بعد وفاته الغامضة..

نص شهادة الأنبا «أبيفانوس» في حق معلمه الروحي «متى المسكين»

السبت، 04 أغسطس 2018 03:00 م
نص شهادة الأنبا «أبيفانوس» في حق معلمه الروحي «متى المسكين»
الأنبا أبيفانوس

تبذل قوات الأمن أقصى جهد للتوصل إلى حقيقة مقتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار، والذى وجد غارقا فى دمائه أمام قلايته.

الأنبا إبيفانيوس أحد تلاميذ الأب متى المسكين، والذى دخل فى خلافات لاهوتية من المتنيح البابا شنودة، وهى الخلافات التى زال الكثير من آثارها عقب تولى نيافة الأنبا تواضروس منصب بطريرك الكرازة المرقسية بابا الأسكندرية.

في مؤتمر «بوزي Bose» بإيطاليا، منذ حوالى عامين و بمناسبة الذكرى العاشرة لنياحة الأب «متى المسكين» كان المتنيح «الأنبا إبيفانيوس» أسقف ورئيس ديـر القديس أنبا مقار، ألقى كلمة تعد شهادة في حق أستاذه ومعلمه الأب، وجاء نصها بتصرف كالتالى:

جناب الأب الفاضل «إنزو بيانكي» رئيس دير بوزى، سادتي الآباء المطارنة والأساقفة والإكليروس،الآباء والإخوة والأخوات أعضاء دير بوزى، الإخوة والأخوات الحضور أولاً، كلَّفني قداسة البابا المُعظَّم أنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أن أنقل لجميعكم تحيَّاته ومُباركته لهذا اللقاء، مع تمنياته بنجاح المؤتمر، وصلواته من أجل جميع الحضور.

 

متى
 

أتقدَّم بالشكر العميق لجناب الأب المحبوب «إنزو»على دعوته الكريمة لهذا المحفل المُبارك الذي نحتفل فيه بذكرى عزيزة على قلوبنا، وهي الذكرى العاشرة لرحيل أبينا الروحي الأب متى المسكين، الذي تتلمذنا على يديه، وتعلَّمنا منه الكثير، وما زلنا كل يوم نتعلَّم من كتاباته وسيرته التي تركها لنا، ذُخراً للكنيسة الجامعة.

ففي عام 2006، رحل الأب متى المسكين، الأب الروحي لدير القديس أنبا مقار بوادي النطرون في الصحراء الغربية بمصر. لكنه قبل رحيله ترك لأولاده ميراثاً غزيراً روحياً وإنسانياً، ما زلنا نغترف منه حتى الآن، ولا ندَّعي أننا قد استطعنا أن نستوعبه كله أو حتى نُدرك أبعاده.

يقول الأنبا المتنيح: «ففي النصف الأول من القرن العشرين، بَدَأَت في مصر حركة مدارس الأحد التي كان يقودها الأرشيدياكون حبيب جرجس، الذي اعترفت الكنيسة القبطية بقداسته منذ ثلاثة أعوام. وكان كل ميراث هذه الحركة يتمثَّل في كتابات جدلية وكتابية واردة من الكنائس الأخرى، ولم يكن هناك أية دراسات آبائية معروفة أو تفاسير للكتاب المقدس في يد القارئ القبطي باللغة العربية، سوى بعض الكتب المترجمة عن كُتَّاب من الكنائس البروتستانتية. وكانت أهم هذه الكتابات وأكثرها شيوعاً تفاسير ف. ب. ماير Fredereick Brotherton Meyer، ومتى هنرى Matthew Henry. وعلى هذه الكتابات تتلمذ معظم قادة الكنيسة في ذلك الوقت. وفي حقل الدراسات اللاهوتية لم تكن الكنيسة تعرف سوى كتاب: ”علم اللاهوت“ - تأليف القمص ميخائيل مينا ناظر مدرسة الرهبان في ذلك الوقت، وكان قد قام بتأليف هذا الكتاب عام 1938م، ويتبع فيه نظام اللاهوت الغربي المعروف باسم: «اللاهوت النظامي».

وفي عام 1951، صَدَر للأب متى المسكين كتاب: «حياة الصلاة الأرثوذكسية»، وهو أول كتاب يصدر له بعد تكريس حياته للرهبنة بثلاث سنوات فقط، وكان لهذا الكتاب صدًى واسع عند الناطقين باللغة العربية داخل مصر وخارجها، حتى أنَّ جناب المطران جورج خضر مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس، قال: «إنَّ هذا أول كتاب في العصر الحديث لكاتب قبطي يتتلمذ عليه الروم».

لم يكن هذا الكتاب مجرَّد بحث في أصول الروحانية الأرثوذكسية، بل كان نافذة أطلَّ منها الأقباط على ماضي حياتهم الروحية والآبائية والرهبانية، وكان له تأثيرٌ بالغ في حياة الآلاف من الأقباط، الذين صار منهم الكثير من قادة الكنيسة بعد ذلك؛ بل كان له تأثيرٌ في الكثير من الحركات الرهبانية خارج مصر، خاصة في السنوات الأخيرة، بعد أن تمَّ ترجمته للُّغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأوكرانية.

ولقد أدرك الأب متى المسكين وقتها أهمية هذا الكتاب، فكتب في عام 1968 في مُقدِّمة الطبعة الثانية، تعليقاً على كلمة المطران جورج خضر: «إنَّ الله اختار هذا الكتاب ليكون فيه كلمة مُصالحة ونقطة تقابُل، لا على صعيد الحوار الفكري أو الجَدَل اللاهوتي، بل على مستوى وحدة الحياة الروحية وتجلِّيات الإيمان الذي يتجاوز العجز اللفظي إلى نور الحق الإلهي المُعاش».

ثم بدأ الأب متى المسكين يذكر في عظاته أسماء قدِّيسين غربيين كان لهم تأثيرٌ في حياته الروحية، ومسيرته الرهبانية، مثل: القديسة تريزا الطفل يسوع، والقديس فرنسيس الأسيزي. فكان لمثل هذه الكتابات والأقوال أثرٌ فعَّالٌ في حياة الأقباط تجاه قدِّيسي الكنيسة الجامعة، مع الإحساس العميق بوحدانية جسد المسيح. ولعل تواجدنا كأقباط الآن في دير كنيسة شقيقة، لهو إحدى ثمـار مثل هذه الكتابات. وأيضاً التواجُد المستمر لرهبان وراهبات من الكنائس المختلفة في أديرة الكنيسة القبطية على مدار العام، لهو ثمرة أيضاً لروح الحبِّ والتفاهُم التي غرستها فينا كتابات الأب متى المسكين.

 

يتابع: الأب متى المسكين والتجديد الرهباني: عندما بدأ الأب متى المسكين حياته الرهبانية، كانت الأديرة القبطية في حالٍ يُرثَى له، فأعداد الرهبان كانت قد تناقصت كثيراً، ومباني الأديرة آل بعضها للسقوط، خاصةً دير القديس أنبا مقار، ولم يكن بالأديرة أيُّ رهبان من خريجي الجامعات أو من المُنكَبِّين على الدراسات القبطية والإنجيلية سوى الن‍زر القليل.

 

و
 

ومنذ أول يوم لتكريس حياته للرهبنة، وضع الأب متى المسكين في قلبه أن يحيا حياة رهبانية تقوم على مبادئ الإنجيل ووصايا قدِّيسي الرهبنة، خاصةً أنبا أنطونيوس وأنبا مقار وأنبا باخوميوس. فكان أول كتاباته الرهبانية بعنوان: «أنبا أنطونيوس ناسك إنجيلي»، أوضح فيه الأساس الإنجيلي الذي تقوم عليه الحياة الرهبانية، والتي بدونهـا نصبح غرباء عن الطريق الصحيح. ثم بدأ عمليّاً في إحياء حياة الرهبنة كمزيج بين حياة الوحدة كما عرفها القديس أنبا مقار، وحياة الشركة كما وضع أُسُسَها القديس أنبا باخوميوس.

فكان الأب متى المسكين هو أول من أعاد «مائدة الأغابي» التي يجتمع حولها الرهبان كل يوم، كطقس رهباني أصيل، يُوحِّد الرهبان معاً في خبز المحبة، بعد أن كان هذا الطقس قد اختفى من أديرتنا منذ مئات السنين. وقد سعدتُ جداً عندما استضافني الرهبان هنا لأخذ بركة الشركة في مائدة المحبة الرهبانية، فوجدتُ فيهم نفس روح الشركة التي علَّمنا إيَّاها أبونا متى، مُنادياً أنَّ الشركة في المائدة الواحدة هو امتدادٌ للشركة في الإفخارستيا. كما وضع الأب متى أُسُس العمل اليدوي، كعملٍ مشترك لكلِّ رهبان الدير القادرين على العمل، واضعاً في ذهنه أنه على الراهب أن يعول نفسه، وأن يُقدِّم فائض عمله لخدمة المحتاجين، حسب وصية آباء الرهبنة.

يتابع الأنبا المتنيح: مفهوم الأب متى المسكين للأعياد الكنسية: فميلاد الرب يسوع، هو ميلاد الإنسان الجديد؛ ومعموديته وحلول الروح القدس عليه في الأردن، هو معمودية الخليقة الجديدة وتَصَالحُها مع الله لقبول سُكْنى الروح القدس الدائم فيها؛ وصليب الرب هو صليبنا نحن، لأننا كُنَّا في المسيح، مُتَّحدين به؛ وبالتالي عندما قام المسيح من بين الأموات، كُنَّا جميعاً قائمين فيه: «مع المسيح صُلِبْتُ»، «أقامَني معه وأَجلَسني معه في السماويَّات». أليس هذا هو مفهوم التجسُّد والفداء كما شرحه آباء وقدِّيسي الكنيسة؟ هذه المفاهيم الآبائية تغلغلت في جميع كتابات الأب متى المسكين، فأحسَّ بها القارئ المسيحي بِغَضِّ النظر عن انتمائه الطائفي، وأيقن أنَّ هذه الكتابات تخصُّه هـو. وهكذا مرَّةً أخرى، أصبح هناك وحدة غير مُعلَنَة بين الكثير من القُرَّاء بسبب تلك الكتابات. وقد شعرنا، نحن أولاده، بهذه الوحدة من الصداقات التي تكوَّنت لدينا من جميع الطوائف المسيحية، ومن روح المحبة التي لمسناها من إخوتنا في الكنائس الأخرى.

يقول الأنبا المتنيح في يناير عام 1965، كتب الأب متى المسكين مقالاً بعنوان: «الوحدة المسيحية»، بثَّ فيه أَفْكَارَه وتَصوُّراته حول مفهوم الوحدة المسيحية وكيفية تحقيقها، مؤكِّداً على أننا لا نُريد وحدةً عاطفية تكون لمجد الإنسان وتعظيم الذات البشرية، مثلما حاول الإنسان في القديم أن يُقيم وحدةً الغرض منها بناء برج بابل، فكانت النتيجة التَّفتُّت والانقسام؛ ولا أن تكون وحدةً قائمةً على التكتُّل ليتقوَّى الضعيف بالقويِّ، وليزداد القويُّ قوةً وسُلطاناً؛ بل تكون وحدةً على مستوى إلهي، كنتيجة حتمية لاتِّحاد الإنسان بالله، أي نتيجة لوصية الله الأولى: «تحب الرب إلهك من كلِّ قلبك، ومن كلِّ نفسك، ومن كلِّ فكرك؛ ثم الوصية الثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة