بمناسبة اليوم العالمي لها..

الروسية لغة البلد المضيف لكأس العالم.. واللحن الذى عزفه تشيخوف ورفاقه

الخميس، 07 يونيو 2018 10:00 ص
الروسية لغة البلد المضيف لكأس العالم.. واللحن الذى عزفه تشيخوف ورفاقه
اليوم العالمي للغة الروسية- علم روسيا أرشيفية
وجدي الكومي

احتفلت الأمم المتحدة يوم الأربعاء "أمس" باليوم العالمي للغة الروسية، في إطار برنامجها لدعم وتطوير التعدد اللغوي، والتنوع الثقافي في العالم، ويسمى هذا اليوم في روسيا بيوم بوشكين الشاعر والأديب الروسي الكبير المولود يوم 6 يونيو 1799، واعتبر مؤسس اللغة الروسية الأدبية المعاصرة.

وفي المشهد الثقافي المصري، أثرت آداب اللغة الروسية في الأدب المصرى، فتأثر العديد من الكُتاب الكبار بتشيخوف، وفيودور ديستوفيسكي، وليو تولستوي، ونيقولاي جوجول، والأخير يعد الأب الروحي للأدب الروسي، ومن أهم أعماله المترجمة إلى العربية "المفتش العام".

ولعبت دور النشر الروسية دورا كبيرا في حركة النقل والتراجم إلى العربية، فاشتهرت دار نشر رادوغا، التي تعرف القارئ العربي والمصري على الأخص على أعمالها منذ سنين، وساهمت هذه الدار مع دار "التقدم" في مساعدة المترجمين المصريين والعرب الكبار، لترجمة الأدب الروسي إلى العربية، وأسهمتا الداران في ترجمة هذا الأدب في موسكو، فترة الستينات، وكان المترجم الكبير الراحل الدكتور أبو بكر يوسف، أحد أحلام الترجمة من الروسية إلى العربية، إذ تربت أجيال على الأعمال التي نقلها لتشيخوف، وغيره.

أبو بكر يوسف
أبو بكر يوسف

 

كان القارئ العربي يقرأ الأعمال الروسية عبر لغات وسيطة، حتى جاءت فترة الستينات، فبدأ يوسف ترجمة أعمال جوجول، وتشيخوف، وكوبرين، إضافة إلى أشعار بوشكين، ونال أبو بكر يوسف ميدالية بوشكين التي تمنحها روسيا للأجانب تتويجا لإنجازاتهم في مجال التعاون الثقافي بين روسيا والدول الأخرى عام 2012.

كما اشتهر المترجم السوري الكبير سامي الدروبي، المتوفي عام 1976 بترجمة أعمال فيودور ديستوفيسكي إلى العربية، وبفضله قرأت أجيال روائع للعملاق ليوتولستوي، منها القوزاق، والحرب والسلام، وكذلك ترجم لبوشكين عمله "ابنة الضابط".

 

يتحدث هنا في السطور التالية، عدد من المترجمين المصريين الشبان عن اللغة الروسية، يستعرضون خلالها مميزات هذه اللغة، وكيف أحبوها وعشقوا الترجمة منها إلى العربية، ودوافعهم لذلك.   

 

يقول المترجم أحمد صلاح الدين، الذي نشر منذ عامين ترجمته لكتاب الصحفية البيلاروسية "سفيتلانا أليكسيفتيش" صلاة تشرنوبيل، الحاصلة على جائزة نوبل عام 2015، أنه لا يذكر على وجه الدقة متى سمع أول كلمة من اللغة الروسية، لكنه يذكر الكلمة جيدا وهي كلمة "رودينا" وتعني الوطن.

المترجم أحمد صلاح الدين
المترجم أحمد صلاح الدين

 

يضيف أحمد: ربما كنت وقتها في المرحلة الابتدائية، سمعتها في أحد الأفلام التي كانت تتناول الحرب العالمية الثانية، قالها أحد أبطال الفيلم بعاطفة جياشة وحماسة فائقة، كنت وقتها في المرحلة الابتدائية، ولما عرفت معناها بعد مرور سنوات، أدركت لما كان هذا الجندي السوفيتي الذي كان يحتضر ويجسد دور جندي في الفيلم، يقولها بهذا الحماس وهذه العاطفة الجياشة، وكلما سمعتها، استحضرت ذات المشهد بكل ما فيه، حتى أنني تصيبني رعشة خاصة لو كنت بعيد عن الوطن.

750695_20171104224709
 
تميمة كأس العالم الذئب الهداف- تصوير المترجم أحمد صلاح الدين
تميمة كأس العالم الذئب الهداف- تصوير المترجم أحمد صلاح الدين

متحف نيكالاي جوجول تصوير المترجم أحمد صلاح الدين
متحف نيكالاي جوجول تصوير المترجم أحمد صلاح الدين

 

ويتابع صلاح الدين: أما الكلمة الثانية قبل أن أتعلم الروسية، فهي كانت كلمة "مير" أو السلام، وعند سماعها تشعر بمعاني الهدوء والمحبة في النفس، من هنا ، من كلمتي الوطن والسلام، بدأت علاقتي بالروسية، ربما دون أن أدري، تلك العلاقة التي كبرت تلقائيا حتى فتحت لها بابا عندما قررت أن أدرس الروسية في مطلع الألفينيات، وربما لا يعرف الكثيرون أن اللغة الروسية من اللغات الجميلة شديدة الثراء، وإن لم تحبها، أو تقع في حبها، لن تعطيك أي من أسرارها، خاصة إذا كنت تتعامل مع الأعمال الأدبية.

يضيف صلاح الدين: وقد مررت بمراحل عديدة ولازلت أمر بمراحل مختلفة مع اللغة الروسية، لكنني الآن صرت عاشقا لها بعد أن صرنا أصدقاء، فأتعامل مع كل نص أقرأه مجرد القراءة، أو للترجمة، كأنني أسمع لحنا جميلا أحاول أن أفك شفراته.

المترجم من الروسية يوسف نبيل
المترجم من الروسية يوسف نبيل

 

أما المترجم يوسف نبيل، صاحب ترجمة كتاب "في الدين والعقل والفلسفة" لتولستوي فيقول: إن كان للأدب الروسي مكانة خاصة بين الآداب العالمية، فلابد وأن هذه المكانة شديدة الخصوصية بالنسبة للمثقفين والأدباء المصريين. هناك أسباب عديدة لذلك، ففي كثير من الأوقات كان يمكن للقاريء أو الأديب المصري أن يتذوق الأدب الروسي – خاصة في عصره الذهبي – بسهولة أكبر من آداب أخرى. لم يكن أغلب الأدباء الروس العظام مولعين بالتقنيات السردية المعقدة بقدر اهتمامهم بمدى اقترابهم غير العادي من القضايا الروحية والوجودية التي تؤرقهم في هذا الوقت، ورغم ذلك تطورت عملية الكتابة بشكل واضح، ولأن المجتمع الروسي كان مختلفًا بشكل كبير عن المجتمع الأوروبي في هذا الوقت من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهذا جعل تذوقه أقرب لنا نحن المصريون... يمكننا بسهولة أن نتذوق تصوير تولستوي للفلاح الروسي، ويمكننا بسهولة أن نتذوق تصوير دستويفسكي للمدينة الروسية المليئة بالفقراء والمعدمين، ويمكننا أن نفهم بسهولة وضع الطبقة العسكرية في المجتمع الروسي والذي يشبه إلى حد بعيد وضعها لدينا.

ويضيف: اللغة الروسية تتسم بخصوصية خاصة، وهي أصعب إلى حد كبير من الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية، وقد تسببت صعوبتها وتأخر تدريسها في الشرق إلى ندرة أعداد المترجمين عن الروسية مباشرة، لذا فقد كنا نقرأ كثير من الأعمال الروسية عن لغات وسيطة كالفرنسية والإنجليزية، وهذا لم يمنع ظهور بعض الأسماء الفذة في ترجمة الأدب الروسية عن الروسية مباشرة مثل د .أبو بكر يوسف – د. أنور ابراهيم، بالإضافة إلى بعض المترجمين العرب.

ويتابع: التحقت بقسم اللغة الروسية بكلية الألسن خصيصًا لأصبح مترجمًا للأدب الروسي العظيم الذي تعرفت عليه منذ بداية المرحلة الثانوية، لكن للأسف لم أحظ بأي دعم داخل أسوار الكلية، وكونت قناعات ساذجة بسبب عدم مساعدة الأساتذة إلى حد كبير، فلم أتمكن من التعرف على الأعمال غير المترجمة وظننت أن ما ترجم فيه الكفاية! مع الوقت عاودني الحلم بعد أن أدركت خطئي، واكتشفت كم الأعمال العظيمة التي لم تترجم حتى الآن، وبدأت بمشروع ترجمة الأعمال الفكرية لتولستوي والتي لم تترجم غالبيتها حتى الآن، فبدأت بكتاب "في الدين والعقل والفلسفة" الذي يضم باقة من مقالات وخطابات تولستوي، وها أنا أكمل المشروع مع كتاب: "طريق الحياة" الذي يصدر قريبًا. بالإضافة إلى ذلك بدأت في دراسة الأعمال المهمة في العصر الفضي وترجمت لبولجاكوف وزوشينكو أعمال تصدر قريبًا إن شاء الله.

في الدين والعقل والفلسفة
في الدين والعقل والفلسفة

 

وعن الأدب الروسي يقول يوسف: يمنحنا الأدب الروسي درسًا مهمًا عن العلاقة بين الأدب والسلطة، فالعائق الأساسي والأكبر أمام تطور الأدب الروسي في وقت من الأوقات تعلق بقيام الثورة البلشفية ومحاولة السيطرة كاملا على العملية الإبداعية وتوجييها بشكل كامل والسيطرة عليها، وفي ردود الأفعال المختلفة للأدباء والحركات الأدبية يمكننا أن نفهم عملية تطور الأدب الروسي.

ويستطرد قائلا: عملية الترجمة من الروسية تمر بمصاعب عديدة؛ أولها ندرة المترجمين، وثانيها صعوبة اللغة نفسها، وثالثها يتعلق بمصاعب تحيط بعملية الترجمة من كافة اللغات من حيث عدم وجود كيانات قوية تدعم هذه العملية بشكل حقيقي في مصر على الأقل.

وعن  سمات اللغة الروسية يقول يوسف نبيل: هي لغة مكثفة للغاية، فحين تقارن مثلا بين عدد الكلمات في نص روسي، وعدد الكلمات في ترجمة انجليزية له لابد وأن تجد زيادة كبيرة في النص الإنجليزي، لذا كان عليَّ من البداية أن اقبل هذا التحدي وأتعلم تكثيف اللغة بشكل شديد حتى أقترب من روح النص الروسي. والأدب الروسي مثله مثل بقية الآداب مرَّ بمراحل متعددة، وغالبية القراء لا يعرفون سوى أسماء العصر الذهبي الشهيرة، وقليل جدًا من العصر الفضي، ولا شيء بعد ذلك، وهذا ما نحن في حاجة إلى تكثيف العمل عليه. علينا أولا أن نعيد ترجمة الأعمال العظيمة التي لم تحظ بترجمة جيدة في طبعاتها الأولى، وعلينا أن نعرف القاريء المصري والعربي بكثير من الأسماء المهمة جدًا التي لا يدري أغلب القراء عنها شيئًا.

الأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك، هو محاولة تطوير مجال نقدي لعملية الترجمة بأكملها. نحن لا نقرأ أي تقييمات نقدية حقيقية لعملية ترجمة الأعمال، لذا فالقاريء والمترجم على السواء يُحرمان من عملية التقييم التي من شأنها أن تطور عملية الترجمة نفسها. لدينا مثلا في كثير من الأحيان عدة ترجمات لنفس الكتاب، ولا أحد يقارن بينها. من الجيد ظهور بعض الجوائز المتعلقة بالترجمة في الفترة الأخيرة، لكن الأهم أن نطور فكرة الكتابة والنقد المتعلقة بعملية الترجمة، لأن أي عملية إبداعية يغيب عنها النقد لابد وأن تتأثر بشدة.

ويرى يوسف نبيل أنه ستظل هناك علاقة فكرية وروحية قوية بين الأدب الروسي والقاريء العربي، يحكمها في رأيه الاهتمام الشديد بقضية الدين في الأدب الروسي عند كثير من الأدباء، وهو الموضوع المسيطر على أعمال عديدة عظيمة في الأدب الروسي بتفسيرات وتأويلات وأفكار شديدة التنوع، ولأن الاستبداد حكم الشعب الروسي فترات طويلة فهذا من شأنه أن يزيد من المؤثرات المتشابهة في المجتمع العربي والروسي، وهذا من شأنه أن يزيد من طرح السؤال المتكرر: ما العمل؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال سنجد كثير من الأعمال الروسية العظيمة، والتي كان لها تأثير مباشر على كثير من الأدباء المصريين على الخصوص.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق