إلى أين يمضي قطار النفط؟.. تراجع المعروض وعقوبات إيران يهددان بموجة ركود عالمية

الإثنين، 09 يوليو 2018 09:00 م
إلى أين يمضي قطار النفط؟.. تراجع المعروض وعقوبات إيران يهددان بموجة ركود عالمية
حقل نفط - أرشيفية
حازم حسين

بعد تسعة أيام من بدء سريان قرار منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" بزيادة الإنتاج مليون برميل يوميا، لا يبدو أن السوق وصلت إلى حالة التوازن بين العرض والطلب، ما يمثل ضغطا قاسيا على التداول.

على مدى أكثر من ثمانية شهور شهدت الأسواق العالمية تقليصا حادا للضخ اليومي، في ضوء قرار "أوبك" في وقت سابق من العام الماضي بتقليص الإنتاج 1.8 مليون برميل يوميا، وهو القرار الذي تسبب في نزيف حاد لاحتياطيات كبار المستهلكين.

الخسائر التي تكبدتها الاقتصادات الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر مخزون في العالم، كان مُتوقعا أن تمتص الزيادة الجديدة من "أوبك"، وتدفع في اتجاه الضغط على المنظمة لضخ المزيد، وهو ما رجح ألا تتراجع الأسعار، لكن في الوقت نفسه كان متوقعا أن تشهد أسواق الطاقة استقرارا نسبيا، حتى لو كان استقرارا حرجا.

بحسب مؤشرات التداول اليوم الاثنين، شهدت أسواق النفط ارتفاعا ملموسا في الأسعار، بواقع 49 سنتًا أو 0.6% في سعر خام القياس العالمي "مزيج برنت" وصولا إلى 77.6 دولار للبرميل، و34 سنتًا بنسبة 0.5% في سعر الخام الأمريكي "غرب تكساس" وصولا إلى 74.14 دولار للبرميل، وسط حالة من شُح المعروض وارتفاع الطلب، على خلفية بيانات أمريكية أخيرة بتراجع مخزون واشنطن لأدنى مستوياته في السنوات الثلاث الأخيرة، كما أظهرت بيانات منشورة الخميس الماضي، بعد يوم من عطلة عيد الاستقلال، انخفاض مخزون الخام في نقطة تسليم العقود الآجلة ولاية أوكلاهوما لأدنى مستوياته في 42 شهرا.

في فترات سابقة تجاوز الاحتياطي الأمريكي 570 مليون برميل، لكنه الآن لا يتخطى حاجز 450 مليون برميل في أفضل التقديرات، ما يُعني أن الولايات المتحدة الأمريكية إذا امتصت زيادة "أوبك" الأخيرة بمفردها، فوق معدلات استهلاكها الطبيعية، فإنها تحتاج أكثر من أربعة شهور لتعويض الفواقد الضخمة في خزانها الاستراتيجي، لكن المشكلة أن الأسواق لن تبقى هادئة خلال هذه الشهور الأربعة.

بجانب الضغط الذي تمثله مساعي واشنطن لتعويض الخسائر الضخمة في مخزونها، فإن الحرب التجارية المتصاعدة مع الصين وعدد من الاقتصادات الكبرى تمثل ضغطا مضاعفا، في ضوء ارتفاع فاتورة السلع والخدمات، بشكل قد يرفع درجة المخاوف من تأثر قطاع النفط، ويدفع في اتجاه تضخم الطلب تحسّبا للتطورات الدراماتيكية المفاجئة وغير المحسوبة في سوق الطاقة.

يُضاف لهذا البُعد ما تشهده أجواء فنزويلا من توترات عقب تصريحات الرئيس نيكولاس مادورو عن نية الولايات المتحدة تنفيذ اجتياح بري لبلاده، ومطالبة الجيش الفنزويلي بالاستعداد، وهو ما قد يلقي بتبعات ثقيلة على قطاع النفط الفنزويلي، المتأثر أصلا بالتوترات السياسية التي تشهدها البلاد، بشكل أدّى لتقلص تدفقاته في الأسواق، مع حالة من التراجع في صادرات عدد من المنتجين الكبار، في مقدمتهم ليبيا وأنجولا ونيجيريا، على خلفية توترات سياسية داخلية وإقليمية.

كل الأبعاد السابقة قد لا تبدو عميقة التأثير، إذا التفتنا إلى الجانب الآخر وتتبعنا الاستعدادات الجارية لبدء سريان حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وممارسة ضغوط واسعة على الحلفاء الاستراتيجيين للالتزام بأبرز بنود العقوبات، المتمثلة في وقف استيراد النفط من طهران.

بعيدا عن تهديدات إيران بالإقدام على خطوات تصعيدية حال إقرار العقوبات، أو تقدم أي من الشركاء في "أوبك" لتعويض فواقد السوق العالمية مع توقف إمدادات النفط الإيراني، وبافتراض أن طهران لن تنجح هذه المرة في التحايل على العقوبات ومواصلة ضخ إنتاجها في الأسواق، خاصة مع انكشاف كثير من مسارات هذا التحايل، ونظر القضاء الأمريكي حاليا قضية تخص تاجر الذهب التركي الشهير رضا ضراب وبنك "خلق" التركي، لاتهامهما بتسهيل تصدير البترول الإيراني، فإن الأسواق قد تكون بصدد حالة أعمق من الشُحّ في الشهور المقبلة.

لا يمكن النظر للصورة الراهنة وما يحيط بها من احتمالات تطور حادة دون مرعاة الأوزان النسبية في السوق، والتأثيرات المحتملة وفق هذه الأوزان، أو بمعنى آخر فإن تراجع الإنتاج في الفترة المقبلة سيضغط على توازن العرض والطلب دافعا الأسعار في اتجاه تصاعدي، لكن رغم فداحة الآثار المادية فالمهم مدى قدرة المشترين على تدبير احتياجاتهم، ولا يمكن بطبيعة الحال اعتبار أن للجميع مراكز متكافئة، فالولايات المتحدة ستستغل وزنها السياسي والاقتصادي الكبير للحصول على احتياجاتها، حتى لو تحملت فاتورة أكبر، بينما قد تكون فجوة العرض من نصيب دول أخرى أصغر وأضعف، وأقل قدرة على المناورة بالطبع، مع ملاءة مالية محدودة.

هكذا يمكن توقع أن كثيرا من الدول بصدد مواجهة مشكلات حادة في تدبير الطاقة، وبطبيعة الحال ستنعكس هذه المشكلات على الأداء المالي لها، سواء في صورة عجز في ميزان مدفوعاتها، أو عجز طارئ في موازناتها، وهو ما سيُغذي بدوره الآثار السلبية للحرب التجارية المتصاعدة الآن، مع اتجاه هذه الدول لتقليص العجز بانتهاج سياسات تقشفية، وتقليل الطلب على السلع والمنتجات الاستهلاكية، التي سيرفع منتجوها الأسعار بدورهم لتعويض فاتورة الرسوم الجمركية، وهذه الشبكة المتداخلة من التعقيدات قد تدفع العالم في اتجاه فقاعة تضخمية ضخمة، أو حالة من الركود التضخمي.

بالتأكيد لن تتراجع الولايات المتحدة عن عقوباتها الوشيكة تجاه إيران، وربما لن تتراجع أيضا عن رسومها الجمركية الجديدة، وبالتبعية لن تتخلى الصين وغيرها من الدول المشتبكة في الصراع التجاري عن إجراءاتها الحمائية المقابلة، ومن ثمّ فربما لا يكون هناك منفذ آمن للخروج من الآثار المستقبلية لهذه المعارك الطاحنة، إلا بمزيد من زيادة الإنتاج، وهو الأمر الذي قد يثير صراعا داخل "أوبك" على خلفية خلاف الأعضاء والحلفاء الكبار من الخارج على حصص الإنتاج، هذا لو افترضنا أنهم سيوافقون على اللجوء لهذا الخيار المكلف ماديا، والمستنزف لثرواتهم الاستراتيجية.

في ضوء هذا المناخ المشتعل، ربما يحتاج الأمر لضغوط اقتصادية من الحلقات الوسيطة في السوق العالمية، سواء من مستهلكي النفط أو مستوردي السلع والمنتجات الأمريكية والصينية، واستغلال العلاقات السياسية الجيدة مع دول "أوبك" للدفع في اتجاه ضبط حالة التوازن بين العرض والطلب. ربما لا تكون هذه الخيارات ناجعة، ولا يملك الصغار مفاتيح ضغط على الكبار، لكن الأمر معقد بصورة تدفع في اتجاه تجربة كل الخيارات والبدائل المتاحة، والسير في كل المسارات المفتوحة، لأن البديل حالة تضخم أو ركود قاسية، سيدفع فاتورتها ملايين الفقراء على امتداد العالم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق