مسلمون ومسيحيون ...وطن واحد ..وهموم واحدة

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017 10:01 م
 مسلمون ومسيحيون ...وطن واحد ..وهموم واحدة
عبد الحليم محمود

 
ربما لا يتعجب المصريون وهم يودعون محنة ويستقبلون أخرى .. بالأمس الكنائس واليوم المساجد وغدا وبعد غد ماذا سيكون ! وماذا ستقول الجرائد عنا !  الجميع يشعر بالحزن والأسى فالوطن واحد والهموم واحدة ومعني الفرح في أعياد الميلاد تحول إلى معنى للحزن ..وانقلبت ضحكات الأطفال الي بكاء وشاع اليتم في أرجاء الوطن.. والفكرة العابدة في صلاة الجمعة تحولت الي فكرة عابثة عند من لا دين لهم ولا عقل.. فبأي شرع يدينون وبأي فكر يؤمنون من يقتلون المصلين وهم ركوع وسجود.. وكيف سولت لهم أنفسهم التجرؤ علي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ...ألا يعلمون أنهم يحاربون الله ومصيرهم خزي الدنيا وعذاب الاخرة "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا  أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"... 
 
ماذا لو ...نظر كل واحد منا الي نفسه كواحد من الملايين التي عاشت وسوف تعيش علي أرض الوطن.. أعتقد سيجد نفسه مضطرًا الي التفكير .. كيف يجب أن نعيش في هذا الجو المشحون بالإرهاب والقتل والرصاص؟  ناهيك عن التخبط الفكري والإعلامي اللامحدود واللامتناهي .. ولنا أن نعود بأذهاننا الي الوراء ..هل كان يخيل لأحد أن يفجر مسجد في وطن منبره الأزهر ..وهدّمت مآذن ... تعلو ولا يعلى عليها ! .. ونسفت كنائس وخرست أجراس تدق قبل ألف وأربعمائة عام ! .. هل لنا أن نجلس لنتجرع كؤوس الإعلام المتصدعة العاجزة عن تصديق نفسها ! أم نسأل فلاسفة الفضائيات ..وهل حان الوقت ليغادروا خشبه المسرح؟.. وقد أصبح كلامهم عواء في خواء !..  وهل الأفضل أن نعود إلى سيرتنا الأولى ! فلا متفلسفين ولا متكلمين ..والدين يسر لا يحتاج إلي كل هذا العناء " ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر" ومن منّا لا يعرف أن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعا.
 
إن الآثمين ـ لا شك ـ إنهم مدانون وهم أشكال وألوان ... ومن على شاكلتهم في الداخل والخارج قد يكونون دولًا أو أفرادًا أو جماعات... والإرهابي ليس فقط من حمل علينا السلاح فهذا هو المستخدم المنفذ ..بل هو إرهاب الفكر والكلمة والقلم الذي تجاوز إرهاب الرصاص والدبابات والطائرات.
 
وحين شخّص البعض الداء بأنه مسئولية الفكر والإعلام والدعوة ..لا شك إنهم محقون ـ وان كانوا تأخروا كثيرًا !!.. لأن فقهاء أضعف الإيمان ما زالوا يملئون الساحة وعن قصد أو بدون قصد ظنوا أن الإسلام هو الأخذ بأضعف الإيمان وهو كل الدين كما جاء في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلّم " .. فإن لم تستطع فبقلبك وذلك أضعف الإيمان".. وتناسوا أن الأخذ بالعزيمة والثبات علي المبدأ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الإرهاب يكون أحيانًا هو الأولى من الأخذ بالرخص الشرعية.. وإن من قاوم إرهاب  مسيلمة الكذاب ورفض ادعاء النبوة كتب مع الخالدين وقال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلّم .... إنه أخذ بعزيمة الله فهنيئا له.
 
وقد أخطأ من ظن أن المسيحيين لا يعرفون عن دينهم سوى" من ضربك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر "  إذًا فكيف حارب المسلم والمسيحي جنبا الي جنب في حرب العاشر من رمضان دفاعًا عن الوطن.
 
إن هذه مواقف تلقي بشحنات التاريخ إلى قلب الحاضر.. لأن التاريخ لا يدين لأحد بقدر ما يدين لأهل العزم والثبات لمن وقفوا في وجه الإرهاب أيان كان شكله أو منهجه أو أدواته ولا تدين الأوطان لمن أكلوا وشبعوا وناموا أو وقفوا في موقف حياد حيث لا يجب الحياد.. وأشاعوا الهوان والاستهانة أو شحذوا الهمم إلى فراغ أو إلى خواء فكلاهما يستويان.
 
الهموم واحدة  والوطن جريح ..وفي غيبة العقل وانعدام الشعور وبدم بارد  يقتل المصلون وتسيل دماؤهم الزكية على أرض سيناء المباركة أكثر من ثلاثمائة شهيد خلاف الجرحى فبأي ذنب قتلوا ؟ فهل هم مارقون أو كافرون ! وتلح علي كلمة الشيخ الشعراوي بثباته وعزيمته " من يقول عن مصر أنها أمة كافرة ..إذا فمن المسلمون من المؤمنون؟!.. وبأي يد قتل الموحدون!؟  
 
إن الوطن الذي لم يفرق بين موسى وعيسى ومحمد صلي الله عليه وسلّم. . تتلاطمه الأمواج ويحتاج إلى أن يدين الجميع بالانتماء للوطن لكي يتحدوا في مواجهة  الإرهاب وهو شرط البقاء إن أردنا البقاء... وبالعزيمة لا بالانهزام وبالوحدة لا بالفرقة نطق الزعيم القبطي مكرم عبيد قائلًا :" نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينا اللهم اجعلنا المسلمين لك.. وللوطن أنصار. .. واللهم اجعلنا النصارى لك وللوطن مسلمون ..
 
ورحم الله أبا الطيب المتنبي حين قال:
 
على قدر أهل العزم تأتي العزائم       وتأتي على قدر الكرام المكارم
 
وتعظم في عين الصغير صغارها        وتصغر في عين العظيم العظائم
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق