واشنطن تتدخل لعزل لندن عن بروكسل.. هل يذبح ترامب حكومة بريطانيا بسيف «بريكست»؟

الأحد، 15 يوليو 2018 10:00 م
واشنطن تتدخل لعزل لندن عن بروكسل.. هل يذبح ترامب حكومة بريطانيا بسيف «بريكست»؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخريطة أوروبا
حازم حسين

 
لا تأتي الرياح بما تشتهي سُفن تيريزا ماي، فرئيسة الوزراء التي وصلت للسلطة بعد استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، المعروف بـ"بريكست"، يبدو أنها قد تغادر منصبها بسبب الاستفتاء نفسه.
 
منذ اللحظة الأولى لتعامل تيريزا ماي مع نتائج الاستفتاء الشعبي الذي اختار فيه البريطانيون مغادرة الاتحاد الأوروبي وإغلاق باب الوحدة مع جيران القارة العجوز، كان باديا أن رئيسة الحكومة التي تُعد إحدى نتائج "بريسكت"، لا تقتنع بالمضيّ قُدما في اتجاه إنجاز الخروج التزاما بخيارات مواطنيها.
 
عموم البريطانيين لا يتابعون تطورات الأمور، لكنهم ينتظرون بالتأكيد الوصول لمارس المقبل، الموعد المقرر سلفا لإنجاز الانفصال، بعد ما يقرب من 3 سنوات على انحياز البريطانيين لهذا المسار، لكن المرجح أن تشهد الشهور الثمانية الباقية على هذا الحدّ الزمني كثيرا من المفاجآت والتطورات، خاصة أن أبرز المسؤولين عن الانفصال، يبدو معارضا للانفصال وساعيا للتملص منه.
 
 
تيريزا ماي تبحث عن منفذ للهروب
لا تمر مناسبة يُثار فيها الحديث حول "بريكست" ومساره التفاوضي، إلا وتعلن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن المسار ليس ناعما كما يظن البعض، وأن معوقات عديدة تعترض رحلة الخروج، وربما تؤدي لتوقفها، فيما يبدو أنه مسعىً مقصود لإحباط البريطانيين ودفعهم لتوقع الأسوأ، سواء بالبقاء داخل الاتحاد، أو القبول بقدر أكبر من الخسائر الاقتصادية والالتزامات طويلة المدى تجاه بروكسل.
 
في وقت سابق قالت "ماي" إنه لا اتجاه لدى الحكومة لإجراء استفتاء ثانٍ حول مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما يُعني إقرارها بنتائج "بريكست" وما يفرضه على حكومتها من التزامات تجاه المواطنين، لكنها في الوقت نفسه لا ترى غضاضة في أن تقول في سياق آخر إنه "يُحتمل ألا يكون هناك خروج من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق".
 
الخطاب الذي يحمل ملمح التهديد ربما يتأسس على معارضة كثيرين من النواب البريطانيين لخطة حكومتها للخروج من الاتحاد، وهي الخطة التي تُقر كثيرا من الامتيازات لبروكسل على حساب لندن، أبرزها أن المملكة المتحدة ستكون مضطرة في كل مرة توقعه فيها اتفاقا للتعاون الاقتصادي مع دول أخرى، لإخطار الاتحاد الأوروبي والحصول على موافقته، وهو ما يراه المعارضون خروجا مُنتقصا، وتقويضا لاستقلال المملكة المتحدة لصالح مكاسب ومزايا الاتحاد الأوروبي.
 
في تصريحات نقلتها صحيفة "ميل أون صنداي" البريطانية، قالت تيريزا ماي إن رسالتها للبريطانيين بسيطة، وهي أنه "يجب التركيز بشكل ثابت على الجائزة، إذا لم نفعل ذلك فإننا نخاطر بأن ينتهي بنا الأمر إلى عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق" مشيرة إلى أنها ستعمل في الجولات المقبلة من المفاوضات على اتخاذ مواقف متشددة من الاتحاد.
 
واسترسلت رئيسة الحكومة في حديثها عن الأمر، لافتة إلى أن اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس نقطة بداية للتراجع، متابعة: "دعوني أكون واضحة. اتفاق خروجنا من الاتحاد ليس قائمة رغبات طويلة يستطيع المفاوضون الاختيار بينها والانتقاء منها، وإنما هي خطة كاملة بمجموعة من النتائج غير القابلة للتفاوض".
 

توريط القصر في شجارات بريكست
 
الأمر الواضح حاليا أن الإدارة الأمريكية حسمت أمرها فيما يخص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى حدّ أن هذا التطلع دفع الرئيس الأمريكي إلى تجاوز ضوابط البروتوكول الملكي البريطاني، ووضع كلام على لسان الملكة إليزابيث، مستبقا صدور بيان عن القصر الملكي.
 
في حديثه عن تفاصيل لقائه الملكة إليزابيث الثانية، في قصر وندسور الملكي يوم الجمعة الماضي، على هامش زيارته الرسمية للمملكة التي تمتد 4 أيام، قال الرئيس الأمريكي إنها قالت له خلال اللقاء إن "بريكست مشكلة معقدة للغاية" مؤكدا أنها محقة في هذا الأمر وأن "المشكلة معقدة للغاية ولا أحد كان يتخيل هذا"، وذلك في مقابلة نشرتها صحيفة "ميل اون صنداي" الأحد.
 
 
في الزيارة نفسها انتقد "ترامب" أداء الحكومة البريطانية وطريقة إدارة تيريزا ماي ووزرائها لملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، متحدثا عن نصيحته لرئيسة الحكومة البريطانية بالقول: "قلتُ لها تأكدي من حصولك على استثناء، حتى يكون لك الحق مهما حدث في إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة".. حديث الرئيس الأمريكي أثار غضب الحكومة البريطانية، لكنه رغم هذا يمثّل إشارة إلى عقبات عدّة تنتظر حكومة لندن، بعضها قد يأتي من أقرب الحلفاء.
 

حكومة "بريكست" تنحاز ضد الاستفتاء

رئيسة الوزراء تيريزا ماي لم تُعلن حتى الآن معارضتها للخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل واضح، لكن كل المؤشرات المتوفرة حول تحركاتها السياسية ومفاوضاتها مع مؤسسات الاتحاد، وعلاقتها بوزراء حكومتها، تؤكد بشكل كبير معارضتها الشرسة لـ"بريكست".

"ماي" التي جاءت عقب استقالة ديفيد كاميرون تنفيذا لوعد سابق بمغادرة منصبه حال خروج نتيجة الاستفتاء في صالح الانفصال، تسير على خطى "كاميرون" في معارضة "بريكست"، لكنها بالتأكيد لا تُبدي أي إشارة إلى احتمال مبادرتها بمغادرة المنصب إذا تعقدت الأمور ولم تنجح في إنجاز الخروج كما أقره البريطانيون.

في الجانب الأوروبي، تضغط مؤسسات الاتحاد في بروكسل للحصول على مزايا تحد من آثار الانفصال البريطاني، بشكل يُبقي على روابط عميقة، أقل بالطبع من الوحدة الكاملة، لكنها أكبر كثيرا من الانفصال الكامل، وهو ما ترتضيه رئيسة الحكومة وتدفع في اتجاهه، بينما يرفضه البريطانيون من داعمي الخروج، سواء من المواطنين أو أعضاء مجلس العموم أو في الحكومة نفسها.

هذا الموقف المضطرب بدا واضحا في تصريحات أخيرة لرئيسة الحكومة، إذ قالت "ماي" تعليقا على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة المتحدة مؤخرا، إنه سبق أن نصحها بالتحرك قضائيا ضد الاتحاد الأوروبي، في إطار العمل على تقوية موقف بلادها في مفاوضات الخروج من الوحدة الأوروبية، قائلة لـ"بي بي سي": "قال لي إنه يتعين عليّ مقاضاة الاتحاد الأوروبي .. مقاضاته وليس التفاوض"، وهي النصيحة التي قال ترامب لاحقا إن "ماي" تجاهلتها.

 

 

رجال ترامب يسددون السهام لـ"ماي"

الموقف الأمريكي يمكن استكشافه من واقع تصريحات أحد أبرز الوجوه السابقة في إدارة دونالد ترامب، الذي رغم خروجه من الإدارة قبل سنة وعدة شهور، لا يمكن النظر لحديثه عن "بريكست" بمعزل عن مواقف وتصريحات دونالد ترامب الأخيرة.

في حديث نقلته صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية، حرّض ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية وعضو مجلس الأمن القومي سابقا، على رئيسة الوزراء تيريزا ماي بشكل مباشر، قائلا إنه حان الوقت حاليا لأن ينافس وزير الخارجية المستقيل مؤخرا، بوريس جونسون، على رئاسة الحكومة البريطانية.

في موقفه الذي يبدو متسقا مع توجه الإدارة الأمريكية حاليا، حاول "بانون" أن يبدو موضوعيا وغير متحامل على رئيسة الحكومة البريطانية، قائلا إن "تيريزا ماي لديها كثير من المزايا العظيمة، لكن لست متأكدا من أنها الزعيمة المناسبة في الوقت المناسب" مشيرا إلى أنه يرى الوقت قد حان لأن يقود بوريس جونسون البلاد، حسبما نقلت وكالة رويترز عن المسؤول الأمريكي السابق.

 

بريكست يوحّد الخصوم

الغريب في ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنه يشهد تقاربا في المواقف بين الولايات المتحدة وروسيا، رغم الصراع الدائر بين البلدين في ملفات أخرى، بعضها يخص أوروبا نفسها.

في قمة حلف شمال الأطلنطي "ناتو" التي استضافتها العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخرا، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على خلفية علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع روسيا، واستيرادها لكميات كبيرة من الغاز الروسي، معتبرا أن هذا المسلك تمويل مباشر لموسكو، ومساعدة من برلين لها في أن تكون أكثر ثراء.

هذا الموقف المتشدد من مصالح روسيا في ألمانيا، يتصادم بشكل حاد مع دعم واشنطن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات جيدة مع مؤسساته، إضافة إلى أن "بريكست" يلقى دعما كبيرا من الكرملين، وقد أُثيرت مؤخرا أحاديث وانتقادات عديدة حول علاقة رجل الأعمال البريطاني أرون بانكس، أبرز داعمي الخروج من الاتحاد، بالدولة الروسية ومؤسساتها الرسمية.

هكذا يبدو أن واشنطن وموسكو قد تخلّيتا عن خصومتهما القائمة في كثير من الملفات السياسية والاقتصادية، منها الملف السوري، والمساعي الروسية للوجود في شرقي آسيا وعلى مقربة من شبه الجزيرة الكورية، لصالح تقطيع أوصال أوروبا وحرمان القارة العجوز من الوحدة، بالدفع في اتجاه خروج أحد أبرز أعضاء الاتحاد وواحد من قواه الاقتصادية الكبرى.

 

سيف "بريكست" في يد ترامب

إذا تجاوزنا الموقف الروسي، باعتبار حالة العداء المشتعلة بين لندن وموسكو، بشكل لا يضمن للأخيرة أي مكاسب مباشرة من مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، بل على العكس قد يكون الأثر سلبيا، على خلفية المصالح العريضة بين الروس والاتحاد الأوروبي، التي ستتأثر بتقليص موازنة الاتحاد وقدراته المالية بخروج أحد أهم أعضائها، فإن الموقف الأمريكي يبدو سيفا جديدا على رقبة حكومة تيريزا ماي.

قد يرى متابعون أنه لا يمكن الجزم بأن زيارة ترامب الأخيرة للمملكة المتحدة ولقاءه الملكة إليزابيث يرتبطان بـ"بريكست" بشكل مباشر، لكن الحقيقة أن توقيت الزيارة، وما دار فيها من حوارات، وما تلاها من تعليقات على لسان الرئيس الأمريكي، كلها تؤكد أن الزيارة استهدفت الاقتراب من كواليس "بريكست" والنفاذ إلى عمق الرؤية البريطانية الرسمية بشأنها.

ربما لا يملك ترامب مفاتيح ضغط كافية لفرض رؤاه على لندن، لكن عامل القلق بالنسبة للحكومة البريطانية أن الرغبة الأمريكية تتوافق مع الرغبة الشعبية التي عبر عنها الاستفتاء، ما يُعني أن ضغوطا سياسية واقتصادية قوية من الحليف الأكبر عالميا، ستقابلها ضغوط شعبية داخلية من عموم البريطانيين، وإما تنجح هذه الضغوط في إجبار تيريزا ماي على التخلي عن خطتها الرمادية للخروج من الاتحاد، أو يكون "بريكست" السيف الذي يقطع رقبة الحكومة البريطانية.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق