البيان الأبيض ينفع في اليوم الأسود

الإثنين، 15 أكتوبر 2018 06:39 م
البيان الأبيض ينفع في اليوم الأسود
مصطفى الجمل يكتب..

 

 حسناً فعلت الحكومة عندما قامت غرفها المختلفة سواء وزارات أو هيئات بإنشاء قنوات اتصال مباشرة مع الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية تطلعهم من خلالها على آخر أخبارها وما تقوم به من أنشطة وما تنظمه من ندوات ومؤتمرات وجولات داخلية وخارجية، مستعينة في ذلك بما وصلنا إليه من تطور تكنولوجي، وأدوات سحرية تقرب بين أطراف العالم أيا كانت المسافة الفاصلة بينهم، كمجموعات مواقع التواصل الاجتماعي «واتس آب» أو «فيسبوك». 

وعلى الرغم من أن السنة الحسنة لم توفر كل المعلومات التي يحتاجها الصحفيون لعملهم اليومي، إلا أنها وفرت على الأقل الحد الأدنى، وخلقت روحاً جديدة بين المصادر ومندوبي الجرائد، وقربت وجهات النظر، وجعلت تدارك الخطأ وتصحيحه أسرع، فقلت المناوشات والاشتباكات، واشتكى المحامون قلة القضايا. 
 
ولأن آفة حارتنا إساءة استخدام الأدوات، ضللنا نحن معشر الصحفيين طريقنا إلى المعلومة التي لا يريد أن يفصح المصدر عنها، واكتفينا بما تفضل به السيد المسئول من أخبار، وأخذ التكاسل منّا حقه فوقعنا في فخ «الفوروارد»،  تنبهنا الهواتف المحولة إلى ورود رسالة جديدة على جروب مصدر ما، فنتبعها بضعطتين لتصبح الرسالة في ملعب مسئولي التحرير، الأمر الذي جعل المواد المنشورة كلها صور متطابقة من أصل معلوم. 
 
لم يسئ الصحفيون وحدهم استخدام الأداة التكنولوجية المتطورة التي بين أيديهم، فوقع المسئولون في خطأ أكبر، خطأ دفعهم إليه دفعاً حب الظهور الإعلامي وخطف الكاميرات المتمكن منهم والمتأصل بداخلهم، فقرروا أن يكثروا من البيانات الصادرة على لسانهم بغض النظر عما بداخلها من قيمة مضافة، في خطوة تسبق وضع تلك البيانات على جروبات «واتس آب» المتواجد عليها السادة الصحفيين، الواقع سوادهم الأعظم تحت تأثير مخدر «الفوروارد»، فيفاجئ القارئ بنشر بيانات تخص مسئولين أو على لسانهم لا قيمة لها ولا فائدة منها، فما الذي يستفيده القارئ من حضور مسئول فلان حفلة عائلية في منطقة راقية والتقاطه صوراً مع الأهل والمحبين والأقارب، وما الذي سيرجع على السيد المتابع للموقع الفلاني أن يرى صور السيد/ة مع أحد أبنائها أو حفيداتها؟، وماذا يعنينا في أن فلاناً تزوج حفيده الرابع من الابن الثالث من الزوجة الثانية؟. 
 
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح عندنا مسئولون يقيسون الأمر بالقطعة، ويطلبون من مستشاريهم أن يضعوا خطتهم الأسبوعية على هذا الأساس، ليصبح من أهداف المستشار الإعلامي ألا يمر يوم دون أن يكون لمسئوله «حتتين» في المواقع والصحف، فيجد نفسه مضطراً لتطبيق مبدأ «البيان الأبيض ينفع في اليوم الأسود» فإن قام/ت المسئول/ة بثلاث جولات أو حضر/ت ثلاث فعاليات ينشر اثنان منهم ويبقي على الثالثة لليوم التالي لأن المسئول/ة غير مرتبط في بأي حدث يمكن أن يكتب به بياناً يوزع على الصحفيين والجرائد. 
 
فضح ذلك الخطأ عدة أمور، أولها حضور بعض الصحفيين لفعاليات ترسل بها بيانات صحفية بعدها بيوم أو يومين وقد تطول المدة لأسبوع، والملابس التي يرتديها المسئولون في اليوم الواحد، فتجد أن المسئول يظهر في صور البيان الذي بين يديك اليوم بنفس وضعية وملابس وكل تفاصيل أمس أو أول أمس، وبالتحري تفاجئ أن البيان الصادر بعنوان اليوم، وقع وتم في وقت سابق.  
 
يستثنى من ذلك البيانات التي تحتاج إلى استكمال للمعلومات، وهذه لحقيقة الأمر قليلة جدا ونسبتها لا تتخطى الـ10%، وكذلك المسئولون الذين لا يشغلهم مثل هذه الأمور، ويتركون إدارة ذلك الملف للمستشارين الإعلاميين إو الإدارات الإعلامية في مؤسساتهم، ويمنع وقوع الجرائد في تلك الكارثة وجود صحفيين يقظين لمصادرهم مدققين في معلوماتهم. 
 
ما الضرر في ذلك؟.. الضرر هنا أدبي في المقام الأول، فإن كانت المادة الإعلامية جاهزة للنشر فليس هناك أي داعي لتأجيلها ونشرها فيما بعد، خوفاً من أن يمر يوم دون وجود أخبار للمسئول الفلاني، ومادي لأن الصحفي الذي يقدم مادة وقعت في الماضي وهو يقول عنها «بنت النهاردة» يتعرض لمجازاة تأديبية وخصم مالي من راتبه الشهري.
 
جزء كبير من مسئولية هذا الأمر يقع على عاتق  المستشارين الإعلاميين بهذه المؤسسات، والتعلل بأن الأمر ليس بيديهم عذر أقبح من ذنب، لأن خطاً كذلك يشوه صورتهم ويطعن في مهنيتهم ومصداقيتهم التي هي في الأساس رأس مالهم، فبقاؤهم في مؤسسة ما ليس دستوراً ولا قرآنا يستحيل تغييره، والتنقل في هذا الوسط أسرع مما يتخيل أحد، والموصوم بعدم المصداقية واللامهنية في مكان ما، لن يستطيع أن يقنع أحد في أي مكان آخر بعكس ذلك، ولا سيما أن بنسبة كبيرة المتلقيين منه هم من كانوا يتعاملون معه في الماضي، والتغيرر قليل جداً، حتى إن كانوا جدد على بكرة أبيهم فبالضرورة سمعوا من زملاء لهم السياسية التي يتبعها هذا المستشار في التعامل مع وسائل الإعلام.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق