نيران واشنطن وطهران تطوق أوبك.. هل تخسر سوق النفط رب العائلة تحت القصف العشوائي؟

الأربعاء، 11 يوليو 2018 10:00 ص
نيران واشنطن وطهران تطوق أوبك.. هل تخسر سوق النفط رب العائلة تحت القصف العشوائي؟
شعار منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك
حازم حسين

وصل المشهد في سوق النفط العالمية إلى محطة لا تثير التفاؤل، ما زال توازن العرض والطلب مختلا ويواجه احتمالات أكبر بالاهتزاز مستقبلا، ويبدو أن "أوبك" لم تعد قادرة على ضبط الأوضاع، بينما تواجه ضغوطا قاسية من الجميع.

سلسلة الضغوط المتوالية منذ أواخر العام 2017، اضطرت منظمة الدول المصدرة للبترول إلى التخلي عن قرارها السابق بتقليص الإنتاج، واعتماد زيادة في التدفقات بواقع مليون برميل يوميا، وهو التحرك الذي لم يُرض الفاعلين الكبار في سوق النفط.

الآن يبدو أن المخاوف آخذة في التصاعد بشأن مستويات الإنتاج والتدفق في الأسواق العالمية، وحالة الشحّ التي تتزايد يوما بعد يوم، خاصة مع تصاعد الطلب بصورة ضخمة على خلفية اتجاه الولايات المتحدة لتعويض الفواقد الكبيرة في مخزونها الاستراتيجي، والذي سجل خلال الشهور الماضية خسائر تتجاوز 100 مليون برميل.

خلال الأيام الأخيرة سجلت أسعار النفط ارتفاعات عديدة متتالية، غذتها التوترات السياسية المتصاعدة، سواء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أو حزمة العقوبات الأمريكية المرتقبة على طهران، إضافة إلى ارتفاع الطلب الأمريكي، وتعطل حصة كبيرة من الإمدادات الكندية مؤخرا، بتقلص واردات مركز تسليم العقود الآجلة في كاشينج بولاية أوكلاهوما بواقع 360 ألف برميل يوميًا، وهو الأمر المرشح أن يستمر حتى سبتمبر المقبل.

في ليبيا لا تبدو الصورة أكثر إيجابية، فقد تراجعت مستويات الإنتاج والإمدادات المتدفقة من طرابلس على خلفية التوترات السياسية والأضرار التي طالت كثيرا من الحقول والمنشآت النفطية، ليتراجع إنتاج ليبيا لأقل من النصف في خمسة أشهر، وصولا إلى 527 ألف برميل يوميا، بحسب بيانات المؤسسة الوطنية للنفط، وهذا بجانب حزمة العقوبات المفروضة على فنزويلا، والتوترات السياسية المتصاعدة بين كاراكاس وإدارة دونالد ترامب.

في أواخر التعاقدات خلال الأيام الماضية، سجلت العقود الآجلة للخام الأمريكي الوسيط "غرب تكساس" ارتفاعا بقيمة 5 سنتات، لتصل في عقود التسوية إلى 73.85 دولار للبرميل، كما قفز مزيج القياس العالمي "خام برنت" 96 سنتًا وصولا إلى 78.07 دولار للبرميل.

هذه الحالة المتفاقمة من الشح المترافق مع تنامٍ في الطلب وارتفاع في الأسعار، من المرجح أن تمتد خلال الشهور المقبلة وصولا لنهاية العام الجاري، وربما الشهور الأولى من العام المقبل، في ضوء إعلان الولايات المتحدة خطتها للعقوبات الاقتصادية على إيران، خامس أكبر منتج للنفط في العالم، وصولا بتدفقاتها التصديرية إلى "صفر" بحلول نوفمبر المقبل، ما يُعني حرمان السوق مما يقارب ثلاثة ملايين برميل يوميا.

الغياب الإيراني يفرض على كبار المنتجين في أوبك وخارجها التداخل لاستعادة حالة التوازن بين الطلب والعرض، ما سيضطر عددا من المنتجين لزيادة تدفقاتهم، لكن هذا الخيار يظل محفوفا بالمخاطر في ضوء تهديد طهران بالانسحاب من المنظمة حال زيادة أي من الدول الأعضاء إنتاجها لتعويض توقف الإمدادات الإيرانية.

خروج إيران من "أوبك" يعني تقليص قدرة المنظمة على ترتيب أوضاع السوق والتحكم في مستويات الإمداد، وبالتالي في الأسعار، وفي المقابل يُعني قدرة أكبر لإيران على التحرك خارج الضغوط، وزيادة إنتاجها بشكل فردي بعيدا عن حصص وضوابط المنظمة، ومع قدرتها على تجاوز العقوبات الأمريكية وتسريب إنتاجها للأسواق، فإنها قد تشكل تهديدا كبيرا لدول "أوبك" وحلفائها، مع قدرتها على العصف بالتوازن القائم بشكل نسبي، لصالح توفير مزيد من العرض، بشكل قد يهبط بالأسعار ويهدد مكاسب كبار المنتجين في الشهور الأخيرة.

الخطورة الكبيرة الكامنة خلف هذه التوترات والمسارات المفترحة لتوترها، أن تقدم أيٍّ من المنتجين الكبار في أوبك لتعويض الإمدادات المتعطلة من إيران وليبيا وفنزويلا، يعني أن المنظمة ولاعبيها الكبار سيضطرون لتوجيه جانب من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لتحقيق التوازن المطلوب بين المعروض ومستويات الطلب المتنامية، ما يُعني ضغطا مستقبليا محتملا على التدفقات، وتهديدا قائما طوال الوقت بأزمة مع أي تعطل في الإنتاج.

المقلق للمهتمين بقطاع النفط، أن الطاقة الإنتاجية الاحتياطية للبلدان الكبرى في السوق، وهي تعني حجم التدفقات الطارئة التي يستطيع المنتجون ضخها بشكل عاجل ومستدام في الأحوال غير الطبيعية، كما حدث في أزمات سابقة في العامين 2008 و2014، لا يمكن المجازفة بها الآن في أوضاع غير استثنائية، ولا تشهد أي ضغوط مُلحة وطارئة إلا ما تصنعه الارتباكات السياسية والصراعات التي لا يبدو أنها جذرية وعصيّة على التجاوز، والتضحية بهذه الطاقة الاحتياطية الجاهزة دائما لامتصاص صدمات السوق، يُعني أن أسواق النفط ستعجز في المستقبل القريب عن التعامل مع الانعطافات الحادة، أو تلافي الآثار السلبية الطارئة، التي قد تنجم عن مشكلات حقيقة عميقة أو أزمات طبيعية غير اعتيادية.

وسط هذه الأجواء تبدو المحنة الأكبر من نصيب "أوبك" التي تقف في مواجهة مخاطر محتملة بتصاعد الخلافات الداخلية، ما قد يُنتج انشقاقات وخروجا من المنظمة، أو الحفاظ على تماسكها وتحمل التبعات المحتملة لهذا الأمر، سواء فيما يخص الغضب الأمريكي، أو الضغوط القاسية على الأسواق بشكل قد يهدد الاتزان الحرج في الأسواق.

محنة منظمة الدول المصدرة للبترول تزداد حدة مع ضغوط أمريكية متصاعدة عليها، واتهامات بالتسبب في اشتعال الأسعار وقفزاتها المتتالية للأعلى، وهو ما اضطر رئيس المنظمة ووزير النفط الإماراتي، سهيل المزروعي، لإصدار بيان رسمي يرد على مطالبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بزيادة الإنتاج، واتهاماته لها بالتسبب في الأزمة الحالية، مشددا على أنه "لا ينبغي تحميل أوبك المسؤولية".
في بيانه المقتضب، رأى سهيل المزروعي أنه "لا يمكن تحميل أوبك وحدها مسؤولية كل المشكلات التي يشهدها قطاع النفط، لكنها في الوقت ذاته تتجاوب فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة في اجتماعها السابق في يونيو الماضي"، في إشارة منه لقرار زيادة الإنتاج مليون برميل يوميا، الذي اتخذه أعضاء المنظمة الثلاثة عشر، وحلفاؤها الأحد عشر، في اجتماعهم بالعاصمة النمساوية فيينا قبل عدة أسابيع.
 
التقارير الصحفية العالمية مؤخرا تشير إلى حجم الأزمة المتصاعدة في سوق النفط، أو كما يقول موقع CNN Money إن "الأسواق كانت عامرة بالنفط قبل عامين فقط، بينما الآن لا يوجد إلا ما يكفي لتلبية عطش الطاقة بالكاد" وهذه الحالة من الاختلال الملحوظ في ميزان العرض والطلب، يُعني أن التدفقات المتراجعة ستشهد إقبالا كبيرا من مشترين عديدين، ما يُعني تصعيدا للأسعار في موجة تضخمية قد تعصف باقتصادات بعض الدول، أو بقدرة بعض الشركات والكيانات الاقتصادية على البقاء في الملعب، أو ضمان مسار طبيعي للعمل والنمو بشكل مستدام.
 
لن تتوقف الضغوط الأمريكية واتهامات ترامب لـ"أوبك" بالتسبب في أزمات سوق النفط على أية حال، ولا سبيل لدى المنظمة الدولية القائدة لقطاع الطاقة الأهم إلا باختيار مسار من مسارين محفوفين بالمخاطر، إما الاستجابة للإملاءات الأمريكية وزيادة التدفقات وتقديم بعض أعضائها لتعويض تدفقات إيران المرتقب انحسارها، أو الحفاظ على بنائها الداخلي وتحمل مزيد من القصف الأمريكي والضغوط الدولية، وفي الحالتين قد يجد رب العائلة نفسه عاجزا عن إدارة الأمور وتحمل مسؤولياته، ليسقط تحت أقدام المتصارعين، تاركا سوق النفط بدون رأس.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق