل والرغبة فى التعلم مع الجماعة لأنه وحسبما يرى: «مشكلة الاستصلاح فى الصحراء هى أننا نذهب فرادى لكن مشروعنا يهدف إلى العمل بروح الفريق وروح الجماعة فلا ينبغى أن يقدم شخص على عمل شىء ما داخل أرضه إلا بمعرفة الآخرين وهو هدف تعاونى يرقى بالتراث ويعيد التقاليد التى ذهبت مع الزحام».
 
ما قاله عرفة عن المشروع وما يراه فى المجتمع الحالى جعله يقول: «إحنا بنهاجر خارج مصر ونشتغل فى أماكن مالناش فيها حق.. يبقى إيه المانع إننا نهاجر جوة بلدنا ونشتغل في أرضنا وملكنا.. والأرض فيها عنابر للنوم مثلها مثل أي مكان في بداية إنشائه إلى أن يستطيع الشاب إنشاء منزل خاص به بعد أن يستصلح أرضه.
 
كثيرا ما نسمع العلماء أو الخبراء في عالمنا العربي يتحدثون عن أهمية وجود ربط بين البحث العلمي والصناعة، أو بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، أو بين رجال الأعمال والمستثمرين، ولكن لم نشاهد أحدا من هؤلاء العلماء ينزل إلى الواقع ليعلم الناس كيف ينهضون بقواهم الذاتية لتحقيق التنمية؟
 
الدكتور صلاح عرفة أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة قرر أن يعطي نموذجا في كيف يمكن أن يسفر التقاء أغنياء المعرفة وفقراء المادة عن نموذج للتنمية الذاتية لخلق نموذج جديد ايكولوجي- صحراوي وصديقاً للبيئة.
 
المهندس صلاح عرفة (2)
 

 

المهندس صلاح عرفة (3)
 

 

المهندس صلاح عرفة (4)
 

 

المهندس صلاح عرفة (5)
 

 

المهندس صلاح عرفة (6)
 

 

المهندس صلاح عرفة (7)
 

 

المهندس صلاح عرفة (8)
 

 

المهندس صلاح عرفة (9)
 

 

المهندس صلاح عرفة (10)
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق