ماذا لو قرر الشيطان أن يتوقف عن الوسوسة؟

الأحد، 10 ديسمبر 2017 02:04 م
ماذا لو قرر الشيطان أن يتوقف عن الوسوسة؟
عبدالفتاح على يكتب:

اليوم سنفتح عمل الشيطان، وسندعه يتحدث عن أعماله وإنجازاته ويملأ الدنيا صخبا وضجيجا بإعلان توقفه عن الوسوسة «مؤقتا»، وسنطلب من ملائكة الأرض – إذا كانوا موجودين- أن يتوقفوا عن محاولاتهم العبثية فى نشر الخير، وإحقاق الحق، وزرع الفضيلة؛ التى لم تكن فى يوم من الأيام تروى بنوايا صادقة.

كلمة «لو» التى تعلمنا فى صغرنا أنها تفتح عمل الشيطان، آن لها أن تتحرك؛ وتكسر سلاسل السجن، لتكشف لنا حجم الخديعة التى نسجناها حول عقولنا، وأرضعناها لصغارنا؛ لتستمر مسلسلات الكذب والبهتان.

 
ماذا لو لم يأكل سيدنا آدم والسيدة حواء من التفاحة التى حذرهما الله من الاقتراب من شجرتها، هل تعتقد أننا كنا سنحيا فى الجنة، نقطف ثمارها، ونسبح فى أنهار العسل واللبن،  كان الشيطان سيبحث عن كمين آخر، وكذبة أخرى وسيصدقها سيدنا آدم والسيدة حواء، فيقع عليهما غضب الله. 
 
ماذا لو لم يقتل سيدنا موسى الرجل المصرى، واكتفى بـ«التحجيز» بينه وبين اليهودى أو حتى «الفرجة»، هل تعتقد أنه كان سيصبح ملكا لمصر بعد وفاة الفرعون الذى كان يربيه، وكان اليهود سيصبحون جزءا من نسيج المجتمع المصرى، بالطبع لا، كان سيقتل المصرى الآخر الذى كان يتعارك مع اليهودى، أو كان الفرعون سيكتشف أنه طفل النبوءة الذى ستكون نهايته على يديه.
 
ماذا لو لم يصلب «شبيه» سيدنا عيسى، وترك أحبار اليهود والحكم الرومانى السيد المسيح يبلغ دعوته، ويكتب الإنجيل فى عهده، وتحت عينه، ويصبح الإنجيل الواحد هو كتاب المسيحيين المقدس، هل تعتقد أن المسلمين كانوا سيعترفون به، ويصبح من حق المسلم أن يعبد الله فى الكنيسة، مثلما يعبده فى المسجد، بالطبع لا، لأن سيدنا المسيح كان يهدد كيان الدولة الرومانية، وينسف نفوذ الأحبار ورجال الدين اليهود، فكان ولا بد من محاربة دعوته.
 
ماذا لو عاش إبراهيم ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هل تعتقد أن موقعة الجمل ما كان لها أن تحدث، ويتوحد المسلمون خلف سيدنا على بن أبى طالب، ولا يصبح لدينا سنة وشيعة، وخوارج ومارقة، وسيكون إبراهيم ابن الحادية والثلاثين، هو الخليفة الخامس للمسلمين، بالطبع لا، فالفتنة التى كان سيحدثها وجوده على قيد الحياة بعد أبيه أشرف المرسلين، أشد من فتن عثمان وعلى والحسين ومن بعدهم من آل البيت الأخيار، وكان الخوارج سيعتبرونه نبيا.
 
ماذا لو انتصر عبدالرحمن الغافقى فى معركة بلاط الشهداء ضد جيش الفرنجة على الحدود الفرنسية، هل تعتقد أن أوروبا كانت ستكون منارة الحضارة الإسلامية، ومنبع الفنون، وستكون باريس كما هى عاصمة النور، بالطبع لا، فبالتأكيد كانت الثورات المسيحية ستنفجر إما عاجلا أو آجلا، وتطيح بالدولة الأموية فى الشمال، بعد تحالف مسيحيى أوروبا مع مسلمى الدولة العباسية فى الجنوب.
 
ماذا لو لم يقصف اليابانيون ميناء «بيرل هاربور»، هل تعتقد أن الأمريكان سيظلون على موقفهم الحيادى (الانعزالي) من الحرب الدائرة تاركين المنهزمين (إنجلترا وفرنسا) يتضورون ذلا وعارا، وأن العالم كان سيقوم على تعددية قطبية، هى ألمانيا تحكم أوروبا، واليابان تحكم شرق وجنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة ترعى بريطانيا، بالطبع لا، كان الألمان سيغزون بريطانيا، وقتها ستعلن أمريكا الحرب عليهم، وسينتظر المارد اليابانى المنتصر منهما ليدخل حرب جديدة ضده.
 
ماذا لو خطط العرب معركتهم فى حرب تحرير فلسطين سنة 1948، ودخلوا فيها بعقيدة صلبة، وإرادة قوية، هل تعتقد أن إسرائيل كانت ستمحى من على وجه الأرض، وستصبح فلسطين دولة عربية مستقلة، تكون نموذجا للديمقراطية فى الشرق الأوسط، بالطبع لا، كان الجيش الأردنى سيدخل فلسطين كقوة ردع، بعد حرب أهلية فلسطينية طاحنة، وعندما يخرج منها ستكون فلسطين ممزقة، ولا قدرة لأحد فيها سوى الجالية اليهودية التى جنبت نفسها الحرب، وتفننت فى إشعالها مجددا بين الفرقاء، لتحكم القلة اليهودية فلسطين فى النهاية.
 
ماذا لو لم تحدث المؤامرة على الجيش المصرى فى اليمن فى 1967، هل تعتقد أن الثورة اليمنية ستنجح فى عامها الأول فى تغيير تاريخ وجغرافيا التخلف، وتحولها لجنة عدن الأرضية، وتنتقل الثورة إلى الرياض، لتصبح جمهورية الحجاز العربية، ثم إلى الأردن، وتطالبان بالوحدة مع مصر جمال عبدالناصر، وستكون حرب 67 هى الحرب التى نتغنى بانتصارنا فيها على الإسرائيليين، بالطبع لا، فلم تكن أمريكا ستترك حلفاءها من آل سعود والهاشميين، وستدعمهم للقيام بثورة مضادة تنطلق من الخليج، وسيخوضون حروبهم ضد الدولة العربية المتحدة فى نفس التوقيت مع الإسرائيليين.
 
ماذا لو لم يقم الربيع العربى بكل ثوراته فى الدول العربية، هل تعتقد أن جمال مبارك كان سيحكم مصر، وأحمد على عبدالله صالح سيحكم اليمن، وسيف الإسلام القذافى سيحكم ليبيا، وسيجتمعون جميعا فى القمة العربية فى تونس برئاسة زين العابدين بن على، وسيظل سعر سجائر الكليوباترا عند 3 جنيهات والسكر بأربعة والدولار بخمسة ونصف.. بالطبع لا، كان الخريف سيلعب دور الربيع، ويقصف عمر الحكام العرب بسلسلة اغتيالات، أو بتفجير مقر اجتماع القمة العربية على مستوى أصحاب الفخامة والجلالة والسمو.
 
ماذا لو لم يعلن ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس، ولم يعترف بالمدينة المقدسة عاصمة للكيان الصهيونى، هل تعتقد أنها ستظل للعرب أو ستصبح عاصمة لفلسطين، بالطبع لا، فهى أصلا عاصمة إسرائيلية بالأمر الواقع، والقنصلية الأمريكية فيها تلعب دور السفارة كاملة. إنه العجز العربى الذى لم ولن يتغير، إنه التآمر العربى الذى لم ولن ينتهى، إنه التخاذل العربى المستمر حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق