تخليص الإبريز في تلخيص باريز.. كيف صبر رفاعة الطهطاوي على رجعية الخديوي سعيد؟

الإثنين، 15 أكتوبر 2018 11:44 م
تخليص الإبريز في تلخيص باريز.. كيف صبر رفاعة الطهطاوي على رجعية الخديوي سعيد؟
رفاعة الطهطاوي
وجدي الكومي

 

في سوهاج في العام 1801، وُلد رفاعة رافع الطهطاوي، في فترة من أصعب فترات مصر السياسية والاقتصادية، والفكرية، كان قد مر عقد على تولي محمد علي مقاليد الحكم في مصر، وبدأت الدولة تتجه إلى سن سياسات التعليم، والنهضة في مجالات الدراسات الحربية، والعسكرية، وكذلك النهضة بموارد البلاد، الزراعية، والإنتاجية، والصناعية، ووسط هذه الأجواء من الحماس للبناء والتقدم، شهدت مصر ميلاد رفاعة الطهطاوي الذي سيصبح بعد عقود رائدا من رواد التنوير.

التحق رفاعة الطهطاوي بالأزهر، مثله مثل كل المصريين أبناء الريف، والصعيد، الذين ينتقلون من التعليم في الكتاتيب، إلى التعليم في أروقة الأزهر، وبالطبع كان المجال المفتوح للدراسة أمامه هو دراسة الحديث والفقه والتصوف، والتفسير، والنحو، والصرف.

كان الجامع الأزهر قد لعب دورا سياسيا واجتماعيا في المشهد المصري أبان مجيء محمد علي، وهو ما جعل محمد علي يولي شيوخ الجامع الأزهر اهتمامه، ويختار من تلاميذهم مبعوثين لدراسات في أوروبا، لذا كان رفاعة الطهطاوي موضع اهتمام محمد علي للابتعاث إلى الخارج، خاصة أنه درس على يد الشيخ حسن العطار، مما أهله ليطلع على العديد من العلوم في مختلف المجالات، فقرأ كتب الجغرافيا، والتاريخ، والطب والرياضيات، والأدب، والفلك، لهذا اختاره محمد علي باشا ليكون إماما للبعثة العلمية المتجهة صوب فرنسا، بناء على توصية من أستاذه حسن العطار.

غلاف كتاب رفاعة الطهطاوي مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية
غلاف كتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية
 
في العام 1826 سافر رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، إماما لبعثة قوامها أربعين طالبا، أرسلها محمد علي على متن سفينة فرنسية لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، وكان عمره وقتها 24 عاما، وفي العام 1831 عاد رفاعة متحمسا للترجمة، وتطوير المناهج الدراسية في المدارس المصرية، وافتتح بعد مجيئه بأربعة سنوات مدرسة للترجمة، صارت فيما بعد مدرسة الألسن، وتولى إدارتها، إلى جانب عمله مدرسا بها.

في مسيرة حياة صاحب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» محطات سياسية ودرامية، بعدما اقترب من السلطة، ورموزها فيما بعد عصر محمد علي، إذ انطفأت بغتة شعلة نشاط رفاعة الطهطاوي مع تولي الخديو عباس حكم مصر، الذي كان معروفا بالخديو السلفي، الرجعي، حيث أغلق مدرسة الألسن، وأوقف أعمال الترجمة، وقصر توزيع صحيفة الوقائع التي أصدرها رفاعة، وكان الخديو عباس متخذا سياسة الانغلاق والرجعية، والعودة إلى السلفية، والاتجاه أكثر تجاه الجزيرة العربية، وكان يرسل مبعوثه للخيول «على باشا اللالا» إلى شبه الجزيرة، لشراء واقتناء أفضل وأجمل أنواع الخيول العربية.

ولم يكتف سعيد فقط بغلق الأبواب في وجه رفاعة، بل نفاه إلى السودان سنة 1850 لكن هذا لم يحبط رفاعة، بل ترجم من هناك مسرحيات، وأعمالا أدبية، وقضى في منفاه أربعة أعوام، قبل أن يعود إلى مصر بعد وفاة الخديو سعيد، وتولي الخديو إسماعيل الحكم  عام 1863.

سعى رفاعة الطهطاوي إلى ترجمة القوانين الفرنسية، في عدة مجلدات، وطٌبع بالفعل في مطبعة بولاق، باسم «تعريب القانون المدني الفرنساوي» ولعل فضل تدريس اللغة العربية بشكل إجباري، يرجع إلى رفاعة الطهطاوي، في عهد الخديو إسماعيل.

اللافت أن جهود رفاعة الطهطاوي التنويرية لم تقتصر فقط في مجال الاهتمام باللغة العربية، والترجمة إليها، من اللغات الأخرى، بل امتدت أيضا إلى الآثار، فكان هو أول من أنشأ متحفا للآثار في تاريخ مصر الحديث، حيث بدأ يجمع الآثار المصرية القديمة، وأصدر أمرا بصيانتها، ومنعها من التهريب والضياع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق