هل تمثل إيران بداية الخلاف الأمريكي الأوروبي؟

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018 01:09 م
هل تمثل إيران بداية الخلاف الأمريكي الأوروبي؟
أحمد صلاح يكتب:

       يبدوا ان إيران أضحت تمثل نهاية شهر العسل بين واشنطن والأوروبيين المتهمين دائما بالتبعية العمياء للبيت الأبيض في العديد من القضايا الدولية. 
 
وتتأسس هذه التبعية على شعور واشنطن الدائم بأنها حامى القارة العجوز كونها الممول الأكبر لحلف شمال الأطلنطي، ولذلك فدائما تطالب واشنطن الدول الأوروبية بزيادة معدلات نفقاتها العسكرية بنسبة 2% من صافى الناتج المحلى لكل دولة من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي ، وهى نسبة بعيدة تماما عن الواقع لان السواد الأعظم من الدول الأوروبية لم ينجح في بلوغ نصف هذه النسبة ، بل هناك بعض الدول الأوروبية مثل بلجيكا وهولندا على سبيل المثال لا الحصر لم تتجاوز ثلث هذه النسبة  هذا في الوقت الذى يصل فيه معدل الانفاق الأمريكي في المجال العسكري 3.1 % من صافى الناتج المحلى الأمريكي ، كما ان أمريكا تتحمل وحدها ما يربوا عن 70% من نفقات حلف الناتو. 
 
    ولكن مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض ، وقد بدأت هذه التبعية تشهد بعض التراجع لأسباب عديدة منها عدم ارتياح بعض العواصم الأوروبية مثل برلين لوصول ترامب للبيت الابيض وخاصة انه كان هناك ارتياح أوروبي تجاه منافسته كلينتون .
 
الامر الذى ازعج ترامب كثيرا ودفعه نحو اتخاذ بعض المواقف المغايرة للموقف الأوروبي تجاه العديد من القضايا الدولية ولعل الملف النووي الإيراني يمثل النموذج الاوضح في هذا الشأن في ظل ما اعلنه  ترامب في مايو الماضي بشأن انسحاب بلادة  من الاتفاق النووي الإيراني وفشل  المساعي الأوروبية الرامية لا ثنائه عن قراراه هذا ، الامر الذى دفع  بعض العواصم الأوروبية  لان تبدأ في رفع راية العصيان امام ترامب  مُعلنة  استمرارها في الاتفاق النووي الإيراني  ، وبالتالي فقد اصبحنا امام سياسة أوروبية جديدة تسعى نحو انهاء تبعيتها لأمريكا ومن ثم تكتب شهادة وفاة التبعية الأوروبية للإدارة الامريكية .
 
    واستمراراً في السياسة الأوروبية الجديدة، وفى تحدى واضح لترامب و لسياسته تجاه ايران، فقد اجتمعت الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيرينى الاثنين الماضى24 من سبتمبر الجاري بوزير خارجية ايران على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 73 بحضور ممثلين عن الدول الست (فرنسا ، بريطانيا ، الصين ، روسيا ، المانيا ، ايران  )وهو الاجتماع الذى يهدف في الأساس الحفاظ  على الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015.
 
كيان جديد:
       وعقب هذا الاجتماع الهام، فقد تم توزيع بيان مشترك للمسئولة الأوروبية ونظيرها الإيراني يؤكدا خلاله على عزم الاتحاد الأوروبي على انشاء كيان جديد يهدف الى الاستمرار في التعامل مع الشركات الإيرانية بشكل قانونيا وخاصة في مجال النفط هرباً من العقوبات الامريكية المفروضة على إيران، هذا مع التأكيد على ان الكيان الأوروبي الجديد سيسمح من شأنه للشركات الأوروبية بالاستمرار في تعاملاتها التجارية وفقا للقانون الأوروبي ويمكن له كذلك التعامل مع شركاء آخرين في جميع انحاء العالم.
 
      وفى الواقع، فنحن الآن امام سياسة أوروبية جديدة تسعى نحو تحقيق الاستقلال الأوروبي وانهاء التبعية للبيت الأبيض، الامر الذى يزيد من شأنه من مساحة الخلاف بين الجانبين الأوروبي والأمريكي وهو خلاف مرشح للتصاعد في ظل سياسة ترامب نحو أوروبا التي بدأت هي الأخرى في حث أعضاءها على زيادة استثماراتها في المجال العسكري حتى يكون الأوروبيون هم المسئولين في المقام الأول عن امنهم وهو التوجه الذى تسعى باريس وبرلين نحو ترسيخه الى حد كبير.
 
       وأخيرا، وفى ظل التغيرات الجذرية التي بدأ تضرب العلاقات الامريكية الأوروبية جراء اختلاف مصالح الجانبين في ملفات عديدة لعل أبرزها الملف النووي الإيراني، فهل من الممكن الاستفادة من هذه التغيرات في خدمة قضايا منطقة الشرق الأوسط وخاصة في سوريا وفلسطين وليبيا؟ اعتقد انه في ضوء هذه المتغيرات ، فيمكن طرح هذه الملفات امام القادة الأوروبيين من زوايا تخدم المصالح الأوروبية منها على سبيل المثال ان انهاء الازمة السورية ينعكس إيجابا على مشكلة اللاجئين في أوروبا هذا فيما تنعكس تهدئة الأمور في ليبيا إيجابا على إشكالية اللاجئين الذين يمثلون بدورهم معضلة كبرى بالنسبة للأوروبيين .
 
اذا فان الامر يتوقف على القاء الضوء على نتائج تسوية مشاكل المنطقة على الجار الأوروبي وهو اتجاه قد يكون جيدا استثماراً للسياسة الأوروبية الجديدة الساعية نحو تحقيق ذاتها بعيدا عن املاءات البيت الأبيض.
  
                                                                                                       المستشار الإعلامي السابق ببروكسل
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق