زمن البأس الشديد

الأحد، 17 سبتمبر 2017 08:50 ص
زمن البأس الشديد
عبدالفتاح على يكتب:

نصحو على خبر مشئوم، يد الإرهاب تضرب من جديد، قرابين تقدم كل فترة حتى يقتنع الجاهل بجهله، والمغرور بفسقه، ويوقف تجار الدين تمويلهم لسفك الدماء، ونهش الأعراض، وهتك ما تبقى من كرامة إنسانية. 
 
نبكى على ضحايا إرهاب جائر، طالما كانت الضحية تشبهنا، تحمل سماتنا، تعيش مثلنا، ثم نتشفى فى القتيل، طالما كان غريبا، مختلفا، لا نعرفه ولا يشبه جهلنا.
 
لكل شىء وجهان، وأحيانا ثلاثة وأربعة وخمسة، لهذا لن تعرف الحقيقة أبدا، لأنه فى الغالب قد يكون الهدف ألا يعرف أحد الحقيقة، فيتم نشر جزء من المعلومات، وكتم جزء آخر، وتزوير ثالث، ويضخ كل هذا فى مجارير التواصل الاجتماعى. 
 
ومع هذا الكم من المعلومات التى تكذب بعضها بعضا، وتؤكد بعضها بعضا، تجد عقلك مستسلما، لرأى كرأى توفيق عكاشة، فتجلس أمامه مستسلما وأنت تعتقد أن كلاما عن «تزغيط» البط، كأساس لتقييم مرشحى الرئاسة، هو قمة المنطق والعقل.
 
قد يكون قبول الإنسان بواقعه بكل ما فيه من مآس وفرح وأزمات، هو قناعة، والقناعة كنز لا يفنى، ورضا بما هو مكتوب، والرضا، إيمان بالله، وتسليم بأمره.
 
لكن فى الوقت نفسه قد يكون قبول الإنسان بواقعه بكل ما فيه من مآس وفرح وأزمات، هو قمة الخنوع للظلم، وسلبية ولا مبالاة، وعدم احترام للعقل الذى جعله الله كفارق بين الإنسان وباقى المخلوقات.
 
نظام مبارك، قد يكون نظاما وطنيا، حافظ على الأرض والعرض، قاد الرجل بنفسه نسور القوات المسلحة فى معركة التحرير والكرامة، وهو نفسه الذى شيد خط مترو حلوان المرج، ثم شبرا الجيزة.
 
لكن البعض الآخر يراه، الفاسد الوضيع، الذى ضيع الأرض والعرض، بتنازله عن أم الرشراش للصهاينة، وهو العميل السفاح الذى أمر بقتل المتظاهرين فى ثورة يناير، وهو أيضا المدمر والمساهم بعدم اكتراثه فى نشر ثقافة الفساد والمحسوبية، وجعل كرامة المصرى مبعثرة فى كل بقاع الأرض.
 
جماعة الإخوان، إرهابية وفقا لأدبيات كتب مكافحة الإرهاب، مسلحة بالأدلة والنتائج والضحايا، فاسدة بشكل أكثر شراسة من رجال النظام المخلوع، أعضاؤها تجار دين، استخدموه كما يستعمل الطفل المناديل الورقية.
 
لكنها جماعة، منظمة، منضبطة، لديها الكثير من الإمكانيات، نجحت فى أن تسرق ثورة لا ناقة ولا جمل لها فيها، بعد ساعات من انطلاقها، وبعد أقل من سنتين كانت تعتلى كل مناصب الدولة المهمة بداية من رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة، حتى عمال المساجد.
 
نفس الدين الذى يمتطيه جماعة الإخوان كى يصلوا للحكم، وباستغلاله يمنحون لأنفسهم امتياز التكويش، هو نفسه الذى يستعمله داعش للذبح والقتل والترويع والإرهاب، هو نفسه الذى يعتقده السلفيون، وبسببه يرون أنهم الأحق باحتكار الحقيقة، واحتقار المرأة.
 
لكنه أيضا الدين الذى أخرج الناس من الظلمات إلى النور، فأنار الله به دنيا الجهل والظلم والبطش والكراهية، وجعل العالم أفضل وأنقى لقرون طويلة، ورسخ خلالها قيمة العلم، ورفع من شأن الحضارة.
 
 دين آخر نزل به السيد المسيح، رفع من قيمة الروح، بعد أن حوله اليهود إلى سلعة تباع وتشترى، ورفع شعار المحبة والتسامح والسمو عن المعاصى، ساوى فيه بين العاهرة رجل الدولة الذى تنحنى أمامه رقاب البشر.
 
لكنه الدين نفسه الذى سمح لأتباعه بقتل وذبح معتقديه، وخلف ملايين القتلى والجرحى، فى حروب يندى لها جبين البشرية حتى اليوم.
 
من مع من، ومن يملك الحقيقة، ومن يفسر تعريفها، ومن يملك مفاتيحها، ومن يؤمن بما يقال، ومن يكفر بما يحدث، هل الحق فى الآية الكريمة التى تقول «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، أم الحق فى الآية الكريمة التى تقول « قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم»، أو «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم».
 
لست رجل علم يملك التفسير وناصية الفتوى، لكنى سائل، يبحث عن إجابة، ويتردد كثيرا فى تصديق كثير من الأمور التى تجرى من حولنا.
 
 الأسعار تفحشت، والجنيه ذهبت مع الرياح قيمته وقامته، والغلاء الذى بات مساويا للبلاء، هل لأننا قوم فاسقون، أم أن الأمر لا يعدو مجرد تحريك أرقام تتجه نحو منطق يوازن من التكلفة والخدمة، هل الأمر مجرد هيكلة لإيرادات دولة منهارة بائسة، أم ضرورة لاقتصاد نظام أوشك على الانطلاق نحو رحاب التنمية والتطور.
 
هل زحام الحياة، والضغط المستمر هو طريق محتم علينا قطعه، كى نرتاح فى النهاية، ويتحول بؤسنا إلى رخاء ونماء، أم أننا جبلنا على نهش بعضنا بعضا، وخطف أرزاق بعض، واحتقار الكبير، وظلم الصغير.
 
هل بأسنا دائما بيننا شديد، فنجلد أنفسنا كلما وجدنا أنفسنا أمام خيارين كلاهما مر، فنحن الضحايا ونحن المذنبون، نحن الظلمة ونحن المظلومون، ومن أعمالنا سلط علينا، أم أنه قدر لنا أن نكون على رأس القوائم طالما كانت للخزى والعار، وفى ذيلها طالما كانت للعزة والمجد.
 
كلمة «البأس» مثل الدنيا، تحمل المعنى ونقيضه، فتارة تعنى القوة والشدة، وتارة ثانية تعنى الخوف والألم، وثالثة تعنى الخوف والهلع، ورابعة تعنى الحرب والعذاب.
 
اختر ما شئت، لكن تأكد أنك مسئول عن اختيارك، وعن استسلامك ووهنك، مثلما أنت مسئول عن فشلك فى أن تسأل وتتعلم.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق