أوبك تتقدم وإيران تتراجع.. هل تنفذ طهران تهديداتها بالانسحاب وإعلان الحرب؟

الثلاثاء، 31 يوليو 2018 02:01 م
أوبك تتقدم وإيران تتراجع.. هل تنفذ طهران تهديداتها بالانسحاب وإعلان الحرب؟
الرئيس الإيراني حسن روحاني vs الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
حازم حسين - وكالات

في 2017 أقرت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" تقليصا للإنتاج بواقع 1.8 مليون برميل يوميا، في يونيو الماضي تراجعت جزئيا عن الأمر، ومؤخرا سجل إنتاج المنظمة أعلى مستوياته في 2018.
 
طوال الشهور التي قلّصت أوبك إنتاجها شهدت سوق النفط العالمية تطورات حادة، دفعت الخام إلى مستويات تسعير مرتفعة قياسا على العامين السابقين، وخلال أسابيع قفزت أسعار مزيج القياس العالمي "خام برنت" من مستوى يدور حول 50 دولارا للبرميل، حتى لامست مستوى 80 دولارا للبرميل، ما فرض الحاجة إلى تدخل عاجل لموازنة مستويات العرض والطلب، وبدفع من روسيا والسعودية استجابت المنظمة، وعاد الاتزان جزئيا.
 
 
ارتفاع إنتاج أوبك وسط مخاوف متصاعدة
في الآونة الأخيرة قفز إنتاج النفط الخام من الدول الأعضاء في منظمة أوبك إلى أعلى مستوياته في 2018، مدفوعا بتطورات إيجابية في أسواق الإنتاج الكبرى، وتزايد الطاقة الإنتاجية، بجانب الآثار الإيجابية لبدء سريان القرار السابق برفع القيود عن تخفيض الإنتاج جزئيا اعتبارا من بداية يوليو، بعد أكثر من 18 شهرا خسرت فيها سوق الطاقة أكثر من 900 مليون برميل.
 
بجانب قرار التراجع عن تقليص الإنتاج، يبدو أن بعض الدول الأعضاء أبرمت عقودا جانبية مع الولايات المتحدة، بجانب تحرر عدد من المنتجين المستقلين من سياسات تقليص الإنتاج والاتفاقات السابقة مع "أوبك"، في مقدمتهم روسيا التي زادات إنتاجها بنسبة كبيرة، وأيضا كازاخستان التي أشارت تقارير صادرة عن أوبك إلى أنها تجاوزت الحدّ المسموح لها به من الإنتاج وفق التنسيق بين أوبك وشركائها المستقلين.
 
بحسب مسح أجرته وكالة "رويترز"، فقد أظهرت النتائج أن التزام منظمة "أوبك" بالأهداف المحددة سابقا ومستويات المعروض التي أقرتها الدول الأعضاء تراجع إلى 111% خلال يوليو الجاري، وذلك من مستوى 116% سجله هذا الالتزام في يونيو، ورغم هذا التراجع فإن النسبة الحالية تشير إلى أن المنظمة ما زالت تقرّ قيودا على الإنتاج ولم تصل بعد لمستوى التدفقات التي أقرتها في اجتماع فيينا خلال يونيو الماضي.
 
 
زيادة محدودة في نيجيريا والخليج 
 
بحسب المسح فإن قائمة الدول التي شهدت زيادة في الإنتاج تصدرتها المجموعة الخليجية، بواقع 80 ألف برميل للكويت، و40 ألف برميل للإمارات، و50 ألفا للمملكة العربية السعودية، و50 ألفا لنيجيريا، كما زاد العراق تدفقاته النفطية مع انتظام حركة الصادرات من موانئ الجنوب بشكل ساهم في زيادة المعروض العراقي.
 
الزيادة الإجمالية التي سجلت 220 ألف برميل من المجموعة الخليجية ونيجيريا لا تنسجم مع الأوزان النسبية لهذه الدول ولا قدراتها الإنتاجية والاحتياطية والتصديرية، فمثلا لا تخضع نيجيريا لقيود خفض الإنتاج من الأساس، وتمتلك مخزونا وقدرات إنتاجية ضخمة لدجة تُمكّنها من زيادة تدفقاتها بشكل أكبر، بينما لم تقفز صادرات السعودية بشكل ملحوظ، فرغم زيادة الإنتاج 50 ألف برميل قياسا على مستويات يونيو الماضي، ارتفع استهلاك المصافي ومحطات الكهرباء مع الضغوط المتصاعدة على الاستهلاك في شهور الصيف، وظلت صادرات المملكة قريبة من مستوى 10 ملايين و600 ألف برميل يوميا الذي سجلته في يونيو.
 
بالنظر لقرار أوبك بشأن التراجع عن تقليص الإنتاج جزئيا، ومطالب أمريكية سابقة من السعودية وغيرها بضخ مليون برميل زيادة يوميا، فيما يبدو أنه خطوة ضمن تحركات عدّة لتعويض فواقد المخزون الاستراتيجي الأمريكي (يتجاوز 600 مليون برميل وفقد ما يقرب من 100 مليون برميل منذ تقليص الإنتاج)، فإن هذه النقاط تُرجح أن تكون زيادة الإنتاج قد ذهبت لدعم الاحتياطي الإنتاجي الذي يزيد من قدرات الدول المنتجة على التعامل مع الحالات الطارئة وضمان استدامة تدفقاتها، أو ذهب لمُشترٍ مباشر خارج نطاق التداولات المُعلنة، وفي الحالتين فإن الدفقات الزائدة لن يكون لها تأثير ملحوظ على مستويات الأسعار.
 
 
إيران تفقد 100 ألف برميل
 
استمر تراجع الإنتاج النفطى من دول فنزويلا وليبيا وأنجولا، بالإضافة إلى إيران التى انخفض إنتاجها ما يقرب من 100 ألف برميل يوميا، وتراجعت الصادرات الإيرانية فى ظل عزوف الشركات عن شراء نفط إيران بسبب تجدد العقوبات الأمريكية.
 
وتراجع إنتاج ليبيا الذى ما زال متقلبا بسبب الاضطرابات، واستأنفت حقول فى شرق البلاد الإنتاج بعد انتهاء مواجهة مسلحة فى مرافئ التصدير لكن الإنتاج توقف منتصف الشهر فى الشرارة، أكبر حقول النفط الليبية.
 
وانخفض الإنتاج فى فنزويلا أيضا حيث تفتقر صناعة النفط إلى السيولة بسبب الأزمة الاقتصادية، وفى أنجولا بسبب انخفاض صادرات يوليو وسط تراجع طبيعى فى الحقول النفطية.
 
 
تعزيز التدفقات بين رغبة واشنطن وتهديدات طهران
 
بينما بدا من مُخرجات اجتماع "أوبك" في العاصمة النمساوية فيينا مطلع يونيو الماضي، أن التراجع عن قرار تقليص الإنتاج بعد 18 شهرا من سريانه (منذ يناير 2017 حتى يونيو 2018) جاء مدفوعا بضغوط أمريكية مباشرة، بجانب رغبة روسية وسعودية لإعطاء دفعة للمعروض العالمي، فإنه في الحقيقة كان تعبيرا عن حالة القلق أكثر من كونه استجابة للضغوط.
 
سبق اجتماع أوبك بشهر كامل إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ثمّ إعلان اعتزامها إقرار حزمة عقوبات عسكرية واقتصادية على طهران، تشمل وقف صادرات النفط الإيرانية اعتبارا من نوفمبر المقبل. وكان طبيعيا أن تترك هذه التطورات آثارها السلبية على تقييم أوبك وحلفائها لحالة السوق وتوازن العرض والطلب، وما يتحمله قطاع الطاقة من ضغوط ومخاوف.
 
عكس ما يتصوّر أغلب الناس، أحيانا لا يكون ارتفاع أسعار النفط بصورة مُبالغ فيها في صالح الدول المُنتجة، حتى مع كون هذا الارتفاع يُمثّل مزيدا من الأرباح والتدفقات النقدية، فعند نقطة محددة من اختلال العرض والطلب تنكسر قدرة السوق على النمو، ومن ثمّ على استيعاب التدفقات حتى لو كانت محدودة، وحال تراجع الطلب فإن النمو العالمي (بما فيه نمو الدول المنتجة للنفط) يكون على المحكّ ومُهدّدا بالسقوط في دوامة من الركود المصحوب بانكماش اقتصادي (ركود تضخمي) بشكل لا يكون مفيدا للمشترين ولا البائعين على حدّ السواء.
 
وفق هذه النظرة ضغطت واشنطن للتراجع عن تقليص الإنتاج، وللسبب نفسه تراجعت أوبك بالفعل، لكن إيران التي تُمثّل لاعبا بارزا في سوق النفط استشعرت أن الأمر يُمثّل محاولة لملء مكانها في المنظمة والسوق، وخطوة استباقية لتقليل آثار الحصار المرتقب على تدفقاتها النفطية، فهددت بالانسحاب من "أوبك" حال تقدّم أي من أعضاء المنظمة لتعويض حصصها الإنتاجية، ولاحقا هدّدت بإغلاق مضيق هرمز الواقع في دائرة نفوذها، وتوجيه ميليشيات الحوثيين التابعة لها بإغلاق مضيق باب المندب، ما يُعني تعطيل نصف التدفقات العالمية تقريبا من النفط.. هذا التهديد رغم صعوبته يظل إشارة خطر قد تدفع لزيادة الإنتاج، بغرض تعزيز احتياطيات الدول وكبار المشترين، تحسّبًا لأي تطور مفاجئ وتأمينا من المناورات الطارئة من جانب أي طرف لحين التعامل معها وضمان استدامة التدفقات واستقرار السوق.
 

كيف ترى إيران زيادة الإنتاج؟
 
في اجتماع يونيو الماضي كانت إيران حاضرة، ووافقت على قرار أوبك بالتراجع عن تقليص الإنتاج، حتى لو كانت الموافقة على مضض أو اضطرارية، لكنها لاحقا هدّدت بأن أي زيادة لتعويض حصصها ستدفعها للانسحاب من المنظمة، والآن هناك زيادة في الإنتاج بشكل أعاد التوازن للسوق وخفف من حدّة الأسعار نسبيا، ورغم أن الأرقام المتوفرة لا تشير إلى خرق الاتفاق أو تحرّك أحد لملء مكان إيران، فالمهم هو كيف ترى إيران هذه الزيادة؟
 
من مصلحة السعودية والمجموعة الخليجية، ودول المنطقة حتى غير النفطية منها، أن تتراجع أسعار النفط عالميا. هذا الأمر يضمن تراجع عوائد إيران بشكل يضغط على اقتصادها ويحدّ من قدرتها على دعم المتطرفين والميليشيات في العراق وسوريا واليمن وغيرها، وحتى حال إقرار العقوبات الأمريكية وحظر صادرات طهران، فلن توفر الملاذات البديلة (الصين وتركيا وروسيا) تدفقات مالية جيدة، سواء باستيرادها المباشر أو بتقديم أنقرة تسهيلات لتهريب تدفقات النفط والغاز الإيرانية كما فعلت في فترات العقوبات السابقة.
 
استمرار توازن العرض والطلب، وتراجع الأسعار، وتخفيف الضغط عن السوق والعقود الآجلة، ستراه إيران تلاعبا خفيًّا بسوق النفط وتهديدا مباشرا لها، ومع تنامي الضغط الاقتصادي المتزامن مع نزيف العملة المحلية (الريال) وتصاعد الاحتجاجات والتوترات الشعبية، قد تسعى الدولة الشيعية إلى توتير الأجواء وتهديد الخليج العربي ومضيق هرمز، ما يُعني تهديد أكثر من 30% من تدفقات النفط العالمية، بشكل سيدفع الأسعار بالضرورة خطوات واسعة إلى الأمام، ويعيد تعزيز موقف طهران وعوائدها المالية.. لكنه بالتأكيد سيمثّل مغامرة غير مأمونة العواقب.
 
لا يمكن الجزم بالمسار الذي ستعتمده إيران. كل الخيارات تبدو مقبولة ومستحيلة في الآن ذاته، يمكن أن تعلن طهران انسحابها من أوبك، لكن هذه المغامرة قد تدفعها خارج الحلبة وتؤثر على حضورها وحصصها في سوق النفط مستقبل، ويمكن أن تتهدد النقل النفطي في الخليج العربي ومضيق هرمز، لكنها بهذا قد تجعل نفسه عُرضة لضربة خاطفة أو تحرك عسكري شامل.. بحسابات الفرص والمخاطر لا يبدو أن إيران ستتحرك خطوة للأمام، غالبا ستظل في موقعها تنظر يمينا ويسارا، تحسب الحسبة وتنسفها، تهدد ثم تهدأ، وفي النهاية قد تعود إلى "بيت الطاعة" مرغمة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق