عادل السيوي وحق ديالا

الأحد، 08 يوليو 2018 11:00 ص
عادل السيوي وحق ديالا
حازم حسين يكتب:

لن أبدأ بالرطانة المعتادة، والقول إن الفن منظومة من القيم والانحيازات الرحيمة والصادقة، إن لم تتجلّ في المواقف العملية فلا حاجة لنا بها في اللوحات والقصائد والروايات والأفلام، فالحقيقة أن حوادث الواقع أثبتت زيف هذه الترّهات، وعرّت الفن وقيم العاملين فيه، وأثبتت أن كثيرا من الشعارات والعناوين البراقة التي تلوكها الألسنة وتترجمها الفُرَش و«باليتّات» الألوان، لا تتجاوز أحيانا حناجر قائليها، أو بدقة أكبر، لا تتجاوز الحناجر غالبا، وأن أمراض العامة وأسوأ ما فيهم، تنتفخ وتتضخم وهي تقترب من دوائر النخبة، والفارق الوحيد أن سقطة الغلبان يدينها الجميع، وسقطة الفنان يُدافع عنها الجميع.
 
قبل سنوات تفجرت قضية ضخمة في الوسط الفني، كان محورها أن مهندسة ديكور تزوجت عرفيا من الفنان الشاب أحمد الفيشاوي، وبعدما أنجبت منه طفلة تنكّر لها الفيشاوي، ونفى أبوّته للطفلة، لتخوض الأم جولة طويلة بين القضاء والإعلام، حتى حصلت على حق طفلتها، بعد عدة سنوات تكرّر الأمر نفسه مع الفنان أحمد عز، الذي أنكر نسب طفليه التوأم من الفنانة زينة، وقطعت القضية أشواطا طويلة في المحاكم. في الواقعتين قال المتابعون، وفي مقدمتهم المثقفون والكتاب، إن الأمر يعود لخلل يخص الساحة الفنية وثقافة ناسها وسلوكياتهم، لكن الغريب أن هؤلاء الناقدين تورّطوا في الأفعال نفسها مع أول قضية شبيهة بالوسط الثقافي.. وحينما يسقط من ادّعى الرفعة، ويتورّط الناقد في أخطاء المُنتقَدين، فلا حجة ولا تبرير، ولا وصف يليق بالأمر إلا «الوضاعة».
 
قبل سنة تقريبا شهد الوسط الثقافي والتشكيلي بداية قضية شبيهة، طرفاها الفنان التشكيلي المصري الإيطالي واسع الحضور والشهرة والثروة عادل السيوي، والكاتبة الصحفية الدؤوبة خفيضة الصيت وقليلة المال سماح إبراهيم عبد السلام، وتفاصيلها أن سماح حضرت معرض عادل السيوي الذي نظمه في مايو 2017 بعنوان «في حضرة الحيوان»، كانت بصحبتها طفلة لم تتم عامها الأول، التقطت صورة مع الطفلة بجوار إحدى اللوحات ونشرتها عبر صفحتها على «فيس بوك» مصحوبة بتعليق مقتضب: «ديالا عادل السيوي في معرض والدها» ليبادر الفنان العالمي بكتابة منشور عبر صفحته ينفي فيه الأمر، قائلا إن سيدة مجهولة تدعي الإنجاب منه، وإنه حرر ضدها محاضر في قسم الشرطة، ووضع أرقام عدد من المحاضر، لتبدأ الصحافة التعاطي مع الأمر من وجهة نظر السيوي فقط.
 
في الوقت نفسه كانت الزميلة المحترمة سماح عبد السلام قد حركت دعوى قضائية لإثبات الزواج وإثبات النسب، تختصم فيها عادل السيوي، الذي نفى في بادئ الأمر معرفته بها تماما، بينما قالت سماح إنها مرت بفترة عصيبة خلال الولادة وما تلتها من أحداث، بسبب معاناة المولودة من متاعب صحية أجبرتهما على ملازمة المستشفى لعدة أسابيع، وخلال تلك الفترة سُرقت وثيقة الزواج العرفي من منزلها، حسبما تقول، لتخرج وتحرك الدعوى مباشرة عقب الاطمئنان على وليدتها، بعد 55 يوما من الولادة.
 
كانت سماح تقيم في شقة استأجرها لها السيوي في الإسكندرية، كما روت لبعض المقربين، وكان ابن عم الفنان المصري الإيطالي العالمي يتولى رعايتها، ومع تقدم فترة الحمل سفّرها السيوي للعاصمة اللبنانية بيروت، ثم عادت قبل موعد ولادتها بفترة، ودخلت إحدى المستشفيات الخاصة للولادة، ومع اكتشاف حالة الطفلة واحتياجها للبقاء في المستشفى فترة، نقلها وأمها لإحدى المستشفيات الحكومية، وأكدت سماح أنها لا تعرف من سرق وثيقة الزواج من شقتها، وهل هو الزوج أم ابن العم؟
 
عادل السيوي من جانبه طالب المحكمة، على لسان دفاعه، برفض دعوى إثبات النسب كدفع أساسي، وفي الدفع الفرعي بإحالة القضية للطب الشرعي حال قبولها، وخلال رحلة التقاضي يبدو أن صفقة عُقدت مع محامي سماح، فغاب عن إحدى الجلسات، وحصل السيوي على حكم برفض الدعوى، تبعه استئناف الزميلة سماح عبد السلام مطالبة بإجراء تحليل الحمض النووي «DNA» لإثبات صحة نسب الطفلة للمُدّعى عليه، وهي الفرصة الأخيرة لها ولابنتها «ديالا» التي لم تكمل عامين، في التمتع بسياق إنساني رحيم للوجود في هذا العالم، وللأسف فإنها فرصة مهددة بقوة مع إصرار محامي السيوي على الدفع ببطلان الدعوى، واحتمال عدم لجوء المحكمة لتحليل الحمض النووي في الجلسة التي تُعقد الأحد المقبل.
 
ربما يكون موقف عادل السيوي سليما، وربما كان الحق في صف سماح وطفلتها، وبين الاحتمالين قد يُوفَّق القانون في حسم الأمر، وقد ينجح الدفاع في استغلال الثغرات، بينما كان المُتوقَّع - في إطار قضية أحد طرفيها من رافعي شعارات القيم والعدالة ونُصرة المظلوم - أن يُبادر عادل السيوي أمام المحكمة بطلب الخضوع لتحليل الحمض النووي، للتأكد من نسب الطفلة له إن كانت جمعته علاقة زواج بوالدتها ويشك في النسب، أو تبرئة ساحته من الأمر، ومن التهمة المشينة التي تلاحقه وربما لن يغفرها له أحد، أيا كانت نتيجة القضية، وهي ليست إنكار نسب «ديالا» فقط، لو كانت ابنته فعلا، رغم فداحة هذا الأمر، وإنما الازدواجية والتناقض والتأخر عن نُصرة طرف ضعيف، بينما في مقدوره مدّ يد العون والمساعدة، على الأقل بحسم الجدل حول أبوّته للطفلة، والاحتكام للعلم ليقول الكلمة الفصل.
 
موقف عادل السيوي، ولا يهم إن كان مظلوما أو ظالما، موقف غريب وغير مفهوم، فالرجل الذي أنكر معرفته بالزميلة المحترمة سماح عبد السلام على مرأى ومسمع من عشرات الأصدقاء والمثقفين، عاد وأكد معرفته بها، وعدم ممانعته في إجراء التحليل حال طلبته المحكمة، ما يُعني أن سماح ليست مجهولة كما ادّعى من قبل، وأنه لم يكن صادقا تماما حينما قال إنه لا يعرفها، بل والمدهش أن تكتشف وأنت تتقصّى تفاصيل الأمر أن السيدة المجهولة أجرت عددا من الحوارات مع الفنان ذائع الشهرة، وغطّت كثيرا من معارضه وفعالياته، وتجمعهما صور عديدة، ومن ثمّ فإن فكرة المجهولية كانت دفاعا أوليا ساقطا من الفنان، ربما على طريقة «أقسم بالله ما ولادي» المضحكة.
 
الأكثر فداحة أن لهجة كثيرين من المدافعين عن عادل السيوي (كلهم من أصدقائه والمقربين منه) تغيرت جزئيا مع تطورات المشهد، لتتحول من إنكار معرفته بالزميلة سماح عبد السلام واتهامها بالادعاء كذبا عليه وتشويه صورته، إلى الإقرار بمعرفتهما ونشوء علاقة زواج سابقة بينهما، لكن مع اتفاق من الطرفين على عدم الإنجاب، وتحويل الأمر إلى اتهام الأم بنقض الاتفاق المُبرم مع الزوج، وكأن هذه الرواية نفسها - لو صحّت طبعا - مبرر كافٍ لعقاب طفلة صغيرة وحرمانها من حقها الشرعي في نسب مُعلن وأبوّة مسؤولة ورحيمة! وكأن هؤلاء المهللين جميعا لا يعرفون شيئا عن الإنسانية والرحمة والاحترام! وهذا وحده سبب كافٍ لمزيد من الهلع، لأن هذه الفطرة المطموسة والروح المشوّهة قد تسمح لكل تلك الطوابير من رافعي «حق الصاحب على صاحبه» فوق كل قيمة ومبدأ، بإنتاج هذه القصة عشرات المرات مع عشرات الضحايا، مطمئنين إلى أن حظيرة الأصدقاء ستخور وتنعب وتمد يد العون لأي ساقط في سقطة شبيهة.
 
إذا كانت هذه الممارسات السخيفة طريقة المثقفين والفنانين العالميين في التعامل مع القضايا، فما الفارق بين الفنان والبلطجي ابن المناطق المهمشة؟ ما الفارق بين المدنية والتحضّر والجنسية الإيطالية، أو الشعبوية والرجعية والإغراق في العشوائية؟ وهل يرضى المجتمع الإيطالي هذه الممارسة من فنان شهير يحمل جنسيته؟ ولماذا يرضى مثقفو مصر وأصدقاء السيوي هذا الانجراف المجاني في مستنقع سيئ الرائحة، سيشوّه الجميع ويترك آثاره السيئة على أرواحهم وأبدانهم وقيمهم المُعلّبة بالتأكيد؟!
 
الآن يُجنّد عشرات المثقفين والفنانين والكتاب أنفسهم للدفاع عن صديق شهير يمر بموقف أبوّة وإنكار نسب، ولا يملك أحدهم دليلا على سلامة موقفه إلا الصداقة والخواطر، وربما المصالح الشخصية غير المعلنة، وتبادل المنافع على طريقة وسط البلد الشهيرة، ولو توقفوا وفكروا وفتّشوا في ضمائرهم وسوابق مواقفهم، لاكتشفوا أن عليهم الانتصار للضعيف العاري من كل طاقة وسلاح، في مواجهة القوي المدجج بالشهرة والمال والجنسية الأجنبية، أو الصمت والرضا بموقع «الشيطان الأخرس» بدلا من وظيفة الشيطان ذي القرون والروح السوداء والشرف الضائع.
 
لا أستبق الصراع القضائي، ولا أُصدّر حكما بشأن الواقعة، فقط أقرع الجرس وأعبر عن هلعي وصدمتي، لا موقف عادل السيوي كان موفقا وحقيقيا، حتى لو لم تكن «ديالا» ابنته، ولا مواقف المهللين له وداعميه دون بيّنة أو دليل تدعو للفخر والإعلان، الجميع يرقصون على بدن طفلة غضة ويسحقون روحها ومستقبلها بأحذيتهم، مبكرا جدا، وبمنتهى الغلظة وانعدام الإنسانية والشرف، ولو كان مدّعو صداقة السيوي ومحبته يحبونه فعلا، لنصروه بردّه عن موقف التعنّت والمكابرة، ودفعوه للمبادرة بإجراء التحليل، وتبرئة ساحته مرة واحدة ونهائية، أو تحمُّل نصيبه من العار بشرف ورجولة، كما يليق بالمثقف إن كان مثقفا، وبالفنان إن كان فنانا.
 
بعد أسبوع تقف «ديالا» أمام قاض جديد، ربما يميل قلبه لها، ويميل القانون وإجراءاته في جانب آخر، لكن حتى لو ربح عادل السيوي هذه الجولة، فلن يخرج من قاعة المحكمة كما دخلها، لن يظل الفنان العالمي الكبير كما كان، ولن يجد الودّ الذي استشعره على مقاهي وسط القاهرة وفي تجمعات الشيعة والأهل والحلفاء والأصدقاء والخلان، سيجد نفسه وحيدا، وحيدا جدا، تلك الوحدة التي لا تشفي سقما ولا تُصلح خطأ، وربما لن تبقى له - في هذه الوحدة الطويلة والقاسية - إلا لوحات معرضه الأخير «في حضرة الحيوان».. بينما ترتدي الحيوانات بزّات وكرافتات وأحذية، تمشي بين الناس وترتاد المقاهي، تقرأ وتكتب وترسم، لكن كل هذه التفاصيل التي أجادت ريشة «السيوي» في تصويرها، لم تُخرجها من وحدتها، ولم تنزع عنها صفة «الحيوان».
 
قلبي مع «ديالا» في كل حال، لا أتعاطف مع عادل السيوي.. وأشعر باحتقار كبير تجاه كل المهللين ورافعي الرايات الحُمر.

 

تعليقات (2)
و نحن لا نهتم ان نعرف هل الاب هو ام غيره
بواسطة: عمرو
بتاريخ: الإثنين، 09 يوليو 2018 01:22 ص

من المفترض حضرتك انك تكتب ان اذا كان المثقفين في مصر بهذا الوضع فكيف يكون الجهلة و من الافضل الا تناقشوا مثل هذه المواضيع في العلن بلاش فضايح و حضرتك واثق قوي كدا ان هوه الاب انت كنت معاهم ربنا يهدينا جميعا

رد الاستاذ ناصر امين المحامي
بواسطة: خالد سويده
بتاريخ: الإثنين، 09 يوليو 2018 11:46 م

بيان وتوضيح بالرد على مانشر بحق الدكتور / عادل السيوى وصل إلى علم مكتب الاستاذ / ناصر أمين المحامى بالنقض : محامى الدكتور / عادل السيوى ، تفاصيل الحملة الكاذبة التي تتعمد التشهير بموكله وما يتم تداوله من إدعاءات كاذبة وإفتئات على الحقيقة وايذاء، ورغبة منا فى إيضاح الحقيقة نبين الآتى : انه بتاريخ 2/1/2018 تقدم دفاع الدكتور / عادل السيوى للمحكمة المختصة بمذكرة دفاعه طالبا فيها بأحالة الدعوى إلى مصلحة الطب الشرعى لإجراء تحليل البصمةالوراثيةdna رغم إن المحكمة لم ترغمنا على ذلك، لكنه و بناء على طلب الدكتور / عادل السيوى بادرنا بتقديم هذا الطلب (مرفق صورة المذكرة وموقع الطلب فيها) واثباته فى محضر الجلسة . ويمكن لاى شخص الاطلاع على ملف الدعوى ومحاضر الجلسات للتيقن والاستيثاق من ذلك قبل ترديد ايه مزاعم. وهو الامر الذى يقطع ويتضح معه كذب الإدعاء برفض الدكتور / عادل السيوى المثول للطب الشرعى لإجراء تحليل dna ، وعلي العكس من ذلك تماما فهو الذى أصر على تقديم طلب التحليل الى المحكمة ،لانه يرغب فى ابراء ساحته بكافة الطرق العلمية والشرعية والقضائية، لذا برجاء توخى الحذر فيما يثار أو ينشر، وإننا نعلم أن هناك من هو حسن النية فى تضامنه ومن هو غير ذلك ، ولقد قررنا منذ اللحظة الأولى التى تم فيها الإحتكام الى القضاء أن نلتزم الصمت وأن نحتكم للقضاء تلك الساحة الوحيده التى يسمع فيها كل الاطراف .ويمكن كل طرف من تقديم مالديه من ادله او شواهد اوحجج وبعدها نلتزم بما يقضى به. وأخيراً يناشد دفاع الدكتور / عادل السيوى المهتمين بالأمر داعيا إياهم تحرى الدقة والصدق والحقيقة والموضوعية فيما ينشر أو يثار، ومراعاة أن اتساع دائرة التشهير والاتهامات يشكل ضررا بالغا ليس على اطراف النزاع فقط ،، بل على الطفلة التى لا ذنب لها فى كل ما يدور الآن. مكتب ناصر امين المحامى بالنقض

اضف تعليق


الأكثر قراءة