قصة منتصف الليل.. حماتى شيطانة طيبة

الإثنين، 23 أبريل 2018 08:00 م
قصة منتصف الليل.. حماتى شيطانة طيبة
ارشيفيه
إسراء الشرباصى

وسط أجواء عائلية احتفلت «هند»- التى لا يتجاوز عمرها 23 عاما- بزواجها من «أشرف»، الولد الوحيد لأمه على ثلاث بنات، وكان السند للعائلة بعد وفاة الأب، وتولى أمر زواج شقيقاته قبل أن يفكر فى بداية حياته الزوجية.
 
زواج الابن الوحيد استطاع أن يصنع قنبلة موقوتة فى قلوب ذويه من الغيرة، فشعور أن هناك فتاة أخذت من العائلة الأب والابن والأخ الوحيد جعلهم يرفضون فكرة زواجه وانتقاله لعش الزوجية، ولكن سنة الحياة هى الفكرة التى سيطرت على ذهن «أشرف» عند إقباله على الزواج.
 
لم تكن « هند» تعلم أنها دخلت عش الدبابير المتمثل فى عائلة تحمل لها الكراهية والغيرة، وتعاملت معهن بقلب حنون مثلما أوصتها أمها قبل زواجها، وبعد ثلاثة أيام من زواجهما فوجئت بحماتها تطرق باب المنزل ومعها حقيبة تحمل ملابس تكفيها لأكثر من أسبوع فاستقبلها الزوجان بترحيب يخفى غضبهما من حضورها المفاجئ.
 
الأم من ناحيتها صارحتهما بأنها قررت قضاء يومين معهما لخوفها الشديد من الإقامة بمفردها فى منزلها وهى لا تحبذ المعيشة مع بناتها وأزواجهن.
استسلم الزوجان لرغبة الأم رغم انزعاجهما من وجود أحد معهما وهما فى الأسبوع الأول من زواجهما.
 
جهزت «هند» للأم غرفة لتحصل على راحتها كيفما شاءت وهى الغرفة التى رفضت حماتها الجلوس فيها لصغر مساحتها قائلة «أنا مابانامش فى أوضة زى دى أنا عايزة أوضة كبيرة وفيها تليفزيون عشان اتفرج عليه براحتى وقت ما انا عايزة».
 
فجلست «هند» تفكر مع زوجها فى كيفية تلبية طلب والدته، فلم يكن فى المنزل سوى غرفتين للنوم، إحداهما الغرفة الخاصة بهما والثانية رفضتها أمه، فاستمعت الأم لحديثهما معا فقاطعت تفكيرهما بقولها «خلاص يا جماعة متزعلوش أنا هاضطر أخد أوضة نومكم وأمرى لله بس تجيبولى التليفزيون من الصالة وتحطهولى فى الأوضة ولو حبيتوا تتفرجوا تبقوا تدخلوا الأوضة بس وأنا موجودة فيها عشان مابحبش حد يدخل أوضتى»!
وقعت هذه الكلمات كلوح الثلج على دماغ الزوجين ولم يكن أمامهما سوى تلبية رغبتها وتحمل اليومين بأى شكل، واحتلت الأم غرفة نوم الزوجين.
وفى اليوم التالى استيقظت الأم وخرجت من الغرفة مرتدية ملابس «هند» وهو الأمر الذى استفز العروس، ودخلت غرفتها لتفتح خزينة الملابس لتتأكد من أنها استخدمت خزينتها لتجد الملابس ملقاة على الأرض فصرخت منادية على زوجها ليرى ما فعلته أمه.
 
فوجئ «أشرف» بما حدث بالغرفة وحاول تهدئة زوجته قبل أن تسمع أمه اعتراضها، وبعد دقائق دخلت الأم غرفة النوم فوجدتهما يطويان الملابس ويعيدان ترتيبها فى الخزينة فصاحت فيهما قائلة: «انتوا ازاى تدخلوا الأوضة وانا مش موجودة ومن غير استئذان؟ وكمان بتحطوا الهدوم فى الدولاب.. أنا اللى شيلتها عشان أحط هدومى مش لاقية مكان فى الدولاب فقلت أشيل الهدوم ولما امشى ابقوا حطوها تانى».
 
صمت الزوجان من جرأة حديث الأم، ولم يستطع أحدهما الرد وخرجا من الغرفة وحاول «أشرف» تهدئة زوجته لتتحمل تصرفات والدته أثناء وجودها، وبعد عدة ساعات طرقت شقيقاته الباب فاستقبلتهن الأم التى لعبت دور صاحبة المنزل أمامهن وطلبت من «هند» تحضير الغداء، فتوجهت للمطبخ ودخلت خلفها الأم وبناتها الثلاث فظنت أنهن سيساعدنها لتفاجأ بسخريتهن من طريقتها فى إعداد الطعام ونظافة أوانيها، وهنا شعرت «هند» أنها غير مرغوب فيها وسط هذه العائلة النسوية المتمكنة من الكيد، فحاولت أن تتحاشى كل ما يزعجها وتكتفى بالدعاء إلى ربها بالهداية.
 
وبعد مرور أسبوعين قررت الأم ترك منزل العروسين والعودة إلى منزلها وذلك بعد أن تأكدت من انتهاء إجازة الزواج التى حصل عليها ابنها وعودته إلى العمل من جديد، وبدأت «هند» تعيد الأشياء إلى أماكنها وتلتقط أنفاس الحرية فى منزلها الجديد، ولكن الأم لم تكف عن محاولات تعكير صفو حياتهما فكانت تهاتفهما يوميا لمعرفة تفاصيل حياتهما بأسئلة دقيقة وهو ما أثار غضب «هند» بشعورها بأن منزلها وتحركاتها تحت رقابة مشددة، وإذا حاول أحدهما التهرب من الإفصاح عن تفاصيل حياتهما جاءت بحقيبة ملابسها لتقيم بمنزلهما لترى حياتهما على أرض الواقع.
 
حاولت «هند» مرارا وتكرارا التحلى بالصبر والردود الهادئة فى مواجهة تصرفات أسرة زوجها ذى القلب الحنون، وكانت تختلق مبررا لتصرفات الجميع بأن أسرته افتقدت الأب وهو من لعب دوره لسنوات طوال.
 
واستمرت المشاكل لعدة سنوات إلى أن فوجئت «هند» بإصابة حماتها بشلل نصفى عجزت عن الحركة وخدمة نفسها فى منزلها بمفردها، فحاول «أشرف» أن يطلب من شقيقاته مساعدة الأم فى شئونها ولكنهن تهربن من مسئولية خدمتها، فلم يجد أمامه سوى أن يأخذها لتقيم معه فى منزله على أن ترعاها زوجته.
 
وعندما عرض الأمر على «هند» وافقت دون تردد فلم تستطع رفض خدمة مريضة، أيا كان ما صدر منها واستقبلتها بحب وأعدت لها غرفة نومها بكافة طلباتها، وظلت تحت قدميها لتلبى لها كافة احتياجاتها عسى أن يجعلها الله فى ميزان حسناتها، ورغم مودتها إلا أن حماتها لم تكف عن توبيخها وإهانتها أمام الزائرين للاطمئنان عليها وأمام بناتها الثلاث اللاتى هربن من خدمة والدتهن.
 
اتخذت «هند» الصبر طريقها لكسب الحسنات وإرضاء زوجها خاصة بعد أن توجهت لسؤال أحد المشايخ والذى أجابها بأن لها أجرا عظيما إذا تحملت رعاية حماتها المريضة، وبعد مرور عدة أشهر رزقها الله بطفل وانتظرت أن يساعدها أحد فى أيام حملها أو ولادتها بأن يرعى حماتها بدلا منها ولو لأيام معدودة إلا أن التهرب كان السمة الرئيسية التى وجدتها فى شقيقات زوجها.
 
وفى ذلك الوقت كانت حالة حماتها الصحية تدهورت إلى حد كبير فما من طبيب زارها إلا وقال ادعو لها بالرحمة، وبعد أن سمعت شقيقات الزوج عن حالة والدتهن توجهن على الفور إليها وهنا فوجئ الجميع ببحث الأخوات الثلاث عن ممتلكات الأم من مصوغات وأموال وبحثهن فى خزينة الملابس عن أى أوراق تدلهن على حصر ممتلكات والدتهن التى أوشكت على لقاء رب كريم.
 
نظرت إليهن والدتهن ثم ذهبت عيناها على «هند» وهى تأتى لها بالدواء فى موعده، مثلما وصف الطبيب، فعلمت بالفرق بين السيدة التى تحملت منها الكثير من المشاكل ورغم ذلك خدمتها دون البحث عن المقابل ولم تشك همها لأحد، وبين بناتها الثلاث اللاتى هربن من خدمتها.
 
وبعد قليل خرج الأخوات الثلاث وسمعت «هند» صوت حماتها تنادى عليها فأسرعت إليها لتجدها تطلب منها الاتصال بأحد أقاربها والذى يعمل محاميا ليحضر على الفور، وبعد ساعة تقريبا حضر المحامى وطلبت حماتها أن تجلس معه فى غرفتها دون أن يقطع حديثهما أحد، وبعد خروجه من المنزل طلبت من «هند» أن تشترى لها كفنا فى الحال، وهو الطلب الذى أكد لـ «هند» أن حماتها بين الحياة والموت وأسرعت لتلبية رغبتها.
 
وتكررت زيارة المحامى فى اليوم التالى دون أن تعلم «هند» سبب زيارته وبعد أيام معدودة استيقظت «هند» فى الصباح الباكر متوجهة إلى غرفة حماتها لتطمئن عليها فوجدتها متوفاة فى فراشها فتعالت صرخات «هند» فى أنحاء المنزل باحثة عن زوجها ليرى ما حدث لوالدته فعم الحزن عليهما وأخبر العائلة بأكملها بوفاة أمه، وبدأ فى تحضيرات الغسل والدفن ففتحت «هند» خزينة الملابس وأخرجت الكفن الذى اشترته لحماتها بناء على رغبتها، وأثناء فك طياته سقطت ورقة صغيرة من الكفن فأمسكت بها وبدأت تقرأها أمام بقية أفراد الأسرة لتجدها رسالة من حماتها مكتوب فيها: «سامحينى يا بنتى أنا ظلمتك كتير بس معدنك الطيب ظهر فى خدمتى فى الوقت اللى باعنى فيه بناتى، أنا حاولت أكفر عن اللى عملته معاكى يمكن تسامحينى وكتبت لك كل ممتلكاتى باسمك، أول ما حسيت أن يومى قرب يمكن أقدر أفرحك يوم بدل سنين المر اللى عشتيها معايا ومش طالبة منك غير إنك تسامحينى يا هند».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق