لماذا التويوتا؟.. لهذا تصاعد استخدام سيارات الدفع الرباعي في العمليات الإرهابية
الإثنين، 22 يناير 2018 07:40 م
تعتمد الجماعات الإرهابية بشكل مكثف على سيارات الدفع الرباعي، وخاصة نوع "التويوتا" في تنفيذ معظم عملياتها الإرهابية في الشرق الأوسط، ولهذا الأمر أسبابه ودوافه، وهو ما كشفه مركز المستقبل، للأبحاث والدراسات المتقدمة، من خلال دراسة مطولة حول أسباب اعتماد الإرهابيين على عربات الدفع الرباعي في تنفيذ عملياتهم الإرهابية، وطرق استخدام التكنولوجيا من قبل الجماعات الإرهابية في تنفيذ عملياتهم.
الدراسة أكدت أن سيارات الدفع الرباعي من طراز "تويوتا" تعد العامل المُشترك في عدد كبير من العمليات الإرهابية التي جرت خلال السنوات الماضية؛ إذ تكشف متابعة مقاطع الفيديو التي تُصدرها التنظيمات المتطرفة وتحقيقات المؤسسات الأمنية عن الاعتماد المتزايد على سيارات تويوتا لأداء مهام ميدانية متعددة (مثل: اختراق النقاط الحصينة، والهجمات الإرهابية المتزامنة، وتنفيذ الأكمنة في المناطق الصحراوية، وعمليات الاستطلاع، ونقل المقاتلين)، وهو ما يرجع إلى ما تتسم به هذه السيارات من خصائص يتمثل أهمها في قوة التحمل والسرعة والمناورة خاصة في المناطق الصحراوية، والقدرة على التخفي وصعوبة التتبع وتعدد المصادر.
وأكدت الدراسة، تصاعد اعتماد الجماعات الإرهابية على الأدوات والتكنولوجيات المدنية في تعزيز قدراتهم الميدانية لمواجهة الجيوش النظامية، وهو الأمر الذي عادةً ما يمثل عنصر مفاجأة للقوات الأمنية في ظل قدرة هذه الجماعات على توظيف الأدوات المدنية التي تقع في أيديهم كسلاح بشكل لا يمكن التنبؤ به؛ إذ لا توجد قواعد محددة تحكم توظيفهم لهذه التكنولوجيات، وبالتالي فإن المواجهة عادةً ما تكون دون أي قواعد إرشادية أو سوابق تاريخية، ومن أمثلة ذلك استخدام الجماعات الإرهابية تطبيقات التواصل المشفرة على الهواتف النقالة على غرار تطبيق تليجرام وواتساب كأدوات للسيطرة والتوجيه (Command and Control)، في حين أن الهدف الأساسي من تطوير هذه التطبيقات يتمثل في تحقيق التواصل الاجتماعي والتشبيك، بالإضافة إلى الاعتماد على خدمات مثل خرائط جوجل للتخطيط للعمليات الإرهابية، واستخدام الدرونز التجارية لشن الهجمات الإرهابية، وتنفيذ عمليات الاستطلاع والتجسس.
وأشارت الدراسة إلى أن سيارات الدفع الرباعي، خاصة تلك التي تحمل ماركة تويوتا اليابانية، تعد من أبرز الأدوات المدنية التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، لا سيما في المناطق الصحراوية والطرق الوعرة، فقد سبق وأن تم الاعتماد عليها في الحرب بين ليبيا وتشاد، حيث استخدمتها القوات التشادية للتنقل من منطقة إلى أخرى بدءًا من عام 1987 في آخر مراحل الحرب بين الدولتين، وهو ما جعل البعض يطلق على هذه المعركة اسم "حرب تويوتا".
وأوضحت الدراسة أن من بين الجماعات الإرهابية التي استخدمت هذا النوذج من السيارات، حركة "طالبان" الأفغانية منذ بداية التسعينيات، مما دفع عددًا من المحللين إلى وصفها بأنها "أداة طالبان للتخويف والترهيب"، ومع تزايد التساؤلات حول كيفية وصول هذه السيارات إلى "طالبان"، أصدرت شركة تويوتا بيانًا أكدت فيه أنها لا تقوم بالتصدير إلى أفغانستان أو تمتلك وكلاء فيها، ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لتنظيم القاعدة، حيث كانت تويوتا الماركة المفضلة لزعيم التنظيم السابق "أسامة بن لادن".
وأشارت الدراسة إلى تزايد اعتماد تنظيم داعش بروافده المختلفة عليها، حيث تُظهر الفيديوهات المصورة لداعش أن غالبية السيارات التي يمتلكها التنظيم حديثة للغاية من ماركة تويوتا، وهو ما يؤكده تصريح "مارك ولاس" السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة والخبير في مكافحة الإرهاب في أكتوبر 2015: "للأسف الشديد أصبحت "تويوتا لاندكروزر" و"تويوتا هيلوكس" جزءًا من ماركة داعش"، وذلك على الرغم من أن شركة تويوتا تضع سياسة صارمة تمنع بيع سياراتها إلى أي طرف قد يقوم بتعديلها لأغراض عسكرية أو إرهابية، فيما أوقفت الشركة مبيعاتها لبعض دول الصراعات مثل سوريا منذ عام 2012، كما تحاول الحكومة العراقية وضع قيود صارمة على عملية بيع هذه السيارات، بالإضافة إلى اتجاه بعض الدول في بعض الفترات إلى منع مرور سيارات تويوتا في مناطق محددة وإلا سيتم التعامل معها على أنها سيارة داعشية، بيد أن تلك القيود لم تكن كافية؛ إذ لا تزال سيارات تويوتا تصل إلى إرهابيي داعش والعديد من التنظيمات الإرهابية الأخرى، خاصة في مناطق الساحل حتى الصحراء والصومال.
ولفتت الدراسة إلى أن مراجعة العمليات الإرهابية وأنشطة الميليشيات المُسلحة في الفترة الأخيرة تكشف عن استخدام كثيف لسيارات الدفع الرباعي في تنفيذ عمليات إرهابية متتابعة، ولا تقتصر هذه الاستخدامات على مجرد نقل المقاتلين، وإنما تشمل تثبيت أسلحة على هذه السيارات للقيام بمهام الهجوم، بالإضافة إلى ملئها بالمتفجرات والدفع بها في الصفوف الأمامية قبيل اختراق التحصينات العسكرية.
الدراسة أكدت أن أنماط التوظيف الميداني لسيارات الدفع الرباعي تضمنت اختراق النقاط الحصينة، حيث اعتمد عدد من العمليات الإرهابية خلال الفترة الماضية على تلغيم سيارات الدفع الرباعي وملئها بالمتفجرات شديدة الانفجار، واستغلال سرعتها في اختراق نقاط التفتيش المحصنة أمام معسكرات قوات الأمن أو المؤسسات الحيوية، وعقب تدمير نقاط التفتيش وأبراج المراقبة بهذه السيارات المفخخة يتم شن هجوم ضخم على هذه المعسكرات والمؤسسات، وهو الأسلوب الذي استخدمه تنظيم داعش في العراق وسوريا أكثر من مرة، وقامت حركة طالبان بمحاكاته في مواجهة قوات الجيش الأفغاني.
كما تضمنت أنماط الاستخدام على نقل المقاتلين حيث توظف الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية سيارات تويوتا كسيارات ناقلة لمقاتليها لتجنب الطرق الممهدة التي عادةً ما تتمركز عليها أكمنة أمنية وعسكرية، والسير في الدروب الصحراوية والممرات الجبلية، وهو ما يرتبط بقدرة هذه السيارات على الحركة السريعة في مثل هذه الظروف.
وتعمد الحركات الإرهابية على سيارات الدفع الرباعي في إطلاق الصواريخ: كما تستخدمها التنظيمات الإرهابية في نقل بطاريات الصواريخ محدودة المدى وقذائف المورتر إلى أماكن قريبة من أهدافها ليتم إطلاقها بسرعة، ثم مغادرة هذه المواقع قبل اكتشافها من جانب القوات الأمنية والعسكرية. فعلى سبيل المثال، قامت بعض الميليشيات المسلحة في ليبيا بنقل راجمات الصواريخ المتعددة من عيار 107 ملم Multiple launch Rocket Systems) ( بواسطة سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا لاند كرورز لاستخدامها كمنصات للإطلاق، إلا أن ذلك يقلل من دقة إصابتها للأهداف.
كما تستخدم التنظيمات الإرهابية هذا النوع من السيارات في دوريات الاستطلاع، حيث تؤكد الفيديوهات المتداولة من تنظيم داعش في سوريا والعراق اعتماده الكثيف على سيارات تويوتا بأنواعها المختلفة في تنفيذ الدوريات الاستطلاعية، ورصد الأهداف، بالإضافة إلى استخدامها بكثافة في الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها التنظيم، حيث يتم تصويرها على أنها أسطول ضخم من السيارات العسكرية التابعة له، ويضاف إلى ذلك استخدامها من جانب التنظيمات الإرهابية في قطع الطرق وإعداد أكمنة مفاجئة على الطرق السريعة.
وحول أسباب استخدام سيارات تويوتا، قالت الدراسة إنه يرتبط الاعتماد المتزايد على سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا من جانب الفاعلين المسلحين من غير الدول بعدة عوامل، يتمثل أهمها في: الإفلات من قيود التصدير وسهولة الحصول على قطع الغيار دون إثارة شكوك، بالإضافة للمزايا الميدانية التي تتمتع بها هذه السيارات مثل قوة التحمل وسرعة المناورة والقدرة على التخفي وصعوبة التتبع.
وأشارت الدراسة إلى أن أبرز عوامل الاستخدام تتمثل في حيادية المصدر، حيث تلجأ الجماعات الإرهابية لاستخدام تويوتا لكونها مصنّعة في اليابان، وهو ما يساعدها في الإفلات من القيود التي تفرضها بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية على عمليات الشراء الكثيفة لقطع غيار السيارات، خاصة وأنه يتم النظر إلى شراء كميات ضخمة من سيارات الدفع الرباعي أو قطع غيارها في هذه الدول باعتباره ظاهرة مثيرة للتساؤل تفرض ضرورة التحقيق الأمني في وجهة هذه السيارات والمستورد النهائي لها، وهو ما لا ينطبق على سيارات تويوتا التي تمكنت التنظيمات الإرهابية من الحصول على أعداد كبيرة منها.
ومن بين أسباب استخداماتها هو قوة التحمل، حيث يشير بعض الخبراء إلى أن سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا قادرة على مجابهة كافة الظروف الصعبة نظرًا لصلابتها وقوة محركها، وقد سبق وأن أجرى أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة المعروضة على قناة "بي بي سي" في عام 2010 تجربة على إحدى سيارات الدفع الرباعي من طراز تويوتا اختبر فيها مدى قدرتها على الصمود تحت الماء، واختراق الحواجز ثم إشعال النار فيها، وظلت قادرة على العمل على الرغم من الأضرار التي أصابت هيكلها الخارجي، وكذلك السرعة والمناورة: تتميز هذه السيارات بقدرتها على الحركة السريعة على مختلف الطرق وخاصة في المناطق الصحراوية والجبلية، وهو ما يجعلها وسيلة النقل للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، حيث استخدمها تنظيم داعش في التنقل ما بين المناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وتعتمد عليها الميليشيات المسلحة الليبية والتنظيمات المتشددة في التنقل عبر أرجاء الإقليم الليبي.
وأوضحت الدراسة أنه من بين أسباب الاستخدام تلك النوعية من السيارات لدى الجماعات الإرهابية هو صعوبة التتبع، حيث يمثل استخدام تنظيم داعش لسيارات الدفع الرباعي المدنية أحد أساليب التخفي من قوات الأمن، إذ عادة ما لا تلفت هذه السيارات انتباه قوات الأمن باعتبارها سيارات مدنية، كما يلجأ داعش إلى تمويه هذه السيارات بعدة أساليب لكي تتلاءم مع البيئة الصحراوية ولا يتم ملاحظتها إلا من مسافة قريبة للغاية؛ فمثلا يقوم داعش بتغطية سياراته بالرمال لكي تصبح غير ملحوظة في الصحراء.