الإسكندرية أرض الكنوز المدفونة.. تابوت «سيدى جابر» ليس الأول ولن يكون الأخير

الجمعة، 20 يوليو 2018 08:00 ص
الإسكندرية أرض الكنوز المدفونة.. تابوت «سيدى جابر» ليس الأول ولن يكون الأخير
تابوت الإسكندرية
كتب محمود حسن

فى عام 2000 قرر اليونسكو تبنى مشروع لترميم مبانى شارع "فؤاد" بالإسكندرية، واصفة إياه بأنه الشارع الأقدم فى التاريخ، إذ يبلغ عمره عمر المدينة، أى حوالى 2350 عاما تقريبا، وهو على نفس تخطيطه الذى وضعه الإسكندر الأكبر، هو وشوارع المدينة الرئيسية، وتعاقب البشر طوال هذه الفترة على نفس التخطيط الذى وضع قبل سنوات طويلة، ليصبح تحت كل بيت فى الإسكندرية بيوتا أخرى سكنها بشر آخرون، وتصبح هناك قصة تحت الأرض تروى أكثر بكثير مما فوقها.
 

فؤاد والنبى دانيال شوارع تحكى تاريخ كنوز المدينة
فقبل 333 قبل الميلاد، أمر الإسكندر الأكبر بتأسيس مدينته عن طريق الربط بين جزيرة "فاروس" و القرية المتواجدة أمامها وهى قرية "راكودة"، واعتمد بناء المدينة على شارعين رئيسيين يتفرع منهما شوارع المدينة لتكون شبيهة برقعة الشطرنج، أما الشارع الأول فهو شارع "كانوب" والذى أضحى اليوم "شارع فؤاد"، والثانى هو شارع "السوما" والذى أضحى اليوم شارع "النبى دانيال".

شارع فؤاد اقدم شوارع العالم
شارع فؤاد اقدم شوارع العالم

ولعل من النادر أن تظل مدينة على مثل حالها لسنوات طويلة مثلما بقيت الإسكندرية على وضعها الحالى، وهذا ما يجعلنا فى النهاية أمام مدينة متعددة الطبقات، فهنا أقام البطالمة، ثم الرومان، ثم جاء العرب بحضاراتهم المتنوعة، ما بين الأمويين والمماليك، ثم بدأ عصر محمد على، مرورا بغزو اندلسى للمدينة عام خلال زمن الخليفة المأمون حيث استعمروها حوالى 5 سنوات.
 

الصهاريج.. الكنز المنسى تحت الإسكندرية
كان لنهر النيل حوالى 11 فرعا اندثر أغلبهم ليبقى الفرعين الحاليين دمياط ورشيد، وترك هذا الجفاف الإسكندرية بعيدة عن الماء مصدر الحياة، فكان الحل هو تخزين المياه عبر "الصهاريج" والتى وصلت إلى حوالى 700 صهريج تحت المدينة، هذه الصهاريج التى كان أول من انتبه لها "الخديوى عباس الأول" حيث يذكر على باشا مبارك فى كتابه "الخطط التوفيقية" أن الخديوى وصله إلى أن بعض الناس يخرب تلك الصهاريج ليبنى فوقها، فأصدر قرارا بتجريم هذا الفعل.

صهريج ابن بطوطة بالإسكندرية
صهريج ابن بطوطة بالإسكندرية

ورغم أن الكثير من الصهاريج اندثرت، إلا أنها تفاجئ السكندريين بين الحين والآخر، بانهيار أرضى، يكشف تحته صهريجا منسيا، بعض تلك الصهاريج بقيت حتى اليوم متواجدة أسفل العمارات، بل إن بعضها استخدم فى فترات الحروب كملاجئ من قصف الطيران، مثل صهريج شارع فؤاد، وبعضها اليوم نسى تماما رغم جمالياته مثل صهريج شارع النبى دانيال والذى يمكن الوصول إليه فقط عبر فتحة صرف صحى، وهناك ما يتم الاهتمام به واعادة ترميمه مثل صهريج عبد الرازق الوفائى فى بداية شارع النبى دانيال.


تحت المبنى مقبرة.. حكاية لم يبدأها تابوت سيدى جابر
تزخر المنطقة "الشاطبى" وحتى "مصطفى كامل" بالمقابر الأثرية، فقد كانت تلك الرقعة الشاسعة كلها عبارة عن "الجبانة الشرقية" لأهل الإسكندرية، حيث استخدمت لأكثر من 1000 عام تقريبا كموضع لدفن أهالى المدينة، وعلى امتداد رقعة سكنية واسعة يقيم بها ما لا يقل عن نصف مليون شخص، وتضم حى باب شرق بأكمله، وكذلك حى سيدى جابر.

آثار كامب شيزار
آثار كامب شيزار

 

جميع العقارات المبني فى هذه المنطقة بنيت فوق المقابر الأثرية، وهناك مقابر بالفعل تم الكشف عنها أسفل هذه العقارات عند إعادة بناءها، تماما مثل عقار "سيدى جابر"، فهناك موقع "مسرح العبد" الأثرى، وموقع "عمارة كامب شيزار" الأثرى، وغيرها من المواقع التى كشفت فيها عن مقابر عند هدم العقارات القديمة.


هل ظلم أجدادنا التاريخ حين بنوا فوق المقابر الأثرية؟
إذا كان شطر كامل من المدينة يقع أسفله مقابر أثرية، فهل ظلم أجدادنا الآثار حين قاموا بهذا البناء؟، الحقيقة لا، لكن من ظلم المدينة هو العثمانيين الذين احتلوا مصر منذ منتصف القرن السادس عشر، حيث اضمحلت المدينة فى عهدهم بطريقة غير مسبوقة، ويصفها المؤرخ ابن اياس فيقول: " نعق بوم الخراب في أرجاءها وأقفرت شوارعها، وخربت كثير من دورها، وأصبح العمران فيها مقصور على تلك الرقبة الممتدة من بين الشاطئ وجزيرة فاروس، وصار ميناؤها لا يصلح لرسو السفن".

اسكندرية العثمانيين
الاسكندرية فى العصر العثمانى

لقد خربت المدينة تماما فى العصر العثمانى، وظلت على وضعها هذا نحو 300 عام، حتى أتى إليها محمد على ليعيد مد يد الحضارة من جديد للمدينة، بعد أن شق إليها "ترعة المحمودية"، وبعودة الحياة إليها تزايد عدد سكانها شيئا فشيء، وظهرت حاجتهم للتوسع، ولم يكن الكثير من هؤلاء وهم يبنون بيوتهم يعلمون أن أسفل تلك البيوت ستقع المقابر والصهاريج والآثار، خاصة فى عصر لم يكن لدى العالم هذا الوعى الأثرى الموجود حاليا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق