شيطانهم الذي علمهم السحر.. سيد قطب مدرس ابتدائي أورثنا الفكر الإرهابي

الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 07:00 م
شيطانهم الذي علمهم السحر.. سيد قطب مدرس ابتدائي أورثنا الفكر الإرهابي
سيد قطب
وجدي الكومي

لعل سقوط الإرهابي هشام العشماوي، يجعلنا نفتح ملف الأصولية الإسلامية، وأولى بذورها في التربة المصرية، والتي زرعها عديدون، يأتي سيد قطب على رأسهم، ويتزامن ذكرى ميلاده في التاسع من أكتوبر والخبر الجلل بالقبض على رأس الأفعى العشماوي في ليبيا، وهو ما يجعل لهذه السطور مبرر قوي اليوم.

سيد قطب
سيد قطب

لعل من أهم الكتب والأبحاث التي توثق لسيرة تحولات سيد كتب، ما وضعه الباحث شريف يونس في كتابه المهم "سيد قطب والأصولية الإسلامية" المنشور في أكثر من طبعة، أولها طبعته الأولى عام 1995، عن دار طيبة للدراسات والنشر، ثم تكرر صدور طبعات أخرى من الكتاب عبر مكتبة الأسرة عن هيئة الكتاب المصرية التابعة لوزارة الثقافة.

يصف شريف يونس حياة سيد قطب المولود عام 1906، بأنها سلسلة متصلة الحلقات، ويرى أن ظروفه الشخصية فضلا عن ظروف البلاد والعصر، لم تكن لتساعد على مثل هذا التدفق الهادئ المستمر، بل لعلها ساعدت إلى أبعد الحدود على أن تمر حياته بعدد من التحولات النفسية والعملية والفكرية المذهلة في تنوعها وعمقها.

في قرية موشا بأسيوط، وُلد سيد قطب إبراهيم في أسرة وصفها هو نفسه بأنها ليست عظيمة الثراء، ولكنها ميسورة الحال، ولكن الخراب سرعان ما حل بالأسرة نظرا لأن والده كان متلافا مضيفا على حد وصف سيد قطب نفسه لأبيه، إذ كان الأب حريصا على تكاليف المظهر، بوصفه عميد الأسرة، المكلف بحفظ اسمها ومركزها، وهو ما جعل أمه تعلق أملها عليه، وأناطت به مهمة استعادة وضع الأسرة بعدما اضطرتها الظروف إلى بيع بيوت وأطيانها تباعا.

انتقل سيد قطب إلى القاهرة عام 1921، بهدف استكمال تعليمه وأقام عند خاله أحمد حسين عثمان الذي كان يعمل بالتدريس والصحافة، والتحق بمدرسة من مدارس المعلمين، وسرعان ما أدى به انحدار الأسرة، إلى العمل كمدرس أولى في القاهرة، وصحافيا وشاعرا ومصححا بالصحف منذ سن مبكرة ليستطيع الإنفاق على نفسه واستكمال دراسته.

غلاف كتاب سيد قطب والأصولية الإسلامية
غلاف كتاب سيد قطب والأصولية الإسلامية

ويشير شريف يونس إلى أن سيد قطب جاء إلى القاهرة حاملا معه عبء إنقاذ مأمول للأسرة، مقترنا بحلم تحقيق العظمة، فقسم حياته إلى قسمين، عالم الطفولة، وعالم الشقاء، وحين لحقت به الأسرة في القاهرة، شاركته الإحساس بالغربة، وكان عليه أن يكون قائد هذه الأسرة، وتولد عن ذلك إحساسه بازدياد غربته، ويكشف يونس أن سيد قطب ساعد إخوته على كتابة الشعر والقصة القصيرة، وفتح أمامهم أبواب النشر، وقت أن كان شاعرا وناقدا، وتحولوا معه إلى الإسلام السياسي بعد تحوله إليه في النصف الأخيرة من الأربعينيات.

يتناول شريف يونس في كتابه المهم، اتصال سيد قطب المبكر بعباس العقاد، الذي وفر له انفتاحا على عالم ثقافي جديد، وثيق الصلة بالثقافة الأوروبية، وهو ما جعل سيد قطب يبتعد عن مدرسة شوقي والرافعي الأدبية، ويحكي يونس عن اشتراك قطب في تحرير عدد كبير من المجلات الثقافية والسياسية إلى عام 1954، منها في العشرينات والثلاثينات البلاغ والبلاغ الأسبوعي، و"الوادي" والحياة الجديدة" وكوكب الشرق" و" المصور" و"الرسالة" و"أبولو" .

وعمل سيد قطب بوزارة المعارف بدءا من 2 ديسمبر 1933، حتى استقالته منها، في 18 أكتوبر 1952، وباستثناء عام دراسي واحد، قضاه قطب متنقلا بين دمياط وبني سويف، استقر في القاهرة، مدرسا بمدرسة حلوان الابتدائية بالقرب من محل سكنه، ولم يكد يحل عام 1940، حتى ترك التدريس، ليتنقل بين إدارتي مراقبة الثقافة العامة والترجمة والإحصاء، حتى يونيو 1944، حيث نقل مفتشا للتعليم الابتدائي، بمنطقة جنوب القاهرة، ليعود بعد أقل من عام إلى الإدارة العامة للثقافة، وفي أواخر عام 1948 انتقل إلى وظيفة مراقب مساعد بمكتب وزير المعارف، ومنه إلى بعثة وظيفية لدراسة أصول المناهج والتربية بالولايات المتحدة الأمريكية ليعود عام 1950، ليشغل نفس الوظيفة بمكتب الوزير حتى استقالته.

يتوقف الباحث الدكتور شريف يونس طويلا عند محطات سيد قطب الأدبية، وحياته الشخصية، واندفاعه نحو التمرد على أستاذه العقاد، ويتناول خلافه الأدبي مع العقاد، وتمرده عليه، ومن ثم هجرته للشعر والنقد الأدبي، ثم تحوله الإسلامي، ويعرض لتصديه في الفترة من 1940 إلى 1954 في أكثر من مائة مقالة لمختلف مشكلات المجتمع المصري، من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتعليم، في إطار العمل على إنهاض الروح الوطنية، وإعلانه كفره بالأحزاب عام 1954، التي تنقل فيها بين حزب الوفد، وحزب السعدي، وبدءا من عام 1948، يكرس سيد قطب جهوده للدعاية السياسية لأفكاره الإسلامية المناهضة للنظام، وللتنظير لبناء هذا المجتمع المقبل في كتبه المتتالية بدءا من "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، ويبلور قطب في عام 1951، شعار "الكتلة الإسلامية" التي يفترض أن تضم في المستقبل كافة الشعوب الإسلامية.

يركز شريف يونس في مستهل الفصل الأول من كتابه على الحدث الاستثنائي الذي وقع في حياة سيد قطب، ألاا وهو بعثته إلى الولايات المتحدة الأمريكية بين 3 نوفمبر 1948، و23 أغسطس 1950، للتخصص في التربية وأصول وضع المناهج، إذ أدت بعثته تلك إلى ارتفاع نجمه كواحد من أكثر الأقلام حدة في الهجوم على الاستعمار والولايات المتحدة والنظام الحزبي القائم والفساد العام، ومزج ذلك كله بالإسلام.

ويثير يونس تساؤلات عديدة حول طريقة اختيار سيد قطب للبعثة، ويلفت إلى أنها لم تكن بعثة دراسية لنيل أطروحة علمية، وإنما كانت بعثة تدريبية، ولم تكن محددة بوقت، أو زمن، واختاره لها إسماعيل القباني، المستشار الفني للوزارة، والوزير في حكومة محمد نجيب الأولى فيما بعد، وقيل أنه قد دبر له هذه البعثة حماية له من الاندفاع الذي كان سائرا فيه، وهو ما كتبه سيد قطب نفسه في مجلة الفكر الجديد.

لا تكف هذه السطور لعرض محتوى الكتاب الكبير، الذي يتطرق بعد ذلك لإعلان سيد قطب عن نفسه كصانع إيديولوجية، والذي حاول أن يجمع من حوله أفكار جهود الوطنيين، والاشتراكيين، والإخوان، وانتظاره من ضباط ثورة يوليو، أن يولوه وزارة المعارف لينفذ برنامجه الإسلامين ثم انقلابه عليهم بعد رفضهم التحالف مع الإخوان، ومن ثم اختياره الوقوف في صف الإخوان، ويصور نفسه كمشروع شهيد، وكرجل تحيطه أخطار عظمى، يقف في وجه التيار، ويٌجهل الشعب، لأن الشعب غير واع على حد اعتقاده.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق