سيرة تحولات سيد قطب.. كيف انحرف المثقف والناقد الأدبي إلى طريق التكفير؟

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018 06:00 م
 سيرة تحولات سيد قطب.. كيف انحرف المثقف والناقد الأدبي إلى طريق التكفير؟
سيد قطب خلف القضبان في قضية تنظيم 1965
وجدي الكومي

وسط أصداء القبض على الإرهابي المجرم هشام عشماوي، من الضروري أن تكون هناك وقفة لمراجعة التحولات التي تطرأ على مؤسسي الفكر التكفيري، والذين قادونا إلى المشهد الذي انتهينا عنده اليوم، ولعل أبرز هؤلاء المؤسسين لهذا الفكر، هو سيد قطب، الذي عرضنا أمس جانبا من نشأته وسيرة حياته الأولى، ونعرض اليوم جانبا آخر لإرهاصات تحولاته، التي جعلته يسير في الطريق الملغوم، الذي انتهى إليه.

 

غلاف كتاب حلمي النمنم سيد قطب سيرة التحولات
غلاف كتاب حلمي النمنم سيد قطب سيرة التحولات

في كتابه "سيد قطب سيرة التحولات" يكشف حلمي النمنم أنه يهتم في كتابه برصد التحولات والانقلابات في حياة وعقل سيد قطب، الذي كان كاتبا وباحثا، ويشير النمنم إلى أنه من متابعته لكتب سيد قطب، وجد ا،ه كان ينقل نقلا مطولا عن الآخرين، ما يصفه النمنم بالسرقة العلمية، مشددا على أنه انتحل أفكار الآخرين، خاصة أفكار أبو الأعلى المودودي، وسطا على كتب ونصوص الآخرين، ويشير النمنم إلى أن الدكتور شوقي ضيف نبه مبكرا إلى ذلك حين أصدر قطب كتابه عن النقد الأدبي، ونبه بعده عز الدين إسماعيل.

ويناقش حلمي النمنم في كتابه علاقة سيد قطب بحسن البنا، ثم علاقته بخليفة البنا في جماعة الإخوان، حسن الهضيبي، مشيرا إلى أن سيد قطب تبادل الكراهية العميقة مع رجال البنا داخل الجماعة، وبادلوه هم رفضا برفض، وكراهية بكراهية، وطالبوا بطرده من الجماعة، ولما لم يفلحوا اعتبروه دسيسة عليهم، وأوشكوا أن يبلغوا عنه.

ويناقش حلمي النمنم في كتابه حالة سيد قطب بالنسبة للفكر الإسلامي، ويصف أنه متعدد الأوجه، ومتقلب القلب، ويلفت إلى أنه في الطبعات الأولى من كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" يروج للفكر الشيعي بامتياز، أما في كتبه "المعالم" فهو قرآني بجدارة، وفي كتابه "مقومات التصور الإسلامي" هو من المؤمنين بوحدة الوجود، وفي كتابه "الظلال" تكفيري حتى النخاع، ينافس الخوارج في زمن الإمام علي والصحابي معاوية.

ويتناول حلمي النمنم في أولى فصول كتابه "سيرة التحولات" اهتمام المثقفين بسيد قطب في فترة من الفترة، خاصة في تلك الفترة التي صاحبت فوز محفوظ بجائزة نوبل، حيث اختار غالي شكري مجموعة من المقالات التي بشرت بنجيب، وهي المقالات التي كتبها سيد قطب في مجلة الرسالة حول أعمال نجيب التي ظهرت في أواخر الأربعينات مثل "خان الخليلي" و"زقاق المدق"، وهي المقالات التي كانت بالنسبة لكثيرين تمثل اكتشافا، واستنتج البعض أن سيد قطب أول من قدم نجيب محفوظ للحياة الأدبية، وهو ما ينفيه حلمي النمنم في الكتاب بقوله: لم يكن سيد قطب أول من انتبه لمحفوظ، فقد سبقه غيره من الكتاب، وهناك رسالة جامعية أنجزت في كلية دار العلوم حول نقاد محفوظ أثبتت ذلك.

ويتابع حلمي النمنم: الظاهرة المشرقة لسيد قطب، كانت تقابلها صورة أخرى مظلمة وكابوسية، وهي صورته التي تقف أفكاره التكفيرية خلف جماعات التكفير، وراحت هذه الجماعات تمارس أعمالا إرهابية كاغتيال بعض الشخصيات العامة، ونهب ممتلكات الأقباط، والاعتداء على السائحين، وإصابة نجيب محفوظ نفسه.

ويشير حلمي النمنم إلى أن أفكار سيد القطب هزمتها ثورة 25 يناير، التي اعتمدت على الحضور الكثيف والطاغي للجماهير، الذين احتقرهم سيد قطب، باعتماده على الطليعة المؤمنة التي ستقوم بعملية البعث الإسلامي، وكان شعار تلك الجماهير سلمية سلمية، بينما كان شعار جماعة وتنظيم سيد قطب التجهز بالقوة لردع الخائنين، لذا تورطت هذه الجماعة في شراء السلاح سنة 1965 من السودان وعبر حدود مصر.

ويشير النمنم إلى أن الذين اختزلوا آراء وأفكار سيد قطب الإسلامية في كتاب المعالم، لم يخطئوا كثيرا، لأنه هو نفسه من أشار عليهم بذلك في الفقرة الأخيرة من مقدمة الكتاب، حيث راح يتحدث عن فصول كتابه وذكر أن منها "أربعة فصول مستخرجة من كتاب في ظلال القرآن، مع تعديلات وإضافات مناسبة لموضوع كتاب المعالم، وفي الهامش نجد إشارة لأسماء وعناوين الفصول الأربعة، ويقول النمنم أنه إذا كان المعالم يضم ملخصا لأفكار وآراء سيد قطب، فإن الظلال يضم هذه الأفكار بتوسع شديد واستطراد بالغ، لذا كان من السهل عليه أن يلتقط بعض ما ورد في الظلال وقدمه مكثفا على أنه "المعالم".

عندما اندلعت ثورة يوليو 1952، لم يكن سيد قطب عضوا بأي حزب، ولا بجماعة الإخوان، وكان قد نشر مقالا في جريدة المصري أول يناير 1952، اعتبر نفسه فيه صديقا لجماعة الإخوان، ويفند حلمي النمنم المزاعم التي تقول أن سيد قطب لعب دورا في قيام ثورة يوليو، وأنه كان على اتصال بهم، ويقول حلمي النمنم في كتابه: في مقال للمبدع والناقد سليمان فياض بمجلة الهلال سبتمبر 1986 يقول فياض أنه سمع من سيد قطب أنه كانت له صلة بعدد من الضباط الأحرار قبل الثورة، وأن بعضهم كان يتردد عليه في بيته، ويرى النمنم أن هذا واقعيا كان غير ممكنا، لأن جمال عبد الناصر كان يتردد على الصحفيين الكبار مثل إحسان عبد القدوس، وأحمد أبو الفتح، وحلمي سلام، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم، ممن لديهم اتصالات بمراكز صنع القرار في مصر، ولديهم تحليلات سياسية بما يمكن أن يحدث، أما سيد قطب فلم يكن صحفيا، ولا متصلا بمصادر الأخبار، كان كاتبا بين عشرات الكتاب، ولم يكن مؤثرا بالنسبة لأي حزب ولا منتميا لأي جماعة أو تنظيم سياسي.

ويُكذب حلمي النمنم في كتابه "سيرة التحولات" رواية سيد قطب التي روج لها مسؤولون في الإخوان ببورسعيد، ومنهم محمود عزب، أن سيد قطب  استدعاه في منزله، يوم 19 يوليو، 1952، ووجد عنده عددا من الضباط الأحرار بينهم البكباشي جمال عبد الناصر نفسه، وكلفه سيد أن يستعدوا ليكونوا حماة الثورة لحظة قيامها، وأن يحفظوا الأمن في بورسعيد، ويقول النمنم: هذه الرواية تدخل في مجال الكذب الصريح، ذلك أن سيد قطب لم يكن عضوا آنذاك في الإخوان، ولما التحق بالجماعة، لم تكن عضويته ودرجته في التنظيم تسمح له أن يستدعي مسؤول بورسعيد، مشيرا إلى أن الأيام والشهور الأولى التي أعقبت خروج فاروق من مصر، كان مقر مجلس قيادة الثورة مفتوحا طوال الليل والنهار، يستقبل كل زائر يعبر عن مساندته لما يحدث، ويستعين النمنم برواية حلمي سلام مدير تحرير مجلة المصور، وصديق عبد الناصر وقتها، أن الأخير سأله لماذا لا يتردد على مبنى القيادة مثل الآخرين من الصحفيين، وكان سيد قطب واحدا من هؤلاء.

ويشير النمنم إلى أن سيد قطب راح يكتب مساندا للضباط الأحرار، وبعد أسبوعين فقط من اندلاع 23 يوليو، كتب مقالا ناريا في جريدة الأخبار عدد 8 أغسطس، حمل عنوان "استجواب إلى البطل محمد نجيب"، انتقد فيه الضباط الأحرار أنهم اكتفوا فقط بخلع الملك عن العرش، وأنهم يؤثرون الانسحاب والعودة إلى الثكنات، وحذرهم من ذلك، بقوله: يا سيدي بدلا من أن تسيروا في هذا الطريق حتى نهايته، بدلا من أن تضربوا الحديد ساخنا، بدلا من أن تفتحوا أوكار اللصوص، آثرتم أن تنسحبوا إلى الثكنات وأن تتركوا الميدان لرجال السياسة.

وطالب سيد قطب الضباط الأحرار بمواصلة التطهير وأن يفعلوا ذلك بأنفسهم بدلا من أن يتركوا الأمر لرؤساء الأحزاب أنفسهم.

ويستعيد النمنم واقعة أحداث مصنع كفر الدوار، حينما تظاهر عمال المصنع احتجاجا على أوضاعهم، وانتهت الواقعة بإجراء محاكمة سريعة لعدد من العمال، وصدر حكم بإعدام اثنين منهم، هما خميس والبقري، وكتب سيد قطب مقالا نشره يوم 15 أغسطس، في الأخبار بعنوان "حركات لا تخيفنا" تساءل فيه: العمال كلهم أو بعضهم كيف يسخطون؟ هؤلاء العمال ما الذي يمكن أن يسخطهم على العهد الجديد؟ ما الذي يمكن أن يثير خواطرهم إلى حد الفتنة" وأخذ قطب يصب جام غضبه على الشيوعية والشيوعيين .

ويرجع النمنم انحراف قطب إلى طريق الإخوان والتكفيريين بعدما كتب كثيرا في صف الضباط الأحرار، يئس، من تحقيق أحلامه لدى ضباط القيادة، ويشير النمنم إلى أن سيد قطب ذكر أن خلافاته مع ضباط القيادة بدأت في فبراير 1953، وهو نفس عام انضمام قطب للإخوان، وسفره إلى سوريا بتكليف من المرشد العام للجماعة آنذاك حسن الهضيبي، ليلتقي بقيادات الإخوان في سوريا، ويشير النمنم إلى أن ابتعاد قطب عن الضباط، وانخراطه التام في الجماعة بسبب المنصب الذي لم ينله، وهو منصب وزير المعارف، أو منصب مدير الإذاعة المصرية التي كتب مقالا بعد الثورة يحرض فيه الضباط على الإذاعة ويدعو لتطهيرها.

يقول النمنم: أدرك سيد أنه لا مستقبل له مع الضباط، فذهب إلى الإخوان، وترأس تحرير مجلة أسبوعية إخوانية، اسمها "الإخوان المسلمون" .

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة