حسك في الدنيا يابا

الخميس، 28 يونيو 2018 10:42 م
حسك في الدنيا يابا
محمد الشرقاوي يكتب:

26 عاما ليست شيء، أمام عطفة ونظرة منك، رغم أنك داير ورغم الحمل ساير. كنت اعتزلت الكتابة في تلك الأيام؛ فالقلب لم يعد يشتاق لشيء، والقلم حبره جف، لكني آثرت الآن أن أكتب، أكتب لك وحدك يا أبي.
 
في كل عتمة ليل، يقلق الحنين مضجعي، أشتاق لطبطبة على قلبي منك تريح آلام العمر، ومسحة على جبيني تشفى الوجع، لكن دعواتك قبل النوم يرن صداها في غرفتي البعيدة عنك آلاف الأمتار، فيسرق نسيمها الأرق وأنام. وما أن تطلع الشمس، يتردد صدى الدعوات ليوقظني.
 
لم أجد حتى الآن سببا لما أكتب، لكني تركت القلم يخط ما يشاء، يحكي عن عقلى الصغير، الذي لم يتعود اختبارات الحياة بعد - إلا قليل -، يحكي حينما يدق القلق بابي، ويشرد الذهن عن الخلق، وقت أجد دعواتك تشق الظلام، تنير لي غيابة الجب.
 
يقص لحظات التيه أمام مفارق الطرق، وقت تمد لنا يد العون، تهدينا بها الهداية.
 
لا يغرنك يا أبي ما نفعل، لا يغرنك ما نتحدث عنه، من أننا نشق الأرض كفاحا، نضرب فيها بفأس الأمل، نكبر كما ترانا، لكننا ما زلنا صغارا أمامك، فما من لحظة بين يديك إلا ونتساقط كما أوراق الشجر، عساك تلملمها مرة أخرى، عساك تداوي تلك الجروح الغائرة.
 
أتعلم أننا كما العروش الخاوية، وأن قلبي لم يعد يتحمل البعاد، رغم كونها أيام تمر ونلتقي، لكني بدونك لا شيء، غير أني أتحامل على قلبي كي تشرق شمس حلمك فينا، كي تشرق شمس منعتها جدران الزمن عنا، ورغم كونك تخطيت أعواما تزيد عن الخمسين، إلا أنك ما زلت تكدح لتشق تلك الجدران، ليخرج شعاع الشمس المتوارية ويكون لنا رفيق درب وطريق.
 
هل تسمح لي بالغناء؟ لأقول لك كلمات الشاعر جمال بخيت: «داير في الدنيا داير وبرغم الحمل ساير، تدوقنا البشاير وتداويلنا الإصابة، وتعلمنا الحقيقة لنكبر ونزيد صلابة».
 
أرى أحلام أعوامك الخمسين في عينيك كما الليل لا ينتهي، لكن الليل سينتهي قريبا، سينتهي عندما يشرق فجر الأمل فينا - أنت قلت ذلك - أمس كانت بداية الشروق لمستقبلي، كنت على أعتاب بيت صاحبة الجلالة، أنتظر أن يؤذن لي، لكنك أذنت، بإيمانك بما أفعل.
 
دام بقاؤك في كل نجاح يا أبي، فأنا بدونك لا شيء، أتذكر في الأمس القريب، كان حفل تخرجي من الجامعة، أتذكر تلك السنوات التي حملت فيها حقيبتي، ملقيا عليك السلام، نحو الأمل، أم تذكر اليوم الذي قدمت معك فيه لأول مرة إلى القاهرة الغريبة، كنت تصر أن تكمل لي أوراق التحاقي بالجامعة بنفسك.
 
أتذكر كوب الشاي أمام باب جامعة الأزهر بحي الدراسة، وقت جلست تحكي عن أبيك الذي قضى أيامه الأخيرة بمستشفى الحسين، أتذكر صلاة فجر يومها في مسجد الفتح برمسيس.
 
أتعلم أنهم يقولون أني أشبهك، في كل شيء، قالوا إني أشبه أباك، أتعلم أن سيدة عجوز جلست تنظر لي فوق الدقائق دون حديث، نطقت فجأة بأنها ترى أباك يجلس أمامها، تراه في عيني وطيبتي كذلك أنت.
 
لم تكن تخرج تلك الكلمات، إلا بفعل الشوق الذي أنهك قواي، والأمل الذي أراه في عينك لم ينقطع، لم تكن تخرج إلا لأن شمس حلمك تشرق فينا، لم تكن تخرج إلا لأنك أذنت لها، فبماذا دعوت اليوم يا أبي؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق