عفرين السورية.. عندما يجتمع الصدام الأمريكي التركي والتنسيق الروسي الإيراني (تحليل)

الثلاثاء، 30 يناير 2018 10:08 ص
عفرين السورية.. عندما يجتمع الصدام الأمريكي التركي والتنسيق الروسي الإيراني (تحليل)
مدينة عفرين السورية
محمد الشرقاوي

تظن تركيا أن لها حقًا داخل سوريا متمثلا في الحد من نفوذ قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري "وحدات حماية الشعب – سوريا الديمقراطية"، الذي تصنفه "أنقرة" منظمة إرهابية باعتباره الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني".

غصن الزيتون فصل جديد للتدخل العسكري التركي في سوريا، الذي بدأ في أغسطس 2016 بعمليات درع الفرات لطرد تنظيم داعش من مدينة "جرابلس"، كذلك منع ميليشيات سوريا الديمقراطية من تحقيق تواصل كردي في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، كذلك مرحلة الانتشار في إدلب تحت إطار اتفاق "مناطق خفض التصعيد" الذي قررته أطراف  أستانة.

العملية بدأت فعليا في عفرين، بتمهيد مدفعي في 13 يناير من العام الجاري، على مواقع "وحدات حماية الشعب" في إطار خطة الجيش التركي لمحاصرة المدينة من 4 جهات، حيث استغلت تواجد القوات في إدلب –الواقعة جنوب المدينة ويوجد بها 3 قواعد عسكرية تركية- لحصار عفرين، وفي الشمال والغرب الحدود التركية.

الجيش التركي

 

في 20 يناير بدأ التدخل التركي البري بدعم الجيش السوري الحر، بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمته أمام المؤتمر الاعتيادي السادس لحزب العدالة والتنمية، تطوير العملية العسكرية في عفرين "غصن الزيتون"، بحسب وكالة الأناضول التركية – الوكالة الرسمية- فإن العملية لن تقتصر على "عفرين" بل ستمتد إلى "منبج" ثم إلى إدلب.

الوكالة قالت على لسان الرئيس التركي ذلك، بعد أن أعلن السبت الماضي، أن القوات التركية قد تواصل عملياتها شمال سوريا في محافظة إدلب، بعد السيطرة على عفرين.

الصدام الأمريكي ودخول منبج

في منبج، الواقعة في الشمال السوري شرق "عفرين"، تتمركز قوات أمريكية تدعم وحدات حماية الشعب الكردية لطرد داعش، قالت أمس الأثنين، إنها لن تنسحب من مبج رغم التحذيرات التركية، وقال الجنرال جوزيف فوتي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إن الولايات المتحدة لا تخطط لسحب قواتها المتمركزة قرب مدينة منبج بشمال سوريا، بحسب "CNN" الأمريكية.

2000 جندي هي قوة الجيش الأمريكي في منبج. القيادة الأمريكية قالت إن "منبج" ذات أغلبية عربية وليست كردية، ما يعني أن الرفض الأمريكي قد يتحول لصدام عسكري في حال استهدفت تركيا أي قوات أمريكية في المدينة.

قوات سوريا الديمقراطية وأمريكية
 

الدعم الأمريكي لسوريا الديمقراطية كان بهدف العملية العسكرية التي شنتها القوات الكردية لطرد داعش من "مدينة الرقة، وأعلنت في 6 يونيو 2017، بدء المعركة الكبرى لاستعادة الرقة، عاصمة داعش.

مع توالي الأحداث رفضت القيادة الأمريكية رفع دعمها عن سوريا الديمقراطية، بل أمدت بخبراء عسكريين وقادة لإدارة المعارك، إضافة لنشر بطاريات الصورايخ على الحدود الأردنية، والدفع بقوات تتخطى 3000 جندي إلى الكويت، لدعم العمليات العسكرية في سوريا.

تركيا، أعلنت معارضتها للتواجد الأمريكي من البداية، لدعم حليفها إيران وروسيا – علاقات متوترة بين القوى الثلاث- وقالت على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، السبت الماضي إن الولايات المتحدة بحاجة لإنهاء العلاقة مع المنظمة الإرهابية ودفعها إلى إلقاء كل أسلحتها. عليهم أن يجمعوا الأسلحة التي منحوها والانسحاب من منبج فورا.

وظهر التنسيق من خلال عدة مؤشرات، أبرزها مسارعة موسكو إلى سحب قوات لها كانت منتشرة في منطقة عفرين بعد بدء الهجوم التركي.

 

الصدام السوري التركي "صفر" والسر "أضنة"

احتمالية التدخل السوري لصد العمليات عفرين، باتت ضعيفة، في ظل ترجيح خبراء، أن "غصن الزيتون" تمت بتنسيق "تركي روسي إيراني" أطراف "أستانة"، التي سمحت بالتواجد التركي في البداية في إدلب، وبالتتبع للعمليات العسكرية لتركيا لم يتدخل الجيش السوري في أي عمليات ضد الأتراك.

اكتفى النظام السوري بالإدانة، قائلًا على لسان وزارة الخارجية إن العمليات في عفرين عدوان تركي غاشم، إضافة لتهديد سابق بالرد العسكري على أي تدخل تركي وبإسقاط المقاتلات التركية.

قوات تركية
 
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن سوريا تدين بشدة العدوان التركي الغاشم على مدينة عفرين التي هي جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية، مضيفة على لسان مصدر بوزارة الخارجية أن هذا العدوان يمثل الخطوة الأحدث في الاعتداءات التركية على السيادة السورية.

وكانت تركيا قد أعلنت أن العمليات العسكرية في "عفرين" تمت ببلاغ خطي للقيادة السورية، في حين ردت دمشق حسب وكالتها الرسمية: "سوريا تنفي جملة وتفصيلا ادعاءات النظام التركي بإبلاغها بهذه العملية العسكرية التي هي جزء من مسلسل الأكاذيب التي اعتدنا عليها من النظام التركي".

سوريا الديمقراطية دعت النظام السوري للتدخل في عفرين لصد الهجوم البري التركي، والذي يهدد وجودهم في منطقة حيوية من "روج أفا"، والتدخل لمنع الطائرات التركية من قصف مناطقهم، لكن دمشق لم تعلن عن أي نوايا.

الأكراد وضعوا شروطا للتدخل السوري، يقضي ببقاء قوات الدفاع والشرطة والأمن الكردي في المنطقة، مقابل السماح بدخول حرس حدود سوري معلن لتهدئة الأوضاع ورد الضربات التركية إن لم تجدي الجهود الدبلوماسية.

لجيش السوري
 

وتقول مواقع سورية، إن هناك اتفاق سوري تركي يسمى "أضنة" السري، وهو ما يكشف سر التمسك التركي بأن عملية "غصن الزيتون" تأتي استنادًا على قرارات الأمم المتحدة وميثاقها، إلا أنها ترتكز بدرجة أكبر على اتفاقية "أضنة" التي وقعت بين أنقرة ودمشق عام 1998، والتي تتيح لتركيا التدخل العسكري في شمالي سوريا.

وبالنظر للتاريخ، فإن تلك الاتفاقية تم أزمة وصلت ذروتها عام 1996، عندما حشدت تركيا قواتها وهددت بالتدخل عسكريا في شمالي سوريا، ما لم تتراجع دمشق عن دعم المتمردين الأكراد، وعقب وساطات دولية، تم التوصل إلى اتفاق أضنة عام 1998 بين أنقرة ودمشق برعاية العديد من الدول.

ومن بين بنود الاتفاقية الاتفاق على مكافحة الإرهاب عبر الحدود وإنهاء سوريا كل أشكال الدعم لتنظيم العمال الكردستاني وإخراج أوجلان من الأراضي السورية ومنع المسلحين الأكراد من التسلل للأراضي التركية"، إضافة "احتفاظ تركيا في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس وفي المطالبة بتعويض عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها للحزب الكردستاني فوراً وإعطاء تركيا حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر.

الضوء الأخضر من موسكو والتعتيم الإيراني

الأكراد يرون أنه لولا الضوء الأخضر من محور "آستانة" "تركيا – روسيا – إيران" ما كانت العمليات العسكرية على عفرين، وهو ما جاء على لسان الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لفدرالية شمال سوريا فوزة اليوسف إن "الضامنين في سوتشي هما روسيا وتركيا، والاثنتان اتفقتا على عفرين".

في 18 يناير عقد رئيس أركان الجيش التركي "خلوصي آكار" ورئيس الاستخبارات التركية "هاكان فيدان" اجتماعًا مع كل من رئيس الأركان الروسي "فاليري جيراسموف" ووزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" بالعاصمة الروسية "موسكو" لبحث العملية العسكرية التركية في مدينة عفرين، كما طلبت تركيا من روسيا إغلاق أنظمة الدفاع الجوي "إس 400" المنشورة في قاعدتي "حميميم" و"اللاذقية" بما يسمح لطائراتها الحربية بالتحليق فوق عفرين، حسب ما نشرت وكالات دولية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان
 

وتابعت الوكالات أن الجهود التركية نجحت في الحصول على الموافقة الروسية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 20 يناير سحب قواتها من منطقة عفرين إلى منطقة تل رفعت لمنع الاستفزازات المحتملة، واستبعاد الخطر الذي قد يُهدد حياة الجنود الروس.

وحمَّلت روسيا -في الوقت نفسه- الولايات المتحدة الأمريكية المسئولية عن العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في عفرين لأنها جاءت نتيجة الخطوات الاستفزازية التي اتخذتها بهدف عزل المناطق التي يسكنها الأكراد بإنشائها "قوة أمن الحدود" في المناطق المجاورة لتركيا.

كذلك الدعم الإيراني للعمليات ظهر في عدة نقاط، حيث تعمل الصحف الإيرانية على تصدير المشكلة إلى الولايات الأمريكية وعمل غطاء إعلامي لـ"غصن الزيتون"، وأنها وراء تمدد الأكراد في الشمال السوري، وزعزعة أمن دمشق، حيث اتجهت أغلب الصحف إلى إلقاء مسئولية هجوم عفرين على الولايات المتحدة بعد تصاعد دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وعدم قدرتها على التوافق مع القوى الموجودة على الأرض السورية على رؤية محددة حول مستقبل سوريا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق