«لا ننصح بقراءة كتب هذه الجماعة، إلا للمتخصص وطالب العلم المميز؛ لما تتبناه من اعتقاد مخالف لأهل السنَّة والجماعة، وجهود شيخهم في نصرة الإسلام مشكورة ، ونسأل الله أن يثيبه عليها ، لكن هذا لا يجعلنا نزكي اعتقاده المخالف ، ولا نزكي من بعده ممن هو على من جماعته، وقد افترق أتباعه كثيراً ، ولا يمكن جمعهم في سياق واحد، وإنما يكون الحكم على كل واحد منهم أو طائفة بحسب ما يُظهر من اعتقاد ، أو منهج».. هكذا جاء رأى السلفيين فى الطريقة النورسية التركية، وهو ما يفسر  حرب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان - ذو المرجعية السلفية والإخوانية – المقبلة ضد الطرق الصوفية وهو ما كشفه  الصحفي التركى «نوزاد تشيتشيك» المعروف بقربه للحكومة التركية بقوله أنه:« سيتم تصفية من يستغل الدين تحت مسمى جماعة دينية أو طريقة صوفية أو وقف أو جمعية في تركيا ويعملون كآلة لتحقيق أهداف القوى الخارجية ويهددون الأمن القومي ويقضون على المصادر الصحيحة للدين ويعملون على فرض رؤيتهم ولا يعودون بالنفع على البلاد أو الشعب».

 download

 
 

 ساعدت بعض الطرق الصوفية  خاصة الطريقة الرفاعية، والنقشبندية «أردوغان» فى التغلب على محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقعت ضده منذ عامين  فالدكتور محمد عجان الحديد، شيخ رواق الإمام الرفاعى، تقدم الجماهير فى استانبول داعما لحزب  العدالة والتنمية، إلا أن أردوغان وعقب سيطرة على الأمور فى البلاد  اتهم بعض أتباع الصوفية التركية  بدعم «فتح الله كولن » مؤسس حركة خدمة الصوفية.

 

 توجد فى تركيا المئات من الطرق الصوفية حيث أن الحركة الإسلامية التركية بدأت صوفية، ويرجع الفضل فى ذلك إلى بديع الزمان النورسى، صاحب «رسائل النور» ومنها خرجت  الطريقة النورانية.

 

 أما حركة «فتح الله كولن» التى تسمى «خدمة» ويتبعها الملايين فى تركيا وهى المتهمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الأخيرة ضد «أردوغان» فيصفها البعض بكونها  وجه اجتماعى لأفكار بديع الزمان سعيد النورسى.

النورسى
 

يقول أنصار حركة «خدمة» أنها تمثل الوجه الحقيقي والحداثي للاسلام، إلا أن هناك أسئلة يطرحها الكثير من المراقبين حول أهداف تلك الحركة والتى كان مؤسسها حليفا مقربا من أردوغان إلا أن الأخير اتهم «كولن» بالسعى لتأسيس كيان مواز للدولة التركية.

 
عند الحديث عن الطرق الصوفية فى تركيا لا نستطيع أن نغفل دور جلال الدين الذى يلقب بـ«سلطان العارفين»  والذى كان قد ولد فى مدينة بلخ في فارس،  أفغانستان حالياً، و انتقل مع والده للعيش في بغداد لفترة قصيرة عندما بلغ الرابعة، ثم رافق والده وفي الترحال إلى بلدان عديدة، إلى أن استقرا في مدينة قونية التركية، وكان عمره تسعة عشر عاماً.

 ولعب الشاعر الفارسي فريد الدين العطار دورا كبيرا فى نبوغ جلال الدين،بعد أن أهداه ديوانه الشعري المسمى أسرار نامه، ما جعل الرومى يخوص في الشعر، والصوفيّة، كما تتلمذ «الرومى» على يد الصوفى الشهير شمس الدين التبريزي إلا أن اغتيال الأخير دون أن يعرف قاتله،أدى لغرق تلميذه« الرومى» فى دوامة حزن  ولينظم له ديوان شعر، بعنوان «الديوان الكبير».

لن يرضى «أردوغان» واتباعه من إخوان وسلفيين ودواعش عن الحركات الصوفية فى تركيا ، وهو ما سنفسره من وجهة نظر سلفية - يعتنقها أردوغان-  تجاه هذه الطرق الصوفية فى السطور التالية:

 كولن

 
تقول «الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة »- سلفية الهوى-  إن النورسية هى جماعة دينية ، إسلامية ، هي أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة ، ركَّز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان ، والعمل على تهذيب النفوس ، مُحْدِثاً تياراً إسلاميّاً ، في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني ، الماسوني ، الكمالي ، الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية ، واستيلاء " كمال أتاتورك " على دفة الحكم فيها  ومؤسسها هو الشيخ سعيد النورسي 1873 - 1960م ، ولد من أبوين كرديين ، في قرية " نورس " القريبة من بحيرة " وان " ، في مقاطعة " هزان " بإقليم " بتلس " شرقي الأناضول ، تلقى تعليمه الأولي في بلدته ، ولما شبَّ ظهرت عليه علامات الذكاء ، والنجابة ، حتى لُقِّب بـ " بديع الزمان " و " سعيدي مشهور " . وفي الثامنة عشر من عمره ألَمَّ بالعلوم الدينية ، وبجانب كبير من العلوم العقلية ، وعرف الرماية ، والمصارعة ، وركوب الخيل ، فضلاً عن حفظه القرآن الكريم ، آخذاً نفسه بالزهد والتقشف .

 الروما

 

وفق الموسوعة فإنه عندما دخل « الحلفاء » استانبول محتلين : كان النورسى في مقدمة المجاهدين ضدهم ،وفي عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من " جمعية الاتحاد والترقي " التي رفعت شعار « الوحدة ، الحرية ، الإصلاحية »لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين : ألّف بديع الزمان جمعية « الاتحاد المحمدي » واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين ، ولكن بالمفهوم الإسلامي ؛ كشفاً لخدعهم التي يتسترون خلفها ، وتجلية لحقيقتهم الماسونية- لقد كان العلمانيون الذين حكموا « تركيا » بعد زوال الخلافة يخشون من دعوته ، ويعارضونها أشد المعارضة ، فما كان منهم إلا أن استغرقوا حياته بالسجن ، والتعذيب ، والانتقال من سجن إلى منفى ، ومن منفى إلى محاكمة- عاش النورسى آخر عمره في « إسبارطة » منعزلاً عن الناس ، وقبل ثلاثة أيام من وفاته : اتجه إلى " أورفه " دون إذن رسمي ، حيث عاش يومين فقط ، فكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1379هـ . حيث فدفن في مدينة «أورفة»، ولكن السلطات العسكرية الحاكمة في تركيا آنذاك، قامت بعد أربعة أشهر من وفاته بهدم القبر، ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة، وبعدها أعلنوا منع التجول في مدينة «أورفة»، فأصبح قبره مجهولا، لا يعرفه الناس حتى اليوم.

الصوفية
 
 قال «بديع الزمان» للمحكمة عندما كان مسجوناً في سجن « اسكشير» : «لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية ، وإنني أقول لكم : إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة ، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة ، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان  وجرى توجيه عدة تهم إلى سعيد النورسى منها  العمل على هدم الدولة العلمانية ، والثورة الكمالية  وإثارة روح التدين في تركيا وتأليف جمعية سرية، والتهجم على مصطفى كمال أتاتورك وغيرها من التهم  إلا أنه زادت من عدد اتباعه بسبب بلاغته فى الرد على الاتهامات».