هود..الثابت على الحق رغم عناد عاد

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
هود..الثابت على الحق رغم عناد عاد
صورة
إيمان عصام

للمؤمنين منارات يهتدون بها منذ فجر التاريخ تمثلت فى الرسل والأنبياء الذين ابتعثهم الله لهداية عباده إلى طريقه الحق، فعلى مر العصور منذ خلق آدم عليه السلام وحتى خاتم المرسلين النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان لكل ظلام نور يكسره، جاء به نبى من أنبياء الله ليرشد الناس إلى الرب الحق.
 قَصص هؤلاء الرسل والأنبياء نبراس ومداد حياة وهدى ومرشد لمن أراد أن يسير على الخطى الصحيحة السليمة المستقيمة للوصول إلى النتيجة التى يسعى إليها الصالحون طوال حياتهم، بنيل رضا رب العباد، ليكون أهلا لرحمة الله ودخول جنته.. ولعل قصة نبى الله هود من أكثر تلك القصص التى تحوى دروسا تعلم أجيالا الفضيلة والبعد عن كل رذيلة.
 
القرآن الكريم قص علينا قصة هود عليه السلام فى أكثر من موضع  «سور الأعراف، والمؤمنون، والشعراء، والأحقاف، وفصلت، والذاريات، والقمر، والحاقة، والفجر». بل إن سورة كاملة حملت اسم نبى الله هود، شملت قصصا لمجموعة من الرسل، على رأسهم هود مع قومه الذين ذكر الله قصتهم فى كتابه ليعتبر المؤمنون بهلاكهم.
 
دارت أحداث قصة نبى الله هود مع قومه بمنطقة تدعى «الأحقاف» تلك المنطقة التى يطلق عليها «الربع الخالى» وتقع بين حضر موت وسلطنة عمان، فى شبه الجزيرة العربية، حيث أرسل الله تعالى هوداً فى قومه ليهديهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، والعودة إلى الله الذى رزقهم بالنعم الوفيرة، حيث كانوا يعيشون حياة رغدة فكانت أرضهم تخرج لهم وفير الرزق من المحاصيل المختلفة، فضلا عن الصحة التى أنعم الله عليهم بها حيث كانوا يتمتعون بقوة البنيان وطول الأجسام وضخامة العظام، وغيرها من النعم التى لم يسبقهم إليها أحد من الأمم السابقة.
 
رغم كل النعم التى أنعم الله بها على قوم هود عليه السلام إلى أنهم جحدوا ونكروا نعم الله  فلم يوفوه شكره بل عبدوا غيره من الأصنام كما سبقهم الهالكين من قوم نوح، ولم يكتفوا بالجرم الذى جنته أيديهم بل عاثوا فى الأرض فسادا وتفننوا فى نشر العداوة والبغضاء بينهم، ورغم كل الجحود والنكران فإن رحمة الله وسعت كل شىء فأرسل إليهم هودا عليه السلام حتى ينقذهم من طغيانهم وينبههم من غفلتهم وفسادهم ليعودوا إلى بارئهم ويخرجوا إلى النور بعدما سقطوا فى الظلمات.
كان نبى الله هود رجلا فاضلا وسط قومه، وأرجحهم عقلا، أمره الله بأن يذهب برسالته إلى «عاد» قومه، فما كان منه إلا أن أطاع خالقه ولبى وذهب إلى قومه وقال لهم إنه نبى جاء برسالة من ربه ليكون سببا فى هدايتهم إلى الله الواحد الأحد الرب الصمد الذى برأ الأرض وما عليها وخلقهم فى صورهم التى هم عليها وأنهم وجب عليهم عبادته والتوجه إليه بالدعاء سائلين إياه المغفرة، وأن يتأكدوا أن الأصنام التى يعبدونها من دون الله لن تضرهم ولن تنفعهم.
 
حذر هود عليه السلام قومه من العناد وسد آذانهم عن الحق، مرغبا إياهم بأن من آمن بالله وعمل صالحا رزقه الله الجنة، أما من كفر به فإن عقابه جهنم خالدا فيها، وأنهم يجب أن يعتبروا بما حدث لقوم نوح عليه السلام لما جحدوا أنعم الله وكفروا به.
 
بين القرآن الكريم الأسلوب الذى دعا به هود عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده وأنه لا أحد يستحق العبادة سوى الله ربهم ورب آبائهم حيث نقلت الآية 65 من سورة الأعراف ذلك فى قوله تعالى على لسان نبيه هود: «يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره».
بدت الشفقة التى غلبت هود عليه السلام على قومه جلية واضحة فى خطابه لقومه فى كل مواضع نصحه لهم، فما كان يريد لهم إلا الخير وأنه يتألم لما هم غارقون فيه من شرك وضلال، ففى الآية الـ68 قال تعالى على لسان نبيه هود : «أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين».
 
تبرأ  هود عليه السلام من كفر قومه، معلنا تحديه لطغيانهم، وأنه يعتمد على الله فى الانتصار عليهم، وفقا لما جاء فى الآيات من 54 إلى 56 من سورة هود فى قوله تعالى «إنى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون * من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون* إنى توكلت على الله ربى وربكم».
 
رد هود عليه السلام على إدعاءات بعض قومه بأنه يريد بدعوته عرض الدنيا ويبغى من ورائها مصلحة بما جاء فى قوله تعالى على لسان هود عليه السلام  فى الآية 29 من سورة هود: «ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله».
 
ثم سلك هود عليه السلام مسلكا مختلفا بأن بدأ يذكر قومه بما هم فيه من نعمة وأن الله سيزدهم منها إذا ما أنابوا وتابوا إلى ربهم الحق، كما بينه قوله تعالى فى سورة هود آية 52: «ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم».
 
كما بينت الآية 69 من سورة الأعراف أيضا تذكير هود قومه بما أنعم الله به عليهم فى قوله تعالى: «اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة»، بل إن الآيات من 133 إلى 135 من سورة الشعراء بينت كم بذل هود من جهد لتذكير «عاد» بما هم فيه من خيرات من الله ربهم وتحذيرهم من الوقوع تحت طائلة عذاب الله فى قوله تعالى: «أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم».
 
رغم ما يعلمه قوم هود عنه من صلاح وتقوى فإنهم واجهوا دعوته بالتشكيك فيه، كعادة الكافرين عندما يأتيهم من يبين لهم كفرهم الذى هم عليه، فزاد إصرارهم على الضلال، الأمر الذى بينه ربنا تعالى فى الآية 22 من سورة الأحقاف بقوله تعالى على لسان الكافرين من قوم «عاد»: «قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين»، بل إن تكبرهم وتجبرهم وجحودهم لما يعلمونه عن صلاح هود بقولهم فى الآية 60 من نفس السورة : «إنا لنراك فى ضلال مبين»، وقولهم فى سورة هود فى آيتها الـ54 : «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء».
 
اتهم قوم هود نبيهم بالجنون رافضين ترك عبادة الأصنام والرجوع إلى ربهم الذى خلقهم، بل وتطاولوا عليه ناعتين إياه بالطائش والسفيه، مدعين عليه الكذب وأنه ليس نبيا من عند الله، ورغم ذلك لم ييأس هود عليه السلام مما لاقاه من قومه بل أصر على أن تتم رسالته التى بعثه الله بها ليبلغها لهم، وقال إنه سيدعوهم مراراً وتكراراً ولن ييأس، وطلب منهم التفكير بعقولهم فسألهم من الذى رفع السماء بغير عمد، ومن خلق الشمس والقمر، وخلق الحيوانات، مطالبا إياهم بأن يعبدوا الله الواحد الأحد وأن يستغفروه وأن يعلموا أنهم سيبعثون بعد موتهم ويحاسبون وأن من عمل صالحا فسيكون من الناجين ومن أساء خاسرا من الخاسرين.
 
عندما أحس هود عليه السلام أنه  لم يفلح فى ثنى قومه عن ضلالهم كشف لهم عن العاقبة التى تنتظرهم، فقال لهم ما أخبرنا به القرآن فى الآية 71 من سورة الأعراف: «قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب».
 
فكان عقاب الله أبلغ رد على الغرور والبطر والتباهى بالقوة وشدة البطش الذى لم ير قوم «عاد» أنه سيؤدى بهم إلى أسوأ العواقب بعدما كانوا يتفاخرون بقوتهم، ويتباهون ببطشهم، ويتطاولون بشدة بأسهم ناسين متناسين أن الله هو من أعطاهم إياها فقالوا فى الآية 15 من سورة فصلت «من أشد منا قوة»، وفى الآية 136 من سورة  الشعراء: «سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين» فجاءتهم من الله ريح  جعلتهم من أبلغ العبر لمن تبعهم من الأمم.
 
أخبر كتاب ربنا بالعذاب الذى عُذب به الكافرين من قوم هود بعدما نجى الله نبيه والمؤمنين معه فقال تعالى فى الآية 72 من سورة الأعراف: «فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين»، وفى سورة هود فى الآية 60: «وأتبعوا فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود».
 
صور العذاب الذى ذاقه أهل عاد جاءت من جنس ما تفاخروا به حيث رأو فى أنفسهم قوة لا يجدوها فى غيرهم، فأخبرنا ربنا فى كتابه قائلا :}فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم» فى الآية 189 من سورة الشعراء، وقال تعالى: «فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون» فى الآية 16 من سورة فصلت.
 
وقال ربنا تبارك وتعالى فى الآيات 24 و25 من سورة الأحقاف: }فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم «وقال أيضا فى الآية 41 من سورة الذاريات: }وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم«، وفى الآية 6 من سورة الحاقة» وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية«، وفى الآية 13 من سورة الفجر }فصب عليهم ربك سوط عذاب«، فكان هلاك الظالمين الكافرين المفسدين فى الأرض المتعالين على الله.
 
قصة هود عليه السلام دليل لكل من يريد أن يدعو إلى الله على بصيرة، فلا بد لتجديد الخطاب الدينى أن يجمع الدعاة فى دعوتهم بين الترغيب والترهيب، وألا تغيب إحداهما لتحقق دعوتهم الغرض منها وإلا تنقلب النتائج.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق