الحب فى زمن المازوخية

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017 07:36 م
الحب فى زمن المازوخية
رشا الشايب تكتب:

المازوخية لمن لا يعرفها هي وفقاً لمدرسة التحليل النفسي إلحاق الأذى بالنفس والتسليم التام بقبول الألم دون اعتراض أو تغيير للواقع، فالمازوخى شخص اختار الخضوع والخنوع وتحمل إيذاء الآخرين له برضا وقبول تام.

أما السادي على عكس المازوخى فهو من يتلذذ بإنزال الأذى بالآخرين، وهناك ربط عقلاني بين المازوخية والسادية، فلا يقوى أو يسيطر أو يتسلط السادي إلا بضعف وقبول ورضاء المازوخى، ومن هنا ظهر مصطلح السادومازوخية لارتباط وجودهما دوماً معاً.

فتجد مثلاً في علاقات الحب والزواج هذه التركيبة المزدوجة الموضحة للسادومازوخية، فتجد طرف يمارس السادية بمنتهى الحرفية فيُحكِم سيطرته على الطرف الآخر ويُلقى بأوامره لتُنفذ بلا نقاش، تكثر حماقاته وسخافاته وإهاناته بلا ضابط أو رابط، يظلم ويجرح ويقسو بلا شفقة، يمتهن ويُهين ويذل بلا رحمة، يغدر ويخون ويكذب بتبجح وبلا رأفة، يُقلل من قدر وقيمة الطرف الآخر، يسمح لنفسه بحقوق ولا يقبلها من الطرف الآخر، وطبعاً يردد كلمته الشهيرة أنه لايخطىء البتة، و لا يشعر بالندم أو يعتذر، وأخيراً يسب ويلعن ويضرب وهذه أعلى مراحل تطور الشخصية السادية، أما على النقيض تجد المازوخى حاله يُثير الشفقة، يرضى ويقبل، يخضع ويتحمل، يرضى بالألم على أمل التغيير، يستعذب الإهانة على شرط البقاء المُهين، يقبل الذل والاضطهاد خوفاً من شبح الوحدة الأليم، يدّعى أنه في سبيل الحب (إن كان هذا حباً) لابد له أن يتحمل العذاب المميت، لا يغضب أو يثور بل يفتخر بكونه الضحية في زمنٍ ماتت فيه المودة والرحمة، يبالغ وبعنف شديد في تعذيب نفسه المسكينة الجريحة، التي تجرعت الآلام وذاقت مرارة الجروح إلى أن فقدت كل مشاعر الإحساس.

قولوا لى بالله عليكم ما علاقة المازوخية بمشاعر الحب الراقية، وهل أساساً يستقيم الحب مع صفات كهذه.

فالحب في قصدي ومقصودي هو أرقى معانى الوجود، أسمى المشاعر الإنسانية، رغبة عنيفة تسيطر على المُحب تجعله يرى تحقيق سعادة الطرف الآخر هي أقصى طموحه وأمانيه، شعور داخلي يتملّك المُحب يجعله لا يرى بديلاً لمن أحب، يجعله يفعل المستحيلات ليفوز في النهاية به، فالمُحب لا يخون، لا يُهين، لا يخدع، لا يغدر، لا يرضى الحزن والبكاء لحبيبه، يرى من أحبه، عالي القدر، شامخ النفس، مرفوع الرأس، فلا يرضى به ذليلا أو جريحاً، بل يحافظ عليه أبياً عزيزاً.

ونصيحة منى إن كان لي حق النصيحة، احمى نفسك من سيطرة الساديين و آذاهم، ارفض، قاوم، لا تسمح، أعلن غضبك، اقتل حنينك إن أبدى اعتراضاً، الجم مشاعرك الجريحة إن حاولت فرض نفسها عليك، أما قلبك تحدث معه أولاً مُستعطِفاً إيّاه، راجياً منه التخلِّي والانسحاب، فإن رفض الامتثال فآمراً، وإن لم يرضخ فأنحِهِ جانباً، واطلب من عقلك التدخل العاجل، بل وأعلن وبسرعة سيطرته على زمام الأمور مع تقلده مقاليد الحكم على نفسك الجريحة، أَفسِح له المجال، دعه يُنقِذك لينتهي كل هذا العبث.

ولن ييأس قلبك، سيطلب منك مُستصرخاً أن تُنجيه من الغرق، وسيرجوك أن تلتقطه من الضياع في غياهب الظلام واليأس، لا تسمع له صدّقني، ستبذل جهداً مضاعفاً لاحتوائه، لا مفر لك من ذلك، ولا تصدق أيضاً إغواءات قلبك بأن قبولك للألم مؤقت، وأن المتعة والراحة قادمة لا محال، أُكرر، لا تسمع له في هذه الحالات فهو يكذب، هو فقط يدافع عن نفسه خشية عذابٍ يتوهمه من ألم الفراق، فقط طمأنه، مؤكداً له أنه ليس بميت وأنه سيحيى من جديد مع من يستحقه ويقدره ويُعلى من شأنه.

فلا تقبل أن تكون مازوخياً، لا تَحمِل الأذى لنفسك الخرساء، ولا ترضى مرغماً عن وضع يورث لك الذلة والخضوع، ولا تسمح بنوبات الألم المريرة أن تخترق نفسك البريئة فتُحدث بها ثقوب وجروح تنزف دماً فيستحيل علاجها أو حتى التئامها.

نفسك خلقها الله لك حرة، لا تعبد إلا إياه، وهى وديعة من عند الله، أنت مؤتمنٌ عليها، فلترفعها ولتُعلى من قدرها، ولا تخذلها أو تُدنى من شأنها.

افعل أي شيء ولكن فضلاً ورجاءً وتوسلاً لا تخضع!

      

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة