النقاش الفقهي وجدلية المذاهب الأربعة.. رحمة أم نقمة

الأحد، 03 يونيو 2018 02:00 م
النقاش الفقهي وجدلية المذاهب الأربعة.. رحمة أم نقمة
منال القاضى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، حديث شريف دعا به النبي إلى عدم المغالاة في الدين، ودلل على ذلك بأحاديث كثيره، لكن تبقى جدلية الالتزام بالنص كما هو المقصود به قائمة، بين علماء الدين باختلاف فرقهم ومذاهبهم.

مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، يرى أن التقليل من شأن النقاش الفقهي أحد أسباب تلك المشاكل، حيث يعجز من يرفضون النقاش أو يقللون منه عن تقديم ما قدَّمه أتباع المذاهب الفقهية. 

ويرى فضيلة مفتي الديار ضرورة الإبقاء على المذاهب الفقهية، وعدم طرحها جانبًا، وذلك للتيسير على العلماء أصحاب المذاهب، بقوله: «إن الشرع الشريف يراعي التيسير ورفع الحرج وإزالة الضرر عن المكلفين، وهذا ظاهر مبثوث في عموم المقاصد والأدلة والأحكام حتى أصبح الاعتدال سمة ملازمة للمسلم ومكون من مكونات شخصيته؛ قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، ويُبيِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»، وعنه أيضًا: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ»، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا».

الاختلاف الفقهي يراه بعض العلماء ضرورة، ويعتبرونه رحمة بالأمة، وتوسعة عليها، وهو ما روي في حديث - لا يعرف له سند -، يراه علماء الحديث صحيح المعني، بدليل ما ذكره السيوطي في الجامع الصغير عنه صلى الله عليه وسلم: «اختلاف أمتي رحمة». ويؤيد معنى هذا الحديث ما رواه الدارقطني وحسنه النووي في الأربعين: «إن الله تعالى حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعونها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها».

بحسب الحوار الرمضاني لـ«علام» في برنامجه اليومي «مع المفتي» المُذاع على «قناة الناس» الذي يقدِّمه الإعلامي شريف فؤاد، أكد على أن  التيسير يمثل أساس ولُب الإسلام فهو منطقة وُسْطَى، وكل من يرفضها يكون عُرضة للوقوع في التساهل أو التشدد، والرافض للتيسير يكون قطعًا من الرافضين للمذهبية الفقهية، مضيفًا: «أن المذهبية الفقهية استطاعت عبر العصور أن تحتوي الجميع، وأن تصبغهم بصبغتها الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة، الآخذة بيدها نحو كل ما هو يسير وسهل بفضل مسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نُقلت لنا عن طريق الصحابة ثم التابعين في انسياب تام وتعاون ملموس».

المسيرة الفقهية لأصحاب المذاهب هي حلقات متصلة، يوضح فضيلته أن الفصل الدقيق لا يكون مفيدًا إلا ببيان المنهجيات المميزة لكل مذهب، فمن المعروف أن بعض أصحاب هذه المذاهب قد تتلمذ على يد غيره، بل منهم من تتلمذ على يد الصحابة كأبي حنيفة في بعض الروايات التي ذكرت ذلك، ولهذا عده بعض المؤرخين من التابعين.

تحدث المفتي في برنامجه عن حياة الإمام الشافعي العلمية تلميذًا وعالمًا  والتي تدعو للانبهار، فقد كانت رحلته في تعلم وتعليم العلم رحلة طويلة ومثمرة تاركًا بصمة ظاهرة وواضحة في كل مكان وصل إليه، وقد كان مرجعًا لعلوم العربية فضلًا عن الفقه، مضيفًا أن الإمام مالك بن أنس لا يختلف في مسيرته العلمية عن باقي العلماء، فقد نشأ بالمدينة ولم ينتقل منها إلا حاجًّا لبيت الله الحرام، وقد أُخذ عنه الكثير ورويت عنه المدونة والموطأ وهما عماد المذهب المالكي، ثم أتى بعده الأتباع مقدمين خدمة كبيرة للمذهب بالشروح والمختصرات، وهذا واضح من التعليقات الثرية الموجودة على نسخ المخطوطات المحفوظة لمختصر المدونة في مكتبة البلدية التابعة لمكتبة الإسكندرية، ومخطوطة مكتبة الأزهر، ومن ثم فقد نشأ عن هذا الثراء العلمي مدارس متعددة كالمدرسة المصرية، والعراقية، والمغربية، والأندلسية، وغيرها، فضلًا عن فروع هذه المدارس.

إن من ثراء التراث العلمي أن يختلف أتباع المذهب مع صاحب المذهب، وهو أمر طبيعي ليس مبتدعًا، يرى المفتي أنه يدل على سعة الأفق والاجتهاد والسعي لتحقيق مراد الله من التيسير وليس لغرض التشهي أو حب الظهور، مستدلا بعدة نماذج لاجتهاد الصحابة والعلماء، وبيان مدى اهتمام العلماء بذلك، ومنها اجتهاد وانفراد سيدنا ابن عباس رضى الله عنه في بعض المسائل عن بقية الصحابة كما في مسألة العول في المواريث، ولم يفصح عن اجتهاده هذا إلا بعد اكتمال الدليل وانقداحه عنده مقدمًا نموذجًا مبهرًا في الاجتهاد.

واختتم نحن أمام تطور فكري كبير لا يمنع أي متخصص مجتهد أن يقول برأيه المبني على مقدمات صحيحة، حيث يُعد النقاش الفقهي الموجود في كتب الفقه المقارن غذاء للعقل الفقهي، وكل من يقلل من شأنه يعجز عن تقديم ما قدَّمه أتباع هذه المدارس الفقهية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق