«يا منجد علي المرتبة».. كيف رفع التثقيف الجنسي سقف الإبداع في أغاني التراث الشعبي؟ (فيديو)

الأربعاء، 08 أغسطس 2018 06:00 م
«يا منجد علي المرتبة».. كيف رفع التثقيف الجنسي سقف الإبداع في أغاني التراث الشعبي؟ (فيديو)
ارشيفيه
مصطفى الجمل

يا منجد علّي المرتبة
عروستنا حلوة مؤدبة
يا منجد علّي المرتبة
عروستنا ناعمة غُريِّبة
يا منجد علّي المرتبة
واعمل حساب الشقلبة
 
لو كنت من هؤلاء الذين يُسألون «انت أصلاً منين» فيجيبون : «أنا من هنا» في إشارة إلى مدن القاهرة والجيزة، لن تجد للكلمات السابقة صدى بداخلك، ستسهجنها وتستغرب مدى الايحاء الجنسي الفائح منها رغم أنها يبدو عليها الانتزاع من أحد أغاني ومواويل التراث الشعبي، وببحث قليل ستكتشف أن الكلمات غنتها منذ عشرات السنوات المصرية ليلى نظمي، ورددها من خلفها مئات المواطنين في قرى ونجوع المحروسة احتفالاً بحفل زفاف أحد أبنائهم، وببحث أكثر قليلاً ستكتشف أن التراث ممتلئ عن آخره بأغاني من هذه النوعية المكتظة بالايحاءات الجنسية، والتي كانت مصدرها بشكل كبير مباريات حوارية بين السيدات، أو كما يقولون«كيد النسا».
 
«كيد النسا» رفع بشكل كبير سقف الإبداع في التراث الشعبي، دون أن يقترب أحداً منه ويجرمه ويعتبره عيباً، لعدة أمور – ليس من بينها أن وقتها لم يكن هناك نقاد فنيين أو سلفيين- الثابت منها وأهمها وأقربها للمنطق أن هذه الكلمات كانت لا تخرج من الحيز النسوي في احتفالاتهم البعيدة كل البعد عن مجتمع الرجال، ومع مرور الزمن وبدء تسرب هذه الكلمات لمسامع الرجال وزوال الخطوط الفاصلة في القرية بين احتفالات الجنسين لم تلق اعتراضاً أيضاً لأنها أصبحت بقوة التاريخ تراثاً شعبياً يزف البهجة والسرور في المنازل. 
 
 
«ثدي الفتاة» كان له مكانة مميزة في تلك الأغاني، فاحتل المساحة الأكبر من الوصف ففي إحدى الأغاني تقول الست نعيمة المصرية :«من ميتى وانت غايب.. ده الرمان استوى»، ملمحة إلى الرحلة الطويلة التي غاب فيها العريس بالخارج من أجل جمع المال الكافي للزواج، وبعده عن خطيبته حتى استوى عودها وثديها، وتزامن ذلك مع موسم جمع فاكهة الرمان. 
 
وفي أغنية أخرى يقول المغني:«والعرباوي كان عيان..وصفوله البرتكان..والبرتكان دوا العيان» في إشارة إلى أن تأخر الزواج يصيب الشاب بالمرض والاكتئاب، حتى يصف الطبيب له الزواج المعبر عنه مجازاً بثدي الفتاة «البرتكان»، وتقول أخرى: «بيضة بياض اللبن وأحلى من الفلة..وآدي صدرها ريش نعام..صفطه الهوى غنا» واصفة جمال جسد العروس بصفة عامة وصدرها بصفة خاصة، حتى أنه يشبه ريش النعام في ملمسه.
كما كان لعين الفتاة نصيب مشابه من الغزل، فتقول إحداهن:« والعين تشيل وقية.. من الكحل آبو دلال» واصفة جمال العروس وزينتها وجمال عينيها الواسعتين واللتين تزينهما بالكحل. 

عذاب العازب 
ولم تنس هذه الأغاني نقل حالة العازب قبل الزواج، ففي أغنية من تلك الأغاني تقول الفتيات: «عيني ع العازب عيني عليه..والمخدة بين رجليه» ناقلةً حال الشاب الذي بزغت منه معالم الرجولة وحان وقت زواجه ولم يهده الله لشريكة العمر بعد، فيستغني عنها بوضع المخدة بين رجليه، وتم ترجمة هذه الأغنية حديثاً في مهرجانات شعبية حملت اسم «الوسادة الخالية»
 

دروس جنسية مجانية 
 
لم تقف أغاني التراث عند حد وصف العروسين قبل الزواج، بل وصل الأمر لحد وصف شكل العلاقة الجنسية في أول ليالي الزفاف، وكأن الأغاني كانت بمثابة دروس تثقيفية جنسية للشباب المقبلين على الزواج، فتقول إحدى المغنيات: « تحت الصرة بشوية.. أرنب صايد غزال».. واصفة شكل العضوين الذكري والأنثي ومكان التلاقي بينهما، وتضيف أخرى : «حلو مص الشفايف.. ومحدّق يا لمون»، واصفة طعم القُبلة الأولى بين الزوجين ولذتها مشبهة إياها بلذة أكل اللمون المقطوف قبل أن يستوي على الشجر. 
 
واستكمالاً للدورس المجانية، وصفت إحدى المغنيات كيف تستقطب الفتاة عريسها نحوها ليلة الزفاف، بقولها: «هاتلي خمرة نضيفة .. وأقلعلك بالقميص». 
ومن أشهر الأغاني التي قيلت في وصف العلاقة الزوجية بين العروسين : «ياللي ع الترعة حود ع المالح»، والتي تقول فيها الفتاة: « يا اللي على الترعة حوّد على المالح.. شعري بيوجعني من شد امبارح.. خدي بيوجعني من بوس امبارح.. وسطي بيوجعني من رقص امبارح.. ضهري بيوجعني من نوم امبارح.. حاسب على بيتنا بانيينه امبارح»، فالأغنية تصف آثار مداعبة الزوج لزوجه في أول ليالي الزفاف، وكيف أن تؤثر تلك المداعبة على تصدع للمنزل حديث البناء. 
 
 
وتقول أغنية أخرى: «الليل طويل وحركاته كتير..أنا اللي بطني بتوجعني..لا واد ولا بنتي هتنفعني أنا عاوزة حبيبي يدلعني..ويشيل ويحط على السرير» في إشارة إلى رغبة الفتاة في قضاء أكبرظ فترة ممكنة مع حبيبها بدون إنجاب حتى يستطيعا التمتع بوقتهما بعيداً عن متطلبات الأطفال التي لا تنتهي ولا تنقطع في أشهرهم الأولى.
 
العروس في بيتها
 
ولعل من أشهر هذه الأغاني، ما قيل في وصف شكل تعامل العروس في بيتها بعد الزواج وسيرها في البيت بما يريحها من ثياب، فتقول الأغنية:«ما اعرفش أدق الكسبرة..إلا بقميص المسخرة..ما اعرفش أدق التوم..إلا بقميص النوم»، واصفة كيف تظهر العروس الجديد دلالها على زوجها في بداية حياتهما فتتمسك بارتداء ثياب خفيفة لا يجوز أن يراها غيره، حتى تجبره على أن يحضر منزلاً له مستقلاً عن أهله وأقاربه. 
ومما ذكر في سياق دلال الزوجة على زوجها داخل منزلهم بعد الزفاف، الأغنية التي تقول :«يا سي مصطفي يا بيه.. يا لعيب الكاراتية.. يا ميا على شربات.. يا مدوب كل البنات.. يا سي مصطفي يا بيه.. يا ميا على ليمون.. يا شاغل كل العيون.. يا سي مصطفي يا بيه» ويتغير الاسم باسم العريس. 
ويمكن الرد من قبل الزوج على هذه الأغنية بأغنية أخرى يدلل فيها زوجته فيقول: « على حلة الحمام..هتعيطي ما تعيطي.. اهي ليلة والسلام.. على حلة الملوخية.. هتعيطي ما تعيطي.. اهي ليلة ومعدية». 
 
أدب القرى 
 
الحكم على هذه الأغاني في وقتها بالإباحية لا يستقيم مع السياق التي ذكرت فيه، فلم تكن هذه الأغاني مباحة ليلاً نهاراً، تقال أمام المارة والسامعين والمجمعات الحاضرة فيها رجال من خارج دائرة الأهل والمقربين، كانت مقصورة على مجتمع الفتيات ومجالسهم حيث الأمان الكامل لأن لا أحد بمسرح العمليات من خارج أهل الثقة.
 
 كما كان لهذه غرض تعليمي، نظراً لأن وقتها كانت وسائل التعليم والثقيف نادرة الوجود، وكانت تخشى الأسرة من دخول الفتاة هذه التجربة دون أن تكون على دراية بالأقل الممكن لتكمل حياتها هانئة سعيدة، وتتجاوز الصدمة الأولى لهذا الأمر الجديد كلية عليها. 
 
كتاب "أغاني النساء في صعيد مصر" للمؤلف محمد شحاتة، تضمن عدداً كبيراً من هذه الأغاني مفسراً إياها، ومتعقبها بالتحليل والتوثيق، موضحاً أن البنات كانت تتعلم من هذه الأغاني كيف كانت تتعامل مع زوجها، فقاً للعادات والتقاليد الراسخة في المجتمع الريفي في هذه الفترة، وفي ظل صعوبة أن تتصدى الأم لشرح تلك العلاقة سواء للبنت أو الولد.
 
لماذا اختفت هذه الأغاني؟ 
 
أشار «شحاتة» إلى أن هذه الأغاني اختفت لسببين، الأول انتشار وسائل الاتصالات الحديثة وظهور أشكال أخرى للاحتفال، الثاني وفاة عدد كبير من المغنيات والأمهات اللاتي كن يحفظن هذه الأغاني ويرددنها في الأفراح، ولفت شحاتة إلى أن هذه الأغاني أو معظمها مجهولة المصدر لأنها كانت تتناقل شفاهية دون التوثق من أول من ألفها ورددها، ولازال حتى وقتنا هذا كثير منها بلا مصدر معروف لأحد.
ومؤخراً ظهرت فرق شبابية تردد تلك الأغاني مغيرة في لحنها وبعض كلماتها، حتتى تتماشى مع السياق المجتمعي الحديث، ويمكن إذاعتها في الأفراح المقامة بالمدن وقاعات الزفاف الكبيرة،  ويرجع الفضل في هذا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي ينتقل الحدث من خلالها بين الشمال والجنوب في جزء من الثانية. 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق