صوت الأمة ترصد خطايا الدولة العثمانية في حق مصر.. هل يعاقبها القضاء الدولي؟

الإثنين، 01 يناير 2018 03:13 م
صوت الأمة ترصد خطايا الدولة العثمانية في حق مصر.. هل يعاقبها القضاء الدولي؟
غزوات الدولة العثمانية
محمود على

أجمع مؤرخون على أن الغزو العثماني على مصر والعرب في العموم والذي بدأ في القرن السادس عشر وانتهي بالقرن التاسع عشر فرض عزلة واسعة وأصاب الشعوب بالتخلف الثقافي والحضاري والاجتماعي لفترة كبيرة، في حين دون الكاتب والمؤرخ المصري محمد بن إياس الحنفي في كتابه الشهير "بدائع الزهور في وقائع الدهور" مشاهد ووقائع القمع والقتل التي أقدمت عليها الدولة العثمانية خلال غزوها على مصر، الأمر الذي طرح تساؤلا مهمًا هل من الممكن أن تسترجع مصر هذه الذكريات وتقدم على رفع قضية في المحاكم الدولية لتعويضها عن ما بدر من أجداد أردوغان.
 
قال المؤرخ الدكتور عاصم دسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، إن العثمانيون كانوا قبائل متحركة من شمال غرب الصين وتضم أي شعب من الذين شملتهم الحملة العثمانية حتى استقروا في آسيا الصغرى، ثم بدءوا السيطرة على المنطقة المحيطة من مطلع القرن السادس عشر، مؤكدًا أن مصر طوال حكم الولاة العثمانيين لم ترى أي مظهر من مظاهر الحداثة سواء في القطاع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الأمر الذي يوضح عزلة مصر والمجتمع العربي بأكمله عن التطور وجعله يشعر بأي اختلاف عما كان عليه الحال قبل ذلك الوقت.
 
عاصم الدسوقي المؤرخ المصري
 
وأضاف دسوقي في تصريحات خاصة لـ"صوت الأمة" أن سياسات الدولة العثمانية التي أدت إلى عزلة المنطقة العربية، لم تكن اختياريه بل بسبب اصطدامهم في نهاية المطاف بالبرتغاليين الذين ظهروا في جنوب البحر الأحمر في إطار حركة الكشوف الجغرافية، فالدولة العثمانية حتى تضمن سلامة الأراضي الحجازية قرروا منع دخول المراكب من باب المندب، خشية من أن تكون محملة بالأسلحة والعساكر،  حيث كان يتم تفريغ حمولتها في ميناء عدن، وتنقل البضائع على مراكب محلية إلى السويس ومنها براً إلى الإسكندرية.
 
وتابع أن هذا الأمر أدى إلى عزلة المصريين عن التيارات الثقافية والحضارية وعما يدور في العالم الذي كانوا يتعرفون عليه من خلال التجار الذين كانوا يقيمون في البلاد مع تجارتهم في رحلة القدوم والذهاب، مضيفًا أنه لم يكن في حكم الدولة العثمانية غرض إلا الولاء وعدم الخروج عن الطاعة، حيث كان يتم قتل كل من يخرج عن الولاء.
 
وتأكيدًا لهذه العزلة التي فرضتها الدولة العثمانية على مصر أكد الدكتور عاصم الدسوقي أن الحملة الفرنسية عندما جاءت إلى مصر تفاجئ الحاكم العثماني الذي كان في ذلك الوقت مراد بك بالمدافع الفرنسية، حيث كان يعد قواته منتظرًا قدوم الفرنسيين بالخيل، الأمر الذي يؤكد انعزال المصريين في هذه الفترة عن العالم الخارجي.
 
قال الدكتور جمال شقرة مقرر لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، إن الدولة العثمانية التي كانت مجموعة من القبائل خرجت من وسط آسيا واتجهت إلى الغرب حتى وصلت إلى أسوار فيينا، مؤكدًا أن هذه القبائل لم تكن تمتلك مقاومات حضارية وإن كانت تعلمت على حساب الدول العريقة التي ضمتها في الشرق والغرب، إلا إنها بقيت دولة غازية تحددت أهدافها بالنسبة للولايات العربية التي احتلتها في هدفين ؛ الأول جمع أكبر قدر ممكن من الأموال (الجزية) والثاني الحفاظ على هذه الولايات كي لا تنفصل عنها أو تقع في الاستعمار.
 
جمال شقرة المؤرخ المصري
 

وتابع شقرة في تصريحات لجريدة "صوت الأمة"، من هنا نظرت الدولة العثمانية إلى مصر على إنها "بقرة حلوب" وارتكبت أول جرائمها في مصر بترحيل الصناع المصريين المهرة في جميع الحرف إلى اسطنبول الأمر الذي أدى إلى انهيار وتدمير الصناعات المصرية التقليدية وتراجعها وتراجع إبداعات الطوائف الحرفية المختلفة، مؤكدًا أن جريمتها أخرى كانت في ملف التعليم حيث كانت الدولة العثمانية محافظة، وعندما كان يسأل السلطان الحاكم في مصر ماذا كان سيفعل في التعليم؟ كان رده يبقى الوضع كما هو عليه معتمدًا على الماضي في هذا الملف، دون أي تطوير لدفع المصريين للاهتمام بالعلوم الطبيعية ، فكانت العلوم السائدة هي النقل فقط متغاضيًا عن علوم التجارة التي كانت في تطور مستمر بتلك الفترة.

وقال  أستاذ التاريخ إن الدولة العثمانية فرضت عزلة قاتلة أخرت كثيرًا الشعوب العربية والتي لم تكن تعلم الذي يدور خلف البحر الأحمر، في القارة الأوروبية من تطور وتقدم وازدهار ونهضة في كافة المجالات، حيث تسبب هذه العزلة في تخلف مصر والدولة العربية 4 قرون ، فحينما كانت الدولة الأوروبية تنهض بشكل سريع كنا نحن (العرب) منغلقين على أنفسنا، لذلك كانت العزلة أكبر جريمة للدول العثمانية في حق العرب.
 
وأضاف شقرة أنه كان هناك سلبيات أخرى كبيرة لعل أهمها العنف الذي عاملت به الدول العثمانية الشعوب العربية، وهو الذي وصل إلى قمته في القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وعندما حاولت الدولة العثمانية أن تنقذ نفسها للضغط بقبضة حديدية لجأت إلى "التتريك" وهو الذي قاومته الدول العربية بشدة خاصة في بلاد الشام"، مؤكدًا أن الدول العثمانية سيطر عليها هاجس إنها ستنجح في الاستمرار كإمبراطورية كبيرة في فرض هذه العزلة ولكنها سرعات ما دخلت مرحلة الضعف وأطلقت عليها أوروبا رجل أوروبا المريض ، الأمر الذي انتهى بها بعد ذلك إلى إسقاطها أثناء الحرب العالمية.
 
وأشار المؤرخ الكبير إلى جرائم الدولة العثمانية في حق الأرمن الذي كانت شاهده على ما ارتكبته هذه الدولة من تدمير لكافة الولايات التي غزتها حيث وصلت جرائمها إلى حد الإبادة وتهجير ملايين من البشر وإلقائهم في الصحراء، مشددًا على أن هذه الدولة كانت لا يعنيها إلا مصلحتها في المقام الأول حتى لو كانت على حساب الشعوب التي احتلتها .
 
وبسؤاله عن إمكانية رفع مصر قضية في المحاكم الدولية ضد تركيا لتعويضها عن هذه الجرائم العثمانية في حقها، قال الدكتور جمال شقرة : " ما تعانيه مصر من مشاكل في البنية التحتية واستمرار للجهل والتخلف حتى القرن العشرين هي مسئولية الدولة العثمانية" ، لذا فهذه الدولة مدينة لمصر ولغيرها من الولايات العربية ويجب أن تدفع تعويض لما ارتكبته من سياسات عطلت التطور الحضاري والثقافي للبلدان العربية.
 
وقبل عام 1517 ميلاديا 923 هجريا كانت القاهرة عاصمة الخلافة الإسلامية، وكان يحكمها المماليك، التي امتدت دولتهم إلى حدود آسيا الصغرى، مسيطرة على الشام، لتنتهي هذه الخلافة بقدوم العثمانيون إلي مصر ونقل الحاكم المملوكي في ذلك الوقت عنوة إلى اسطنبول ليتنازل عنها لسليم الأول الإمبراطور التركي.
 
ووصف المؤرخ المصري ابن إياس في كتابه فترة حكم العثمانيين على مصر بما فعله جند هولاكو من جرائم في بغداد، قائلًا : «أنه لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه.. وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو فى بغداد" وفى موضع آخر من الكتاب أنه «وقع في القاهرة المصيبة العظمى التي لم يسمع بمثلها فيما تقدم»، و«من حين فتح عمرو بن العاص مصر لم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط» هكذا يصف المؤرخ يوم دخول الأتراك العثمانيين أو ما يصفهم بـ «العثمانية» إلى مصر بقيادة سليم خان.
 
الغزو العثماني
 
لم يخف بن إياس الذي عاش وقائع دخول القوات العثمانية في مصر من بطش الأتراك في تلك الفترة وسجل شهادته عما رآه من وقائع كانت صعبة منحازًا للحقيقة، وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو، كما أنهم خربوا ضريح السيدة نفسية وداسوا على قبرها، كل هذا شهده المؤرخ المصري ورواه في كتابه.
 
وتوصيفًا لما شهدته مصر في تلك الفترة من مشاكل وضعف وتبعية أكد بن إياس: "من العجائب أن مصر صارت بعد ذلك نيابة بعد أن كان سلطان مصر من أعظم السلاطين في سائر البلاد قاطبة لأنه خادم الحرمين الشريفين وحاوى ملك مصر الذي افتخر به فرعون اللعين"، مؤكدًا أن " ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها".
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة