مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر التشريع.. حدود القوانين في مصر بين نصية الثبوت والاجتهاد

الجمعة، 07 سبتمبر 2018 06:00 ص
مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر التشريع.. حدود القوانين في مصر بين نصية الثبوت والاجتهاد
مجلس النواب- أرشيفية
كتب محمد أسعد

جاءت الدساتير المصرية المتعاقبة، لتؤكد في موادها الأولى على أن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، بما في ذلك الدستور المعمول به حاليًا –دستور 2014- ولكن هل يشمل هذا الإلزام كافة الأحكام الشرعية؟ بما في ذلك الأحكام غير المقطوعة بالثبوت أو الدلالة؟

في حكم صادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 17 لسنة 8 قضائية دستورية، تطرقت المحكمة إلى هذه الجزئية، وقالت: «إن ما نص عليه الدستور في مادته الثانية - الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع- إنما يتمحض عن قيد يجب على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها، وألا يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا».

وتابعت: «لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً لأنه من غير المتصور أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها بحسبان أن المادة الثانية من الدستور، تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصيلة التي تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اعتبر ذلك تشهيا وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة».

تضيف المحكمة: «أما الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، فإن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها؛ ملتزمًا ضوابطها الثابتة، متحريا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال على أن إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه، تطويرا لقواعد عملية تكون في مضمونها أرفق بالعباد وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي تشرع الأحكام لتحقيقها، وبما يلائمها، مرده أن شريعة الله جوهرها الحق والعدل، والتقيد بها خير من فساد عريض، وانغلاقها على نفسها ليس مقبولا ولا مطلوبا، ذلك أنها لا تمنح أقوال أحد من  الفقهاء  في شأن من شئونها، قدسية تحول دون مراجعتها وإعادة النظر فيها، بل وإبدالها بغيرها».

وأكدت على أن الآراء الاجتهادية في المسائل المختلف عليها ليس لها في ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولا يجوز بالتالي اعتبارها شرعًا ثابتا متقرراً لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهيًا عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى، وإنكارًا لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، بل إن من الصحابة من تردد في الفتيا تهيبًا، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندًا، أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفًا لآراء استقر عليها العمل زمنًا، وتلك هي الشريعة الإسلامية في أصولها ومنابتها، متطورة بالضرورة، نابذة الجمود، لا يتقيد الاجتهاد فيها - وفيما لا نص عليه - بغير ضوابطها الكلية، وبما لا يعطل مقاصدها التي ينافيها أن يتقيد ولى الأمر في شأن الأحكام الفرعية والعملية المستجيبة بطبيعتها للتطور، لآراء بذاتها لا يريم عنها، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعا قد جاوزتها.

واختتمت بقولها أن لولي الأمر أن يُشَرع بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله، مستلهمًا في ذلك أن المصالح المعتبرة، هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة، متلاقية معها، وهى بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر تطبيقاتها، ولكنها تتحدد  - مضمونًا ونطاقًا - على ضوء أوضاعها المتغيرة يؤيد ذلك أن الصحابة والتابعين، والآئمة المجتهدين، كثيراً ما قرروا أحكامًا متوخين بها مطلق مصالح العباد، طلبًا لنفعهم أو دفعا لضرر عنهم أو رفعا لحرجهم، باعتبار أن مصالحهم هذه، تتطور على ضوء أوضاع مجتمعاتهم، وليس ثمة دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها  حيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتكون تخوما لها لا يجوز اقتحام آفاقها أو تخطيها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها، عدوان على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها ولا يجوز بالتالي أن يكون تنظيم هذه الحقوق، مناقضا لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفا ومبرراً.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق